“المحللّين والمحّللات” الخنفوشاريين والخنفوشاريات

حجم الخط

المحللين

ينتحلون صفة “المثقفين والمثقفات” و”المحللين والمحللّات” السياسيين والدوليين و”المتخصصين والمتخصصات” في شؤون العلاقات الدولية، يُنصّبون أنفسهم “أكاديميين وأساتذة جامعيين” ويخرجون علينا عبر وسائل تواصلهم الاجتماعي والشاشات لإطلاق التحليلات الإقليمية والدولية الخنفوشارية التي تقول الشيء ونقيضه في آن، وتقول اليوم عكس ما كانت تقوله قبل التحولات الكبرى التي طرأت على المشهد أخيرًا، وأحيانًا ترغي وتزبد من دون أن تقول لنا شيئًا أو من دون أن نفهم شيئًا مما تقوله، ولولا “نظام التفاهة” السائد في لبنان والعالم منذ فترة، والذي أتاح للفارغين والسطحيين وأشباه “المثقفين والمحللين” فرصة  الظهور الإعلامي والحضور في الوسط السياسي والجامعي والأكاديمي، لما تسنّى لهؤلاء أن يكونوا مجردّ منظّرين في قهوة القزاز يتباحثون في تلك الشؤون والشجون مع أبو العبد وأبو صطيف على نفس أركيلة ودق طاولة، في أحسن أحوالهم طبعًا.

كل ما يفعله هؤلاء، خصوصًا بعد انهيار خياراتهم الداخلية والاستراتيجية، وخصوصًا بعد ما اتحفونا طيلة سنوات وسنوات بكتاباتهم وتحليلاتهم السخيفة التي أثبتت فشلها الذريع، هو أنهم يحاولون رسم صورة دولية وإقليمية متشعبّة وضخمة لأي تفصيل في حياة الشعوب والمجتمعات، فإذا قرر شبان سوريون مثلاً التظاهر في حمص بناءً على مبادرةٍ فردية بين بعضهم البعض، صار تحركّهم هو نتيجة اجتماع تركيا مع روسيا مع الصين مع زبمبابوي بموجب أجندة سرية لا يعلم بها الا الله وهؤلاء “المحللين” فقط، وإذا ثار شعبٌ ما على نظامه بفعل القمع والقهر والجوع والظلم التاريخي، صارت هذه الثورة نتاج مؤتمرٍ دولي عُقد في القرن التاسع عشر ولم تظهر نتائجه سوى الآن… الى ما هنالك من جعدنات وتحليلات خنفوشارية وسخافات.

مُخطئ من يعتقد أن مستقبل الشعوب في القرن الواحد والعشرين، وفي ظل العولمة وتطور المعرفة ووسائل التواصل الاجتماعي، تصنعه الدول الكبرى والإقليمية فحسب، ومخطئ من يعتقد أن مؤتمرًا إقليميًا أو دوليًا ما يمكن أن يُقرر نيابةً عن الشعوب حاضرها وتوجّهاتها المستقبلية، فإذا قرر شعبٌ ما شيئًا لمستقبله لا يمكن لكل دول العالم مجتمعةً القفز فوق تلك الإرادة، وأكبر دليل على ذلك أن اللجنة الخماسية العربية والدولية المعنية بالملف الرئاسي اللبناني لم تصل الى أي نتيجة بعد سنتين من الاجتماعات واللقاءات، لمجرد أن اللبنانيين ليسوا متفقين في ما بينهم على طبيعة المرحلة القادمة، ولا على حاضر لبنان ومستقبله، واستطرادًا ليسوا متفقين على هوية الرئيس المقبل للبنان.

هناك الكثير من المسائل السياسية البسيطة جدًا التي تقررها الشعوب بمفردها في لحظة تحوّلاتٍ مجتمعية ونفسية وسياسية واقتصادية ومعرفية معينة، غير أن هؤلاء “المحللين والأكاديميين” الخنفوشاريين يُصرّون على جعلها مسائل إقليمية ودولية متشعبّة لمجرد إيجاد التبريرات لمحورهم الفاشل الذي لا يُقيم أي اعتبار للإنسان، ولا لحريته وإرادته الذاتية في رفض الظلم والقهر والتطلّع نحو الأفضل، بصرف النظر عن كل المعادلات والموازين والاتفاقات الاقليمية والدولية.

ما جرى في سوريا أخيرًا ويحاول هؤلاء ربطه باتفاقيات وسياسات إقليمية وعربية ودولية طويلة عريضة، ليبرروا لأنفسهم ولمحورهم سخافة مقارباتهم الاستراتيجية ويحافطوا لهذا المحور الساقط على ماء وجهه من خلال حشره في هذا النصر الشعبي، وحتى يبرروا كذلك للأسد الابن سبب تنحيّه عن السلطة لا سقوطه بالقوة، وهو الذي سبق لإحدى سيدات زحلة سنة 1981 ان شبّهت والده بالأرنب بحدسها العفوي البسيط. ما جرى في سوريا أخيرًا اذا هو استنزاف مقدرات روسيا في حرب أوكرانيا طيلة 3 سنوات، وعجزها عن القتال على جبهتين بالتوازي، واستنزاف عشرين ألف مقاتل لحزب الممانعة بين قتيل وجريح وعجزه عن نجدة الأسد في سوريا كما فعل سابقًا، واستنزاف جيش الأسد طيلة 14 سنة من المعارك وعجزه عن حماية مواقعه، واستنزاف قدرات إيران بفعل الضربات الإسرائيلية المتتالية للبنى التحتية العسكرية في سوريا، بالإضافة الى تراجع الواقع الاقتصادي الى الحضيض بفعل العقوبات والسياسات العسكرية للنظام الأسدي، وهو ما استفادت منه المعارضة السورية لإسقاط نظام الأسد، ومن دون كل التحليلات الدولية الخنفوشارية الطويلة عريضة.

وإذا كان هناك ثمة اتفاقيات دولية طويلة عريضة شاركت فيها روسيا وإيران لتنحّي الأسد وتحديد مستقبل سوريا، مثلما تسوّق لذلك تلك الأبواق الكرتونية الخنفوشارية، فلماذا تسعى هذه الأبواق نفسها لتخويف اللبنانيين، وخصوصًا المسيحيين، من وصول الثوّار الى الحكم في سوريا، طالما أن وصولهم جاء بمباركةٍ وتسوية واتفاقٍ شارك فيه بعض أركان محور الممانعة بالأساس؟!!

فليعيرنا هؤلاء “المحللين والمُحللّات” الاستراتيجيين سكوتهم، وليتفرّغوا لأمور تأتي بالنفع عليهم وعلى الناس، بدل الإمعان بالضغظ على كبسة الـ rewind لإعادة تذكيرنا بكلمة صحيحة قالوها في السابق من أصل 1000 تحليل خاطئ، ولمجرد تعديل مسارات تحليلاتهم السابقة التي كانت “تبشّر” ببقاء الديكتاتور، من أجل الوصول بها الى ما يتكامل مع الوقائع القائمة اليوم، والى ما يتناقض مع كل ما سبق لهم أن كتبوه وقالوه و”حللّوه”.

كل نهاية ديكتاتور وأنتم وتحليلاتكم الخنفوشارية بألف سوء.

إقرأ أيضًا

إقرأ أيضًا

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل