محطات سياسية محلية وإقليمية عديدة طبعت العام 2024 وحوّلته الى عام التغييرات الجذرية والجنون بامتياز، من حرب “طوفان الأقصى” ومساندة غزّة، مرورًا بالحرب على لبنان، وصولًا الى سقوط النظام في سوريا الذي أسقط معه محور الممانعة والمشروع الإيراني في لبنان بالضربة القاضية. خلال هذه السنة تميّز حزب “القوات اللبنانية” بالوضوح في موقفه السياسي الهادف الى إقامة دولة حقيقية وفعّالة، وترأس الجهود الرامية الى تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية، والتصدي لهيمنة فريق الممانعة للسيطرة على مفاصل الدولة والحكم والذي يحاول انتخاب رئيس للجمهورية لا طعم له ولا لون يخدم مصالحه الخاصة وأجندته الإقليمية التي بعثرتها رياح التغيير القادمة على الشرق الأوسط.
لا يختلف الحليف والخصم على حقيقة أن هذه السنة كانت سنة تصاعدية لـ”القوات اللبنانية”، التي كانت الصوت الصارخ والدرع الحصين للحفاظ على الجمهورية اللبنانية. مواقف وخطوات سياسية وحزبية عديدة اتخذتها “القوات” منعت انزلاق البلد الى ما لا تُحمد عقباه، لخصها رئيس جهاز الإعلام والتواصل في “القوات اللبنانية” شارل جبور بثلاثة عناوين رئيسية كانت الشغل الشاغل لأروقة القوات.
العنوان الأول هو رئاسة الجمهورية، الذي نجحت من خلاله “القوات اللبنانية” بالتحالف والتكاتف والتضامن مع القوى المعارضة، بمنع وضع اليد على رئاسة الجمهورية من قبل الفريق الممانع، واستطاعت “القوات” والمعارضة من المواجهة والصمود، على الرغم من محاولات الفريق الآخر ممارسة كل وسائل الضغط والترهيب، والتوسُّل لدول الخارج واستخدامها من أجل الوصول الى الرئاسة، لأنه يعتبر أن وضع اليد على رئاسة الجمهورية يشكّل المدخل لوضع اليد على لبنان. في المقابل تعتبر “القوات اللبنانية” أن إيصال رئيس سيادي وإصلاحي، يشكّل المدخل لسيادة الجمهورية واستقلاليتها، ومكافحة الفساد وقيام دولة فعلية في لبنان.
هذا العنوان الرئيسي كان الأساس للمواجهة، وقد برهن حزب “القوات اللبنانية” والمعارضة أنه يكفي في بعض المسائل أن نقول لا، وأن نرفض الاستسلام والرضوخ، وقد حاول الكثير القول إنه بين الشغور والفريق الممانع لا بأس أن يأتي مرشح ممانع. وهذا ما لم تقبل به “القوات” لأن هذه التنازلات هي التي أدت الى ما أدت إليه من إنهيار للجمهورية وتفكك أوصال الدولة اللبنانية، وبالتالي نجحت “القوات” خلال سنة 2024 بمنع دخول الممانعة الى القصر الجمهوري، يقول جبور.
ويضيف: “كلام رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع كان واضحًا بأن طريق القصر الجمهوري مفتوحة أمام لبنان السيادة والاستقلال والتعددية، ومقطوعة أمام لبنان الساحة والسلاح غير الشرعي، خصوصًا أنه بالنسبة للقوات فإن دور الرئاسة هو دور أساسي. ويؤكد أن الدور المسيحي الوطني في لبنان لم يُضرب إلا من خلال ضرب رئاسة الجمهورية والأحزاب السيادية مثل القوات اللبنانية، وهذا لم يكن صدفة أبدًا، لأن رئيس الجمهورية هو حامي الدستور والمؤسسات والجمهورية، وبالتالي أصبح المطلوب أن يكون رئيس الجمهورية هو الملحق والتابع للأنظمة التي تضع اليد على لبنان واللبنانيين، بينما تريد القوات أن يكون توقيع رئيس الجمهورية توقيعًا على قيام دولة فعلية في لبنان، غير منتقصة السيادة، وتمارس دورها بالشكل المطلوب”.
العنوان الثاني الذي يتوقف عنده جبور، هو الحرب التي بدأت في 7 تشرين الأول 2023 تحت عنوان “طوفان الأقصى” وإعلان الأمين العام الراحل لـ”الحزب” نصرالله حرب مساندة غزة، وقد شكّل هذا الأمر الهمّ الأساسي لـ”القوات”، وعملت ما باستطاعتها لإيقافها، ولو استجاب الفريق الآخر لها لما انزلقت الأمور الى ما وصلت إليه. وعملت “القوات” بما يمليه عليها ضميرها، انطلاقًا من حرصها على جميع اللبنانيين، ورفضها القاطع أن يأخذ أي فريق في لبنان قرارًا ليس من حقه أن يأخذه، فقرار الحرب هو في يد الدولة اللبنانية وليس في يد “الحزب” أو بيد أي فريق سياسي آخر.
والى جانب تركيز “القوات” وإطلالات رئيسها في الإعلام، عقدت مؤتمرين لهذه الغاية، الأول كان من أجل تطبيق القرار 1701 الآن، ولو تم تطبيقه واتُخذ القرار بإرسال الجيش الى الجنوب في نيسان الماضي، لكانت الحرب توقفت، ولم يسقط آلاف الضحايا اللبنانيين، بسبب حرب اتخذ قرارها حزب بقرار إيراني. و”القوات اللبنانية” في هذا المؤتمر خرجت من مربّعها ودعت أفرقاء المعارضة للمشاركة به لتقول إن طريق الخلاص هو عبر تطبيق الـ1701 .
في المؤتمر الثاني أرادت “القوات” أن تؤكد على أن الدستور اللبناني والقرارات الدولية ذات الصلة، أي 1559 والـ1680 والـ1701 تشكّل الحل للبنان. وبالتالي لا قيامة للبنان ما لم يُطبّق الدستور اللبناني وكافة القرارات الدولية. وركزت على هذه القرارات الثلاثة، لأن هناك من يحاول تزوير القرار 1701، والقول إنه لا يتضمن القرارات الأخرى، علمًا أن هذا القرار يتضمن في بنوده أن لا سلاح إلا في يد الشرعية، وينص القرار 1559 على منع إدخال السلاح عبر الحدود اللبنانية السورية، أو البحرية أو الجوية. و1680 يتحدث عن العودة الى اتفاقية الهدنة وجنوب الليطاني منزوع السلاح خارج إطار الشرعية. وبالتركيز على هذه القرارات الثلاثة، أرادت “القوات” أن تقول إن القرار 1701 يتضمنها جميعها، والطريق الى الدولة يمر من خلال هذا السياق، والسير قدمًا نحو قيام دولة فعلية.
الى ذلك، ركّزت القوات عملها أيضًا على موضوع الحرب كي تكون هذه آخر حرب يشهدها لبنان، ولا تجوز العودة الى ما قبل 7 تشرين الاول 2023، وأن تبقى وظيفة الدولة تغطية الأمر الواقع في لبنان.
قرار وقف إطلاق النار أتاح الفرصة لقيام الدولة الحقيقية التي تتضمن شراكة حقيقية، وتطبيق الدستور اللبناني. وفور الموافقة على وقف إطلاق النار وتوقيع الحكومة على نص الاتفاق، عقد جعجع مؤتمرًا صحفيًا، بحضور نواب تكتل الجمهورية القوية وأعضاء الهيئة التنفيذية للحزب، شرح خلاله بنود نص وقف إطلاق النار، الذي يؤكد أن “الحزب” وقّع بنفسه على إنهاء دوره العسكري، وهذا القرار يُخرج لبنان من الساحة ويُدخله الى لبنان الدولة.
أما العنوان الثالث، فكان الوجود السوري غير الشرعي وعودتهم الى بلادهم، وهو من العناوين التي طبعت عمل “القوات” في 2024، خصوصًا بعد جريمة اغتيال منسق “القوات” في جبيل باسكال سليمان، من خلال تحرّك نواب “القوات” واستنهاض المناطق، وذلك انطلاقًا من ثلاثة عوامل أساسية، أولها الحرص على النازح السوري، والضغط على النظام السوري السابق الذي كان يريد إبعادهم عن بلدهم على رغم الحق بالعودة إليه. وأيضًا للضغط على المجتمع الدولي الذي كان يتقاعس عن القيام بمسؤولياته بهذا الخصوص.
العامل الثاني بحسب جبور هو المحافظة على هوية لبنان في ظل خشية كبيرة بتهديد هذه الهوية من خلال تقاعس المجتمع الدولي. وثالثًا العوامل الأمنية، خصوصًا في ظل وجود معطيات بأن النظام السوري السابق، قد يلجأ الى تفجير الوضع اللبناني لاعتبارات إقليمية. انطلاقًا من هذا الواقع كان العمل القواتي ممنهجًا في هذا الملف بعيدًا من المتاجرة التي يعتمدها البعض الآخر.
هذه المواقف السياسية، دعمتها “القوات اللبنانية”، بتحريك أجهزتها الحزبية على الأرض، للضغط في اتجاه تحقيقها، خصوصًا في ملفيّ الوجود السوري غير الشرعي والحرب على لبنان.
يقول الأمين المساعد لشؤون المناطق في “القوات اللبنانية” جورج عيد، “بعد مقتل رفيقنا باسكال سليمان، تحرّكنا في جميع المناطق، لمعالجة الوجود السوري غير الشرعي، بتوجيهات القيادة الحزبية وبالتنسيق مع السلطات المحلية من محافظين وقائممقامين، واتحاد بلديات وبلديات، ومخاتير وقوى أمنية تعاونت معنا بشكل كبير.
الخطوة الأولى انطلقت من المناطق التي تحتوي على التجمّعات الكبرى للمخميات السورية، مثل البترون والكورة وجبيل، وشمل التحرّك الشقق السكنية والمحال التجارية التي يشغلها سوريون، مما خفف من نسبة الكثافة السكانية في هذه المناطق وساهم في دعم اقتصاد المحال التجارية اللبنانية فيها. كما طالبت القوات اللبنانية بعدم تسجيل التلاميذ السوريين غير الشرعيين في المدارس اللبنانية، ولتحقيق هذا الهدف قمنا باعتصام أمام مديرية التعليم في الدكوانة، الأمر الذي دفع بوزير التربية والتعليم العالي الى تعديل هذا القرار وعدم قبول أي تلميذ أجنبي لا يستوفي شروط الإقامة المطلوبة طيلة السنة الدراسية”.
يتابع عيد، أما في الحرب الأخيرة على لبنان، فقد شكلنا خلايا أزمة في كل المناطق التي لجأ إليها النازحون من قرى الجنوب، وذلك لإدارة شؤون المسيحيين منهم وغير المسيحيين، وللانتباه الى الأوضاع الأمنية في هذه المناطق.
وأولت “القوات” اهتمامًا بالنازحين من قرى بلدات دبل وعين إبل والقوزح ومرجعيون ودير ميماس وكل قرى قضاء جزين وعلما الشعب وصور وغيرها من المناطق، وذلك من خلال تأمين مراكز إيواء لمن ليس لديه مكان للسكن في بيروت والضواحي، إضافة الى تأمين حصص غذائية، وإقامة نشاطات ترفيهية، وجلسات علاج نفسية مع متخصصين، لمساعدتهم على الخروج من أزمة النزوح التي يعيشونها. كما دعمت “القوات” الصامدين في القرى المسيحية في الجنوب، من خلال تأمين مازوت للمولّدات لضخ المياه وتأمين الكهرباء.
في ما خص النزوح الشيعي، حرصت “القوات” على توفير ظروف أمنية وعدم حصول أي اكتظاظ في المناطق التي لجأوا إليها، وقد رأينا كيف تعاطت منطقة دير الأحمر مع هذا النزوح عبر تأمين مراكز إيواء وشقق سكنية وحصص غذائية.
ويعتبر عيد أن ما قامت به “القوات اللبنانية” خلال الحرب مع النازحين من بيئة الثنائي الشيعي في منطقة دير الأحمر طبعت العمل القواتي وقدمت نموذجًا يُحتذى به لبناء شراكة حقيقية في دولة سيادية. هذا النموذج الذي ظهر في دير الأحمر هو انعكاس لصورة حزب “القوات اللبنانية” في كل لبنان، وأعطى صورة واضحة عن طريقة العمل الحزبي وتعاطيه مع باقي المؤسسات والجمعيات في حال استلامها السلطة، وفي حال وجود أي تقصير في مكان معين تكون “القوات” هي الرافعة الأساسية للخدمات ولإدارة المؤسسات التي تعاني من نقص أو ضعف.
في السياق، يقول منسق البقاع الشمالي في “القوات اللبنانية” الياس بو رفول “إن المعضلة الأساسية كانت في كيفية تنظيم هذا النزوح، الذي يساوي عدده ضعف عدد أبناء المجتمع المضيف خلال فصل الشتاء، مما استدعى منا التحرّك السريع والتنظيم وتخزين عدد من المواد الأولية وزيادة كمية المياه للمنطقة بعد فترة من الشحّ. بالتوازي تم العمل على تأمين ضعف كميات المحروقات في المحطات، والمواد الغذائية كي نستطيع تلبية حاجات السوق المحلي. ولاستيعاب هذه الحلقة الاقتصادية تم تأسيس أكثر من لجنة لكل منها اختصاصها الذي اهتمت به، مما سمح لنا بتسيير أمور النازحين، وهذا كان التحدي الأساسي في عملية استيعاب النازحين وتأمين الاستدامة على مدى 63 يومًا من الحرب”.
معلوم أن منطقة دير الأحمر تحتوي على جمعيات عديدة وتتعدد فيها الآراء، ولكن على الرغم من ذلك استطاعت أن تقدم نموذجًا مصغرًا عن حزب “القوات اللبنانية” على صعيد كل لبنان. ويوضح بو رفول أن النموذج الذي أعطته “القوات” في إدارة ملف النزوح في المنطقة من خلال لجنة الطوارئ التي انبثقت عن مكتب النائب أنطوان حبشي، ومنسقية البقاع الشمالي في “القوات اللبنانية”، ومطرانية بعلبك ودير الأحمر المارونية، واتحاد بلديات المنطقة والبلديات، والجمعيات المحلية، كاريتاس وفوج إسعاف دير الأحمر، كانت الركيزة الأساسية للنجاح بهذا التحدي، إضافة الى الدعم الكبير الذي قدمه الانتشار من أبناء المنطقة. وبالتالي أثبتنا أن الإدارة الجيدة التي تولتها “القوات” في المنطقة بطريقة إيجابية عبر تقسيم الأدوار بين كل أطياف مجتمعها، أدت دورها المطلوب منها على أكمل وجه. وهذا النجاح لم يكن ممكنًا لولا توجيهات القيادة الحزبية وعلى رأسها القائد الحكيم سمير جعجع من خلال إدارة ممنهجة بالتنسيق مع السلطات المحلية، والقوى الأمنية، والجيش اللبناني، من دون أي إشكال يُذكر، وبصفر مشاكل طيلة فترة النزوح التي استمرت 63 يومًا.
ويلفت بو رفول أنه على الرغم من جميع الممارسات بحق حزب “القوات اللبنانية” عمومًا، وأبناء منطقة دير الأحمر خصوصًا، لم نتعامل كأبناء منطقه دير الأحمر بكيدية مع هذه البيئة الشيعية، بل وضعنا كل هذه الخلافات والمعاناة على جنب، وتعاملنا معهم انطلاقًا من تربيتنا على مبادئ الكنيسة وشرعة حزب “القوات اللبنانية” التي تقول إن لبنان هو وطن وكيان نهائي لكل أبنائه، لذلك فتحنا أبواب منطقتنا من الناحية الإنسانية لكل من هو بحاجة الى ملجأ في هذا الظرف، مع العلم بأن البيوت التي فُتحت إضافة الى مراكز الإيواء تبلغ 467 بيتًا، كان بينها فقط 10 منازل مستأجرة والباقي كان مجانًا.
وأمل بو رفول أن يكون هذا العمل عبرة للبيئة الحاضنة للثنائي الشيعي، من أجل فتح صفحة جديدة. المطلوب اليوم إعادة قراءة للواقع والقيام بنقد ذاتي من قبل البيئة الحاضنة لـ”الحزب” التي اكتشفت طريقة تعامل أبناء منطقة دير الأحمر معها، ومنهجية عمل “القوات” وتوجيهات رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع في هذا الخصوص، وعليها إتخاذ القرار بكيفية التعامل معنا كجيران وأبناء منطقة واحدة ووطن واحد.
كتبت غرازييلا فخري في “المسيرة” ـ العدد 1760
365 يومًا مع حزب “القوات اللبنانية”..
ثبات في المبادئ وخارطة طريق دولة المؤسسات
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]