بالوقائع ـ “الحزب” بعد امعانه بضرب القضاء “يبكي ويشكي”

حجم الخط

الحزب ـ قصر العدل

ما عرضته الشاشات وخاصة الموصوفة بالممانعة وحديثة النعمة، من ارتفاع منسوب هورمون الدفاع عن حرية التعبير وإبدأ الرأي كان مفاجئًا ومستغربًا من ناحية هوية المدافعين والعارضين الناشرين، لما لهؤلاء “المستفيقين” على الحريات، من طول باع في كمّ الأفواه وكسر الأقلام وإسكات الأصوات وخنقها، معلنين عن أنفسهم في محطات كثيرة تحت شعار علني لطالما حمل توقيع المنفذين وهوية المرتكبين، “المجد لكاتم الصوت”.

لم يكن “الانتصار” الذي دبج تحت جنح الظلام وتحت ضغط الظالمين بإطلاق ثلاث من المتلبسات بجرائم نصت عليها مواد واضحة في قانون العقوبات اللبناني ولا تمت بأي صلة لقانون المطبوعات أو لممارسة حرية التعبير أو الحريات العامة والتي روجته شاشات الأحزاب الشمولية والأبواق والوسائل التي تعمل بهديها، الا استكمالًا لاستنسابية هذه الجهة الظلامية الظالمة بتعاطيها مع القضاء وتكبيله وتطويعه وتسييره وفق مصالحها، ومتى عجزت عمدت الى “قبع” القَيِّم على حسن سيره.

يعلم القليل من المؤيدين وغير المؤيدين لـ”الحزب” أن من ضمن هيكلية هذا التنظيم، هيئة شرعية يرأسها الشيخ محمد يزبك، وهي الهيئة القضائية التي تحكم في شؤون المسلمين وتحل النزاعات وتصدر الأحكام، ومنها أحكام الإعدام التي ينفذها “الحزب” بقواه وسلطته غير الشرعية، البعيدة جدًا عن القضاء اللبناني وعن عدليته. وتأكيدًا على ذلك أعدم “الحزب” في الثمانينات “ميدانيًا” 11 متعاملاً مع استخبارات الجيش اللبناني في الضاحية الجنوبية (كتاب نعيم قاسم ـ “الحزب ـ المنهج، التجربة، المستقبل الصفحة 147). وفي 4 شباط 1994، أعدم “الحزب” المواطن البعلبكي القاصر حسين عاصم عواضة (16 عامًا) – وذلك بعدما وضعت الحرب أوزارها وبعد مرور ثلاث سنوات على اتفاق الطائف ـ في مقر فندق الخوّام في بعلبك، بناءً على فتوى صادرة عن عضو مجلس شورى “الحزب” رئيس الهيئة الشرعية فيه الشيخ محمد يزبك، لأنه قتل مواطنة من آل اللقيس. نُفِّذ الإعدام رميًا بالرصاص علنًا وعلى مرأى ومسمع السلطات القضائية والسياسية.

في 18 ايلول 2010 أعلن “الحزب” أنه سيقطع “اليد من الكتف” لمن يحاول اعتقال اللواء جميل السيد الذي صدرت بحقه قبل يومين مذكرة توقيف من القضاء اللبناني، كمدعى عليه بتهديد أمن الدولة، والنيل من دستورها، وتهديد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري والتهجم عليه وعلى القضاء وأجهزة الدولة. وقبل عودة السيد الى مطار بيروت، انتشر مسلحو “الحزب” في محيط المطار، ونزل أنصاره الى مدخله حيث اقتحمت بعدها سيارات أمنية تابعة لـ”الحزب” مطار بيروت وأخرجت جميل السيد من مدرج الطائرات. بعدها قام مسؤول الارتباط والتنسيق في “الحزب” وفيق صفا نفسه بفتح صالون الشرف المخصص للوزراء والنواب لاستقبال اللواء جميل السيد داخله.

في 5 تموز 2012، تعرّض النائب بطرس حرب لمحاولة اغتيال بعدما تمّ الاشتباه بـ3 أشخاص يقومون بتفكيك باب مصعد المبنى الذي يقع فيه مكتبه في بيروت، وعثرت القوى الأمنية على صواعق تفجير في المصعد، إلا أن الفاعلين تمكنوا من الفرار.

بعد فترة قصيرة سطّر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر مذكرة توقيف غيابية بحق مسؤول في “الحزب” يدعى محمود الحايك من بلدة عدشيت الجنوبية بجرم محاولة اغتيال حرب مستندًا الى معطيات توافرت في ملف القضية من خلال الاستقصاءات والتحريات التي أجرتها القوى الأمنية حول الحادثة والتي أظهرت صورًا للمدعى عليه الحايك في مكان الحادث من خلال كاميرات المراقبة الموجودة في المكان. طبعًا، لم يسلّم “الحزب” حايك المتهم “المتلبّس” بمحاولة الاغتيال للقضاء اللبناني العسكري.

في 9 آب 2012، بعد القبض على ميشال سماحة متلبسًا بنقل متفجرات من سوريا الى لبنان كانت ستستعمل في أعمال إجرامية إرهابية على الأراضي اللبنانية، صرّح رئيس كتلة الوفاء للمقاومة الحاج محمد رعد، “لن نسكت على اعتقال الوزير المقاوم ميشال سماحة، وفي لبنان قضاة خاضعون لأجهزة أمنية مشبوهة والتهم فبركات أمنية”.

في 16 آذار 2020 أطلق سراح “جزار الخيام” العميل عامر الفاخوري عبر المحكمة العسكرية القريبة جدًا من “الحزب”.

في 21 ايلول 2021، كشف الصحافي إدمون ساسين بتغريدة ما يلي: “الحزب عبر وفيق صفا بعث برسالة تهديد الى القاضي طارق بيطار مفادها، واصلة معنا منك للمنخار، رح نمشي معك للآخر بالمسار القانوني وإذا ما مشي الحال رح نقبعك”.

بما أن “الحزب” لم يبد او يعر بأي لحظة القضاء والعدل أي احترام أو التزام به أو بقراراته إلا بما يتناسب مع مصلحته، ولو كان دوليًا متهمًا من “الحزب” نفسه بالصهيونية والامبريالية والتسييس، أكد الشيخ نعيم قاسم في مقابلة مع قناة “العربية” ضمن برنامج “بالعربي” مع جيزيل خوري في 26 شباط 2006 وقبل توجيه الاتهام لحزبه، إن “التحقيق الدولي لم يثبت أي تهمة ضد لحود (الرئيس السابق) وحتى لو صدر قرار اتهامي… فهو ليس حكمًا طالما قرينة البراءة موجودة سيلي القرار محاكمة… وبعدها حكم، الحكم لم يصدر… قرينة البراءة موجودة ليش بدو يتحاكم رئيس الجمهورية على عمل قبل ما المحكمة تصدر قرارها النهائي، تصدر المحكمة ويثبت أنه متورط، ساعتها الأمر يختلف تمامًا لأنه يصير مدان بجريمة مرتكبة”، ليعتبر “الحزب” لاحقًا المتهمين المدانين المحكومين من أفراده  “قديسين مطوبين”.

من ضمن مصلحة “الحزب” ذاتها والتي تقاطعت مع المحكمة “الاسرائيلية” قال وفيق صفا في 6 أيلول 2013 مستجديًا شهادة حسن سلوك منها “لم يرد أي اسم لي في المحكمة الدولية، بل بالعكس أنا من ينسق بين الحزب والمحكمة، ولم يكن في مرحلة من المراحل وجود أي اسم لي”.

انطلاقًا مما سبق، فإن ما أقدمت عليه “المجموعة” المنظمة الفاشينيستا والتي يديرها ويحركها مسؤول في “الحزب” من تحريض وهدر دم وتهديد جماعي مباشر بحق وسيلة إعلامية وعاملين فيها وسياسيين وناشطين، هو تمامًا ما حدث سابقًا ومهّد لاستهدافات وقعت فعلًا على من حُرِّضَ عليه وهُدِّد وهدر دمه من مروان حمادة، مرورًا برفيق الحريري وجبران تويني وبيار الجميل وغيرهم، وصولًا الى لقمان سليم.

نحن هنا أمام “جرائم” تهديد وتحريض جنائية ارتكبها تنظيم معروف معلوم ألبس زيًا نسائيًا “فاشينيستيًا”، ممهِّدًا معبِّدًا الطريق لارتكابات عن عمد وعن سابق إصرار وتربص وترصد. فقانون العقوبات لا المطبوعات يقول في التهديد وفي  المادة 573: “من هدد آخر بالسلاح عوقب بالحبس مدة لا تجاوز الستة اشهر، وتراوح العقوبة بين شهرين وسنة إذا كان السلاح ناريًا واستعمله الفاعل”، وفي المادة 574: “من توعد آخر بجناية عقوبتها الإعدام، أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو أكثر من خمس عشر سنة او الاعتقال المؤبد سواء بواسطة كتابة ولو مغفلة، أو بواسطة شخص ثالث عوقب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات إذا تضمن الوعيد الأمر بإجراء عمل ولو مشروعًا او بالامتناع عنه”… كما يقول قانون العقوبات اللبناني في التحريض على القتل  في المادة 217: “يعد محرضًا من حمل أو حاول أن يحمل شخصًا آخر بأي وسيلة كانت على ارتكاب جريمة. إن تبعة المحرض مستقلة عن تبعة المحرض على ارتكاب الجريمة”، وفي المادة 218: “يتعرض المحرض لعقوبة الجريمة التي أراد أن تقترف سواء كانت الجريمة ناجزة أو مشروعًا مشروعًا فيها أو ناقصة. إذا لم يقض التحريض على ارتكاب جناية او جنحة الى نتيجة، خففت العقوبة بالنسبة التي حددتها المادة الـ220 في فقراتها الـ 2 والـ 3 والـ 4.”

عليه وانطلاقًا من التوصيف القانوني لما قامت به “المجموعة المنظمة غير الصحافية، والتي يديرها مسؤول في “الحزب”، نكون أمام “جنايات” يحاكم مرتكبوها أمام المحاكم ذات الصلة لا أمام محكمة المطبوعات، وتكون أفعال تلك المجموعة بعيدة مسافات ضوئية عما ادعته من إبداء رأي وممارسة ديمقراطية وحرية تعبير، ملتقية ومكمِّلة لجنايتي التهديد والتحريض على القتل اللّتين ارتكبهما مسؤول “الحزب” نواف الموسوي في 11 أيلول 2024 بقوله: “من قال له إنه سيصبح رئيسًا وإن وصل فهو لن يعيش، وهذا حصل سابقًا عندما وصل أحد الرؤساء وقام حبيب الشرتوني بواجبه الوطني”.

يشبه حرص الحزب على الحريات العامة وخاصة حرية التعبير قصة ذاك الصياد الذي اصطاد مجموعة من العصافير في يومٍ بارد ثم وضعها أمامه، وصار يذبحها واحدًا واحدًا، والباقي ينظر ويتفرج وكانت دموع الصياد الجزار تنزل من عينيه بسبب البرد القارس والريح الشديد، فنظر عصفوران إليه وإلى دموعه، فقال أحدهما للآخر: “أنظر إلى الصياد المسكين، كيف يبدو حزينًا على ذبحنا، إنه يبكي شفقة علينا ورحمة بنا”! فقال له العصفور الآخر بفطنة وذكاء: “لا تنظر إلى دموع عينيه، ولكن انظر إلى فعل يديه”…​

إقرأ ايضًا

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل