اعتقد وفيق صفا ان وضع فيتو على وصول ممثلّ المسيحيين الأول الى موقع الرئاسة يمكن ان يمّر مرور الكرام في المعادلة الدستورية والميثاقية التي تقوم على توازناتٍ دقيقة منذ تأسيس لبنان، خصوصاً ان الأطراف المسيحية الاخرى المعنية بالاستحقاق الرئاسي لم ترفع هكذا فيتو اساساً.
وفيق صفا لم يضع فيتو على خيار المسيحيين لرئاسة مجلس النواب مثلاً، ولا على موقع مخصص للطائفة الشيعية، بل وضع فيتو على ارادة المسيحيين بالنسبة لموقع مخصص اصلاً للمسيحيين وليس للشيعة في النظام.
وضع وفيق صفا هذا الفيتو واعتقد بكل سذاجة وسطحية انه نجح بتجنيب سلاحه غير الشرعي وشبكة فساده وخرابه في الدولة كأس رئيسٍ كسمير جعجع، ولكن من غير ان يعرف ان السنوات الطويلة التي قضاها الوفيق وحزبه في ممارسة الأعمال القسرية واعمال الفرض والترهيب والتهديد والاغتيال والسطو والابتزاز على الدولة والمواقع الدستورية فيها، اوصلت المعادلة السياسية والدستورية بهم اليوم الى طريقٍ مسدود، ولم يعد يملك هؤلاء رفاهية الابتزاز والتعطيل والفرض واختيار سلّة الاثمان التي تناسبهم، بل صار الخيار الوحيد المطروح امامهم هو الاختيار بين السيء والأسوأ.
لذلك فإن ما اعتقده وفيق صفا انه الخيار الأسوأ بالنسبة له ولحزبه، ربما يكون هو السيء فقط، نسبةً للمنحى الذي سلكته الأمور على صعيد انتخابات الرئاسة وتكليف رئيس الحكومة الذي وضع الثنائي في اسوأ المواقف والمعضلات السياسية والدستورية على الإطلاق، هيهات منها وصول سمير جعجع الى الرئاسة.
الفيتو الذي وضعه وفيق صفا على ارادة المسيحيين عاد اليه على شكل فيتو سني ودرزي ومسيحي في موضوع تكليف الرئيس نواف سلام من دون اي اعتبارٍ لموقف الثنائي الشيعي الذي لم يسبق له ان سلّف احداً بهذا الخصوص اصلاً، والفيتو الذي وضعه الوفيق وحزبه عاد اليهم اضعافاً مضاعفة من خلال وصول الرئيس جوزف عون الى الرئاسة من دون “جميلة” الثنائي الشيعي ومن دون ان يقبض هذا الثنائي اي ثمنٍ مقابل ذلك مثلما كان يُشّيع ويُمنن النفس، ومثلما اعتاد على ذلك منذ عام 1990.
صحيحٌ ان الفيتو على سمير جعجع قد استبعده بشكلٍ او بآخر عن السباق الرئاسي، لكن التعويض الكبير الذي استحصل عليه جعجع هو بروز امكانيةٍ جدية لقيام جمهورية قوية لطالما نادى بها منذ عقود، غير ان الربح الذي جناه وفيق صفا على نفسه وعلى حزبه من خلال استبعاد جعجع سرعان ما تحولّ الى خسائر مدوية تلو خسائر.
لو وصل جعجع الى الرئاسة وطالب الحزب بتسليم سلاحه لكانت تهمة التخوين والعمالة جاهزة لتُلصق به، ولكن عندما سيطالب الرئيس جوزف عون بتسليم هذا السلاح لن يجد الحزب ما يقوله او يفعله سوى تسليم هذا السلاح بكل طيبة خاطر ظاهرية.
لو وافق جعجع على تكليف نوّاف سلام بموجب الاستشارات النيابية التي حصلت اخيراً، لقامت قيامة الثنائي ولربما اتخذت الأمور منحى تقسيمياً او صدامياً، بينما يستطيع الرئيس جوزف عون ان يفعل كل ذلك، وما على الحزب سوى ان يبلع الموس ويعضّ على الجرح لأن الاصطدام بجوزف عون سيُعرّي الحزب شيعياً وعلى مستوى المؤسسة العسكرية قبل ان يعريّهم وطنياً، بينما الاصطدام بجعجع ربما يُشّد العصب الشيعي خلف وفيق صفا وحزبه، وربما يخلق انواعاً اخرى من الانقسامات الوطنية التي تخدم الحزب.
الفيتو الذي وضعه وفيق صفا وحزبه على الدكتور جعجع افرز مع جوزف عون بالعرف وبحكم التقاطعات العكسية، نظاماً رئاسياً لطالما حاربته الشيعية السياسية منذ ثمانينات القرن الماضي، وادّى الى خسارة كل المكتسبات التي راكمها الرئيس برّي طيلة عقود لتقييد صلاحيات رئيس الجمهورية، والأكيد اليوم ان عقلاء الحزب، اذا وُجدوا، فهموا جيداً الدرس القاسي من وضع بعض جهّالهم فيتو على ارادة الغالبية من المسيحيين.