تاريخ العونيين الطويل في خرق الدستور.. اليكم التفاصيل

حجم الخط

الدستور وباسيل

“يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلًا الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ”. الكتاب المقدس انجيل متى 7: 5.

… كم من الموقبات ترتكب باسمك أيها الدستور. لقد استعاد اللبنانيون والمسيحيون المعنيون خاصة في جلسة التاسع من كانون الثاني 2025 كلام السيد المسيح في الآية المذكورة في إنجيل متى، لما ينطبق ما ورد على لسان جبران باسيل من تركيز على “القذى” في عين أخيه النائب المتوافق مع بقية إخوانه من النواب على انتخاب العماد قائد الجيش جوزف عون، ومن تجاهل وعدم تبصر وبصر متعمَّد، للخشبة الكبيرة في عينه وعين تياره وعين مؤسسه، والمتمثلة في سلسلة طويلة عريضة ومديدة في خرق الدساتير والقوانين وتخطي الصلاحيات والمهمات المنوطة وغير المنوطة بهم.

كلام باسيل، رئيس التيار العوني، عن “الخرق الدستوري” في جلسة انتخاب جوزف عون، أعاد الى الأذهان سلسلة طويلة من رحلة تياره في خرق الدستور، من المؤسس الى الوريث، تبدأ من  ليلة  22 – 23 أيلول 1989 حين صدر مرسومان كانا الأخيرين في ولاية الرئيس أمين الجميل، المرسوم رقم 5387 بتعيين قائد الجيش العماد ميشال عون رئيسًا لمجلس الوزراء، والمرسوم رقم 5388 بتشكيل الحكومة (مؤلفة من المجلس العسكري في الجيش اللبناني) على النحو التالي:

العماد ميشال نعيم عون (ماروني)، رئيسًا لمجلس الوزراء وزيرًا للدفاع الوطني وللإعلام.

العقيد عصام نقولا أبو جمرا (روم أرثوذكس)، نائبًا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرًا للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية وللإسكان والتعاونيات وللاقتصاد والتجارة.

العميد إدغار فؤاد معلوف (روم كاثوليك)، وزيرًا للمالية وللصناعة والنفط.

اللواء محمود فؤاد طي أبو ضرغم (درزي)، وزيرًا للأشغال العامة والنقل والسياحة والعمل.

العميد نبيل محمد أمين قريطم (سني)، وزيرًا للخارجية والتربية الوطنية والفنون الجميلة وللداخلية.

العقيد لطفي حيدر جابر (شيعي)، وزيرًا للموارد المائية والكهربائية وللزراعة والعدل.

لكن الوزراء المسلمين (أبو ضرغم، قريطم وجابر) أعلنوا استقالتهم من الحكومة فور صدور المراسيم، لتصبح حكومة عون من دون المكون المسلم ولا تحظى بأي صيغة توافقية أو ميثاقية وبالتالي دستورية، وطبعًا هذا لم يمنع عون وقتها من عقد جلسات الحكومة وأخذ القرارات، وأهمها قرارات السلم والحرب، بحيث شنّ رئيسها وبقرار فردي أحادي منه “حرب التحرير” و”حربي الغاء” نيابة عن الدولة اللبنانية، انتهت الى “تنفيسة” واستسلام واجتياح للمناطق المسيحية الحرّة. وكان عون وقتها مستوليًا على دور رئيس الجمهورية بصورة كاملة، إذ أقام العلاقات وعقد الصفقات مع رؤساء الدول، كما أصدر مراسيم تجنيس لفلسطينيين وسوريين.  فحكومته، قامت بأمرين يعتبرهما “التيار العوني” مخالفة دستورية وميثاقية، أولاً استولت على صلاحيات رئيس الجمهورية، وثانيًا تفردت بالحكم من دون مكونات البلد الأخرى.

وما قول عون يومها:Je suis président et six ministers، الا تعبيرًا عن هذا التفرد والاستيلاء وذاك التخطي للصلاحيات.

علمًا أن دستور ما قبل الطائف كان قد حصر مهمة الحكومة الانتقالية التي ترأسها ميشال عون بتسهيل وتأمين انعقاد مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية وهذا ما تعهد به عون عند تكليفه… ليخرق تعهده والدستور والقانون، بأن عمد في 5 تشرين الأول 1989 إلى اصدار مرسوم حلّ بموجبه مجلس النواب، أداة ووسيلة “الانتخاب” الدستورية الوحيدة.

مع أن المرسوم صادر عن الجهة التي لا تملك “صلاحية الحلّ” فإن الحل كان ذريعة استعملها ميشال عون للاحتفاظ بموقعه في قصر بعبدا وعدم تسليمه للرئيس المنتخب يومها الشهيد رينيه معوض، وتأكيدًا على هذا قال الجنرال عون في 6 تشرين الأول 1989: “حل مجلس النواب هو الذريعة الأخيرة بحوزتي كي يتراجع النواب عن اتفاق الطائف”. وطبعًا بعد “الحل” لم يدعُ عون كما هو مفترض في القانون والدستور الهيئات الناخبة لانتخاب مجلس نواب جديد.

ويكمل في نقيض ما فعل ومارس في 1989، أن اعتبر بعيد استقالة وزراء حركة “أمل” و”الحزب” من حكومة السنيورة في 11 تشرين الثاني 2006، هذه الأخيرة حكومة “بتراء وغير ميثاقية” وساقطة دستوريًا لعلة غياب الطائفة الشيعية عنها، كما اعتبر حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها نجيب ميقاتي فاقدة لصلاحية التعيين والتمديد، إلا ما ناسبه وتياره وتماشى مع حبه أو كرهه للمُعيَّن أو المُمدَّد له المفترض تمامًا، وكما لم يفعل مع صلاحيات المجلس النيابي في التمديدين لقائد الجيش جوزف عون بحجة أنه هيئة انتخابية لا تشريعية، فعل مع التمديد للمجالس البلدية بنفس الهيئة مع نفس المجلس.

طبعًا لم تضر التيار ورئيسه ومؤسسه غزوة 7 أيار 2008، إذ اعتبر العماد عون يومها أنها “وضعت القطار على السكة الصحيحة” وأدت الى اتفاق الدوحة الذي فرض الثلث المعطّل لفريقه السياسي برئاسة الثنائي، في مخالفة فاضحة للدستور وفي الاتفاق على قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية، في مخالفة ثانية مبدئية مُطابقة، لما اشتكى منه باسيل في جلسة الـ9 من كانون الثاني 2025 مع انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيًسا للجمهورية. ولا ننسى ما “حصّله” التيار العوني يومها من حق “لأصحابه” المسيحيين بأن “رجّع” قانون الستين للانتخابات النيابية تحت شعار وُضع على “البانوهات” واللافتات والخطابات “عون رجّع الحق لاصحابه” و”عون رجّع الشراكة للوطن”، ليعود ويقر عون بنفسه، بمخالفته وخرقه للدستور بعمله هذا، إذ يقول متراجعًا معترفًا في 12 تشرين الثاني 2012: “قانون الستين ظالم وهو ضد المبادئ الدستورية، وإذا كان القانون لا يعطي تكافؤًا للذين يمثلهم يكون قانونًا ظالمًا والظلم مرتعه وخيمًا”…

وطبعًا، لم يشذ انقلاب القمصان السود في العام 2011 عن المسار الدستوري للتيار العوني وحلفائه، بأن الغيت الاستشارات النيابية الملزمة تحت ضغط الشارع والسلاح والتي كانت ستأتي بالرئيس سعد الحريري، ليأتِ الرئيس نجيب ميقاتي بقرار علوي فرضه حزب السلاح واستفاد منه التيار بمخالفة دستورية وميثاقية واضحة.

ناهيك عن ما مارسه التيار بعد استلام المؤسس للحكم والحكومة والوزارات من مخالفات وخروقات دستورية من مثل قانون التجنيس والموازنات المالية من دون قطع حساب والصفقات بالتراضي التي صدرت في عهده وهي موصومة باستحالة إبرائها منذ العام 1990، على ما تكرره أدبيات التيار والمؤلفات والمقالات والمقولات الصادرة عنه وعن قيادييه.

بالإضافة الى ما ورد، فإن خير من كشف “خشبة” خرق الدستور في عين التيار العوني هو رئيس التيار نفسه الوزير السابق جبران باسيل، وفي محطات كثيرة عبّرت عن حقيقة “مبدئية” لرفضه العماد جوزف عون، إذ يقول مثلًا في عدم قبوله له في 1 تشرين الثاني 2022: “قائد الجيش كان متفرجًا على انقلاب 17 تشرين وفي 12 كانون الأول 2023. العماد جوزف عون لا يستحقّ أن يُمدَد له برأينا فهو خان الأمانة وهو عنوان لقلّة الوفاء… وهو يُنفّذ سياسة الغرب في ما يخصّ الحزب وإسرائيل وهو يُطبّق القرار 1701 بشكلٍ مجتزَأ. التيار يرفض التمديد لأن الشخص المعني يشتغل بالسياسة والرئاسة… هناك سببان للتمديد: ابقاء قائد الجيش كورقة سياسية رئاسية، والنكاية بجبران والتيار، تنفيذ سياسة الغرب بموضوع النازحين، وخاصة بفتح الحدود الشمالية والشرقية لدخول النازحين وإقفال البحر… أما السبب الثاني فتنفيذ سياسة الغرب بما يتعلق بإسرائيل والحزب الذي يحكى عنه، أي موضوع المنطقة العازلة… قائد الجيش اختُبر وجُرّب في 17 تشرين ونفذ طلبات الخارج والانقلاب الكبير على رئيس الجمهورية”…

وعن حقيقة “المبدئية” في احترام الدستور وعدم خرقه، فتصويت نواب “التيار الوطني الحر” في جلسة انتخاب ميشال سليمان في 25 أيار 200 وفي تعديل ضمني للدستور، أتى مع 118 صوتًا للعماد ميشال سليمان، وما حاول تهريبه رئيس التيار فاشلًا، من تعديل ضمني للقانون بـ65 صوتًا مع موظف أمني آخر رشحه مع الثنائي الشيعي،  وهو قال في 7 كانون الثاني 2025: “كل صوت للعماد جوزف عون ملغى حكمًا بموجب الدستور ولا يمكن لأحد أن يتكلم بالإصلاح والدولة ويخالف الدستور…” ـ ثم عاد وكرر مثله في جلسة التاسع من كانون الثاني ـ وما سبق من أسباب شخصية سياسية ضيقة وردت على لسان باسيل، يكون الـ99 صوتًا للعماد جوزف عون وخطاب القسم الذي تلاه، ردًا قاسيًا قاصمًا مكذبًا، لاعتبارات وادعاءات باسيل من ما ادّعاه في 22 تشرين الاول 2024: “قائد الجيش لا يملك مشروعًا ولا يجمع اللبنانيين”.

لا شك أن “القذى” الدستورية التي دعا باسيل الى احترامها في 7 كانون الثاني 2025 “الدستور فوق كل شيء ومن يريد الحفاظ على الطائف فليحترمه ويطبقه في امتحان الجلسة”، ردّ عليه وكشف عن “خشبة” التمادي في الخرق الدستوري في عين التيار العوني المتوافقون الـ99 على جوزف عون، والمؤسس ميشال عون بقوله في 19 آذار 2013: “الطائف خرج مزبلة”.​

 

إقرأ أيضًا

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل