فخامة حامل خطايا العالم.. باسمك صنعنا “قوات”

حجم الخط

“كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب أليس باسمكَ تنبَّأنا، وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمكَ صنعنا قواتٍ كثيرة؟ فحينئذٍ أصرخ لهم: إني لم أعرفكم قطّ، إذهبوا عني يا فعلة الإثم”!

إنَّكَ الأعلم يا رب بأنَّ آثامنا من أقدمها إلى أجددِها لها من آثامكَ تشابيه ودلائل ورموز. أليس إثمنا مرتبط باسمكَ كما هو مكتوب: إننا من أجلكَ نماتُ النهار كله، ومثل غنمٍ حُسبنا للذبح؟!

إنَّ لنا يا رب خطيئةً نعشقها ونتمسَّك بها ونُصرُّ على ارتكابها كلما تمترسَ مضطَّهدونا ومهندسو إبادتنا خلف متراس آيتك العسيرة على التَّفهُّم المكلِفة التطبيق: “مَن ضربك على خدِّكَ الأيمن فدر له الأيسر”.

إلى متى يا رب نستمرُّ باعتمادنا مَكرمة إدارة خدودنا لمن يديرون أمر عمليات غزو حدودنا غزوةً تلو غزوة، ولم يبقَ خدٌ إلا وتعرّض لطعنات القُبلات كتلكَ القبلة التي كانت ختمًا لإجازة مرورك على درب موتِك؟ حتَّى متى يا رب تحاصرنا بتنبيهين يناقض أحدهما الآخر، تنبيهك لسمعان كيفا في اندفاعه المتهور العفوي: “بطرس بطرس أردد سيفكَ إلى غمده فمن أخذ بالسيف أنه بالسَّيف يؤخذ”، ونذكر يا رب أنَّك سبقَ وفاجأتنا بتنبيهك الآخر الغريب الخطير: “من ليس معه سيف فليبع رداءه ويشتري بثمنه سيفًا”.. هل هو قَدَرٌ محتوم أو خيار حر أن نبقى متأهبين عند شدائدنا كي نستشيرك بهذا السؤال الملحاح المستديم: “هل نردد سيوفنا إلى أغمادها، أو نبيع ثيابنا ثمنًا وشراءً للسيوف.. صلبانك أنتَ الأعلم أنها وعدٌ وعدناكَ به ولن نندم، وعهدٌ لكَ فما نكثنا بالعهد يومًا، لكن يا سيِّد لا قيروانيَّ يوافينا بنخوة وشهامة الذي وافاكَ، فالأكتاف القيراونية الإقليمية والأممية الراهنة معظمها مُقلَّد مزوَّر، وإيجار القيروانيين على أكتافنا أثقل بمرَّاتٍ من أثقال صلباننا!!

 

لماذا القوات اللبنانية

الاستفهام التاريخي عن هذه اللماذا موجَّه أولاً ودائمًا إلى الأب والمؤسس والركن والقائد الأول يوحنا مارون بطريرك بطاركة أنطاكيا المصلوبة كبطرسها صلبًا مقلوبًا، ولهذا الاستفسار الأحق جواب يقع على أحفاد الذين نالوا شرف التشرُّدِ تائهين هائمين على وجوههم طيلة أزمنةٍ كان الشرق فيها قفصًا هائلاً معلَّقًا بزردات أنظمة حديدية مستنفرة لاعتقال كلِّ من عليه شبهة الأجنحة السليمة وجرم التَّحليق خارج السَّرب كي يبقى الإيمان بالحرية رجاءً وأملاَ من سراب.

كما الأمس كذلك اليوم وغدًا إن جيل يوحنا مارون يطلب آيةً فلا يجد مَن يعطيه إياها مطابقة لأوصاف ما طلب إلاَّ أجيال المقاومة و”القوات اللبنانية”. قواتنا اللبنانية في كلِّ واقعة تاريخية وموقع جغرافي لم تقرأ وتتعمَّق بنافور المقاومة اللبنانية إلاَّ بقراءةٍ مشتركة تمت قراءتها بين دير وادي العاصي وبين رهبانه الثلاثمئة وخمسين ذبيحةً. قواتنا كانت الوطن فلم تخرج لها بندقية خارج وطنها. قواتنا كانت الأهل والشعب، ولأجل أهلها وشعبها افتتحت الاستجابة الشاملة لنداءات وهب الدَّم، ولأجل أهلها وشعبها حملت وتحمَّلت مذمّات من ليس في أخلاقهم وتربيتهم الوطنية ذرة دم.

قواتنا لم تهاجم مرَّة إلاَّ وسلاحها يقتدي بالمِجلدِ الذي أطلقه ربها وسيدها ومعلّمها يسوع جلدًا لرؤوس وظهور وأيادي وأرجل أوباش الدنانير وسبائك الفضة والذهب استهانوا بهيكل القدوس وأمعنوا فيه تجارةً وسمسرةً وصيرفةً وبيعًا وشراء، وليس مثل قواتنا اللبنانية تجوهرت في خزائن روح بناتها وأبنائها غبطة الآيات وأكنزها: “الأوطان لا تُحملُ في الجيوب”!!

 

حيث لا يجرؤ الآخرون

حيث قوات لبنان جرؤت وتجرَّأت، الآخرون لا يجرؤون إلاَّ على حفظ أمثولة: “عند تغيير الدول والعهود والطرابيش احفظ رأسكَ” حتى ولو مطمورًا في الرَّمل أو التبن، وصن لسانَك حتى ولو ببشمات صيانة حوافر الأحصنة في حموة مراهنات سباق الخيل.. قواتنا اللبنانية عاشت الجرأة زاهدةً بجميع أرصدة الحياة والعمر التي لا فعالية لها ولا دور في رصيد ديمومة الوطن اللبناني. حين الآخرون لم يجرؤوا إلاَّ على تجارة استيراد الصابون البنطي شهادةً رخيصة لنظافة أرستقراطية أيديهم من دم شعبهم  المسفوك على أيدي أولياء الجيوب والبطون، جيوب وبطون الفارّين من وجه البطولات، ابتداء من الملاجئ وانتهاءً بمرابع ألف ليلة وليلة، وصولاً إلى جبهات نوادي القمار في أمثال موناكو قارَّة الذين ولدوا وفي أفواههم ملاعق ذهب، حينما ملاعق الدم تملأ أفواه وعيون وقلوب أمهات من وزن أيقونة لبنان والسماء أم رزوق!!

 

رفيق الرفاق وحكيمهم

وحيدًا وقفت على خاطر كرسي الاعتراف والاستغفار غير خجولٍ بنثرة قشٍ قد تكون دخلت دخولاً لا إراديًا في عينك وعيون رفاقكَ، بينما الذين نصَّبوا ذواتهم ديانين للأحياء والأموات، إنَّ في عيونهم البلقاء متَّسعًا لجسورٍ من باطون ترابة سوداء، وإنَّ في سجلاتهم كثيرًا من خانات “أسرار الآلهة” المدوّنة في خباء مذكرات “أبي يعرب الكنعاني” و”أبي رستم الغزالي” والروائح تزكم الأنوف!!

قصر رئاسة الجمهورية اللبنانية فيما وصلت إليه “جمهورية” هذا الزمن البائس، هو اليوم ليس أقل من جبهة مواجهة وقتال، ومقاتل الموت الرئاسي السَّريري واحد وحيد معروف عند الذين بصيرتهم في ضميرهم المبصِر..

هو الذي قاتل لقب صاحب المعالي زمن كان اللقب توأمًا للجسر الواطي.. هو الذي قاتل أبَّهة صاحب الفخامة يوم قُدِّمت إليه على شبه ذلك الطبق الذي حمل رأس شهيد الصوت الصارخ هديَّةً مخزية لهيرودس باشا السَّفاح.. إنَّ تاريخ 9 كانون الثاني 2025 متقيِّدٌ بتواريخ 5 تموز 1976 وقوفًا على خاطر كورة مار يعقوب ددة وشكا سيدة النورية.. و15 نوار 1977 وقوفًا على خاطر بلَّا وتلال ديرونا.. و12 شباط 1980 وقوفًا على خاطر قنات ومزرعة بيت بو صعب.. و2 نيسان 1981 وقوفًا على خاطر ممرات الجليد بين مرتفعات صنين قواميع العبد احتفالًا بعرس فرسان عروسة الشرق ومربى الأسود الزَّحالنة!

أما إسم الرئيس فسيكون أكبر آثامنا إن لم يفرح قلوب 15 ألف طوباويًا ساكنين في حمى سلطانة الشهداء، وإن لم يفرح قلبك بالذات أنت يا أشجع وأصغر ملائكة مقاتلة الأبالسة الغزاة طوني فهد جعجع!!!

 

كتب ميشال يونس في “المسيرة” ـ العدد 1760

 

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل