لم يكن سقوط الرئيس بشار الأسد أو قل سقوط حكم آل الأسد في سوريا منفصلًا عن كافة تفاصيل أداء هذه العائلة في حكم سوريا، دكتاتورية وطغيانًا وقمعًا واعتقالًا واغتيالات. ولم يكن سقوط الطاغية بشار إلا استمرارًا لسلسة نهاية الطغاة وتحقيقًا لإيمان المظلومين والرازحين تحت نير الظالمين بأن الليل حتمًا مُنجلٍ والقيد أكيدًا منكسر.
إنه مسار التاريخ الطبيعي للطغاة منذ ما قبل التاريخ وحتى الساعة ونماذجه منطبعة في الذاكرة الجماعية للشعوب وخصوصا المقهورة ومطبوعة في المذكرات والكتب وفي أجساد المواطنين ورفاتهم في المقابر الجماعية.
لن يتسع المقال لتعداد وذكر كل من طغى ولا التذكير بكل ما اقترفوه وتمادوا في اقترافه وارتكابه، ولا بما جنوا وحصدوا في نهاية المسار والمطاف نتيجة ممارساتهم وطغيانهم وظلمهم انطلاقًا من أن التاريخ في نهاية المطاف منصف ومتجه نحو الأفضل، وهذا ما عبّر عنه رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع، إذ شرح جعجع نظرته للمسار التاريخي واعتقاده بأنه ليس بمثابة تراكم أحداث وتطوّرات عشوائية، بل إن التاريخ مسار في الاتجاه نحو الأفضل وتطوّر للإنسانية في المجتمع. ودعّم رئيس القوات نظرته واعتقاداته بالأدلة الحسيّة والشواهد الانسانية الفلسفية، لا سيما في إحدى نقاشاته المسجلة مع النائب في البرلمان الأوروبي والفيلسوف الفرنسي فرنسوا-غزاڤيبه بيلّامي.
وانسجامًا مع هذه النظرة للمسار التاريخي المتجه نحو الأفضل، سقط طغاة العصر الحديث من صدام حسين في العراق ومعمّر القذافي في ليبيا وبشار الأسد في سوريا على سبيل المثال لا الحصر عبرة لمن طغى ودرسًا قاسيًا مريرًا لمن تمادى في طغيانه.
لقد حكم صدّام حسين العراق بالحديد والنار والدم والدمار منذ 16 تموز 1979 حتى 9 نيسان 2003 يوم سقوط نظامه أمام القوات الأميركية التي استجلبتها ممارساته وأطماعه ودكتاتوريته، الى أن ألقي القبض عليه في حفرة لجأ إليها هاربًا مع أمواله في 13 كانون الأول 2003 ليُعدم شنقًا إنفاذًا لحكم المحكمة العراقية في 30 كانون الأول 2006.
ومع أن ستارة الرئيس صدام حسين أُسدلت مع إعدامه، فإن الهجوم الكيميائي الذي شنه نظام صدام على حلبجة الكردية في كردستان العراق تاريخ 16 آذار 1988، والذي أدى الى مقتل ما يزيد عن 5000 شخص وإصابة ما يزيد عن 10000 معظمهم من المدنيين، يعطي فكرة صغيرة عمّا كان يعانيه الشعب العراقي بكافة أطيافه وطوائفه وإتنياته من جور حكم البعث العراقي بقيادة صدام ونموذجًا مخيفًا مرعبًا لعقود من الزمن تحت حكم طاغي لم يأخذ الدروس ممن سبقوه من الطغاة.
كما حكم معمّر القذافي ليبيا بنفس أدوات صدام حسين وبقية الطغاة، منذ الأول من أيلول 1969 وحتى ثورة 17 شباط 2011 في ليبيا مطالبة القذافي بإقامة نظام ديمقراطي تعددي، ليهرب بعدها من أمام الثوار قبل أن يعثروا عليه ويقتلوه في20 تشرين الأول 2011، لتُسدل الستارة عن حكم القذافي المدان بضلوعه بتفجير طائرة أميركية في اسكتلندا تاريخ 21 كانون الأول 1988، سقطت وتناثرت أشلاؤها ونيرانها الحارقة على بلدة “لوكربي” الواقعة في مدينة دمفريز وغالواي الأسكتلندية غربي إنجلترا.والتي سميت بقضية “لوكربي”، كما اتُهم وأُدين بما سُمّي بمذبحة سجن أبو سليم في طرابلس الغرب، إذ قتل نظام القذافي أكثر من 1270 من السجناء بتاريخ 29 حزيران 1996، ولم تُسدل الستارة بعد على جريمة معمّر القذافي المتمادية باختطاف وإخفاء وربما قتل الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين منذ 31 آب 1978، ولن تُسدل الستارة على دور معمر القذافي في الحرب اللبنانية وفي رعايته للإرهاب والعمليات الإرهابية في لبنان والعالمين العربي والغربي.
لقد نال نظاما الأسد الأب والإبن وحصدا حصة الأسد الكبرى في الطغيان والارتكابات والفظائع منذ العام 1971 مع حافظ الأسد مستئنفًا مع بشار منذ العام 2000 وصولًا الى الثامن من كانون الأول 2024، إذ فاق وتفوّق نظاما الأسد على بعضهما وعلى من أتينا على ذكرهما آنفا قتلًا وإرهابًا واعتقالًا، ليتوسع مدى طغيانهما على لبنان والفلسطينيين وبقية الدول العربية والغربية… فتفوّقت مجزرة حماه والغوطة الشرقية في 1982 والـ2014 على حلبجة ولوكربي وسجن أبو سليم المذكورين، وتفوّق تمادي النظامين في الخطف والإخفاء القسري، وربما تصفية السجناء والمخطوفين والمخفيين على قضية اختطاف الصدر في 1978 لتطال مئات اللبنانيين والأردنيين والفلسطينيين وربما الآلاف ومئات آلاف السوريين، ناهيك عن ضحايا الاغتيال والقصف والتدمير الذي طال اللبنانيين من كافة الطوائف وقياداتهم وأحزابهم…
لكل ما سبق يُفهم احتفال وابتهاج اللبنانيين قبل السوريين بسقوط طاغية دمشق في 8 كانون الأول 2024 بمثل ما يُفهم احتفالهم بخروج جيشه من لبنان في 26 نيسان 2005، وبمثل ما فُهم تهليل واحتفال واستفادة الأحزاب والشخصيات الدائرة في فلك نظام الأسد وعلى رأسها “الحزب” ووليّه الإيراني أمام سقوط نظامي صدام حسين ومعمر القذافي على أيدي ودبابات القوات الأميركية وقوات حلف الناتو وببنادقها… وهنا يستوقفنا بيان صدر عن “الحزب” في 23 آب 2011 بعيد سقوط معمر القذافي على يد قوات الناتو “الغازية” التي كانت عضدًا للشعب الليبي في إسقاط طاغيته، إذ ورد فيه حرفيا: “يتوجّه الحزب بأسمى آيات التبريك والتهنئة إلى الشعب الليبي المنتصر والى ثورته المظفّرة، قادةً وثوارًا، بمناسبة هذا الانتصار العظيم الذي تحقق على الطاغية المستبد، بعد جهاد دامٍ وتضحيات جسام. ونرجو من الله تعالى أن يتمّم عليكم هذا الانتصار بشكل نهائي وحاسم في أسرع وقت، وأن يوفقكم لإقامة الدولة العادلة، التي تحقق طموحات وآمال أبناء هذا الشعب الذي عانى طويلًا، والتي تعيد ليبيا لتكون جزءًا من الأمة ولتشارك من جديد في تبنّي قضاياها والدفاع عنها، وفي مقدمتها “قضية فلسطين”. إننا في لبنان، وخصوصًا في المقاومة اللبنانية بكل فصائلها، نتطلع إلى جهودكم الكريمة لتحديد مكان احتجاز إمام المقاومة في لبنان سماحة الإمام السيد موسى الصدر، ورفيقيه سماحة الشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدر الدين، الذين قام الطاغية معمر القذافي باختطافهم لمصلحة المشروع الصهيوني في المنطقة. والأمل كل الأمل أن يتيح الله تعالى على أيديكم إنجاز حريتهم وعودتهم إلى عائلاتهم وساحة جهادهم. إننا فرحون لفرحكم، معتزون بانتصاركم، ونعلّق كل الآمال على وحدتكم وثباتكم وقدرتكم على صنع الغد الواعد والمشرق لهذا البلد العزيز”.
انطلاقًا من مضمون رد فعل كل من الحزب وإيران وجماعة سوريا في دمشق ولبنان حول سقوط كل من نظام صدام حسين ومعمر القذافي في العراق وليبيا نتيجة لممارساتهما الطغيان على شعوبهما وشعوب المنطقة ودولها، بأقل ما قام به نظام الأسد في مرحلتيه وبأقل بكثير مما يقوم به نظام الولي الفقيه في إيران وفلسطين ولبنان والدول الخليجية والأوروبية والأميركية، وانطلاقا من مسار “التاريخ نحو الأفضل” الذي تحدث عنه الدكتور سمير جعجع، نكون أمام حتمية عادلة بإسقاط النظام الإيراني مع أداته في لبنان، إذ ينتهجان الطغيان والقمع مسلكًا والخطف والاعتقال والاغتيال أدواتا لحكمهما وديمومتهما… مصداقًا لقول الحكيم ما بصح إلا الصحيح ولشعاره الإيماني “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”.
كتب أنطوان سلمون في “المسيرة” ـ العدد 1760
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]