بعد خراب البصرة!

حجم الخط

صحيفة النهار – علي حمادة

 

بعد التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحركة “ح” يؤسس لإنهاء الحرب بشكل تام، احتفل أبناء قطاع غزة بنهاية الكابوس والجحيم الذي عاشوه لمدة ٤٧٠ يوماً تقريباً، واحتفلت الفصائل التي قاتلت في غزة وفي مقدمها “حركة ح” بما أطلقت عليه اسم “انتصار”، وشاركتها في الاحتفال بالنصر مجموعة الفصائل المرتبطة بإيران من لبنان إلى العراق وصولاً إلى القيادة الإيرانية على أرفع مستوى.

 

طبعاً اقتصر الاحتفال من خارج الفصائل بنهاية العمليات القتالية على الشعب الفلسطيني، وعلى الشعوب التي آلمها كثيراً ما حصل من مجازر بحقّ أهل غزة. والأهم أنه كان احتفالاً بالخلاص من الموت والقهر والذل. والحقيقة أن الفارق بين الاحتفالين كان كبيراً. احتفال الفصائل التي ورّطت أبناء غزة في حرب انتهت بمجزرة لا مثيل لها، والفصائل الأخرى التي تورّطت وورّطت بلدانها لا سيّما في لبنان في حرب انتهت بهزيمة محقّقة بعدما أسفرت عن مقتل الآلاف، وتدمير مناطق واسعة من البلاد. أمّا الزعم أن عملية “طوفان الأقصى” انتهت بانتصار فمتروك لتفكير أكثر عقلانية ولعقول راجحة. وثمّة من قال: بماذا تحتفلون بعد خراب البصرة؟!

 

في مطلق الأحوال انتهت الأمور باتفاق لوقف إطلاق النار لم يتم التوقيع عليه نهائياً حتى الآن. وهو اتفاق وقف لإطلاق النار مقسم إلى مراحل عدّة تتطلب أكثر من الجهد من أجل حمايته من الانهيار عند كلّ مفصل من مفاصله. ومن هنا سيكون من السابق لأوانه الركون إلى نيات الطرفين أي إسرائيل وحركة “حماس”، وخصوصاً أن ما يسمّى “اليوم التالي” في غزة لم يحسم بعد، ولم يعرف بعد من سيحكم القطاع؟ وكيف سيتمّ إخراج القيادات الكبيرة للحركة وبعض الفصائل، وفي مقدمها حركة ” الجهاد الإسلامي” المرتبطة عضوياً بطهران و”الحرس الثوري” فيها؟ فضلاً عن نزع السلاح من القطاع بشكل شامل.

 

والحقيقة أنّه لا تزال هناك زوايا غامضة في الاتفاق لجهة كيفية إدارة القطاع، وإعادة إعماره بعد نزع السلاح وخروج القيادات العسكرية والرئيسية مع عدد من المقاتلين إلى المنفى لمدة لا تقل عن ١٥ عاماً على الأقل.

 

إذاً ليس صحيحاً أن الحرب انتهت بل الصحيح أنها في طريقها إلى الانتهاء إذا ما توافرت مجموعة من الشروط لا نعتقد أنها متوافرة اليوم. وقد تكون أهم عوامل الاطمئنان إلى أن الحرب لن تعود قريباً هي تعب وإرهاق الشعب الفلسطيني المنكوب بشكل لا مثيل له ربما في التاريخ الحديث، وأيضاً تعب الإسرائيليين عموماً، والإرهاق الذي يعاني منه الجيش الإسرائيلي. من هنا التعويل هو على مناخ الشعبين اللذين ينشدان كل من زاويته هدوءاً ونهاية للحرب.

 

في لبنان هزيمة محققة لحقت بـ”الحزب”. البيئة الحاضنة له تسعى إلى التقاط أنفاسها، والمعلومات تفيد أن الشعارات التي كانت تطرب لها الآذان صارت مناسبة لهم لهزّ الرؤوس والانتقال إلى شيء آخر.

 

البيئة الحاضنة لذراع إيران في لبنان بدأت تبتعد رويداً رويداً عن دائرة تأثير البروباغاندا السياسية التي كانت مؤثرة في ما مضى. لقد بدأت مرحلة جديدة في لبنان عنوانها تراجع قدرة “الحزب” وحركة “أمل” على احتكار النفوذ والتأثير على بيئة حاضنة انتهى بها الأمر إلى نكبة تاريخية نتيجة المغامرات السياسية والأمنية والعسكرية على مدى عقدين من الزمن، فضلاً عن اشتداد عزلتها الداخلية التي ظهرت بشكل واضح خلال ما سُمّي بـ “حرب الإسناد” لغزة، إضافة إلى العزلة العربية والدولية التي حولت بيئة بأسرها إلى بيئة “مشبوهة” أمنياً في عشرات الدول من أوروبا إلى الأميركيتين وصولاً إلى أفريقيا وآسيا. ولعلّ هذه الحالة تفاقمت كثيراً في الدول العربية الكبيرة والفاعلة بعدما تورط “الحزب” ضمن وظيفته الإقليمية في أعمال هدّدت أمن دول عدة في المنطقة.

 

عملياً وفيما احتفلت طهران ومجموعة فصائلها بنكبة غزة و”الساحات”، بدا واضحاً للمراقبين أن المنطقة تغيرت كلياً، وأن الدائرة الجيوسياسية المحيطة بإيران تحولت من دائرة حماية إلى دائرة تهديد، في وقت يقيم النظام في الداخل فوق برميل بارود يمكن أن ينفجر في أيّ لحظة، ليغير الواقع في الداخل الإيراني نفسه، حيث كانت تجربة الموجة الاحتجاجية الواسعة جداً التي انفجرت بعد قتل الشابة الإيرانية مهسا أميني على يد “شرطة الأخلاق” مؤشراً على مدى تراجع شعبية النظام بعد أربعة عقود على قيام الجمهورية الإسلامية.

 

من هنا نقول إن الاحتفال بوقف إطلاق النار في غزة بوصفه انتصاراً يعكس حالة عمى سياسياً فاضحاً أصاب طهران والبقية الباقية من محورها في المنطقة!

 

المصدر:
النهار

خبر عاجل