كلَّما قدَّمت رهبانيتنا اللبنانية المارونية ناذرًا جديدًا ساجدًا “بحضرة الله القادر على كل شيء” واهبًا إنحناءه رأسه الحليق لإسكيم الملائكة، فإنَّ سقفًا سماويًا مضافًا يرتفع حمايةً للهيكل اللبناني، وهذا ما وثَّقته الوقائع وبيَّنته الأحداث وأكَّدته الأدلَّة الصادقة كوعد الرب.
اليوم كما أمس البارحة، كما الماضي البعيد الأبعد، فإنَّ شعبنا القلق على لبنانيته مدرِكٌ بأنَّ حبال النجاة ذات المتانة الموثوقة هي مِن حَبْكِ وجَدْلِ رهبانٍ ارتبطت أوجاعهم الجسدية والروحية بأوجاع شعبهم اللبناني حتى روابط الدم والاستشهاد، وإنَّ المسيحية الأولى في دياميس أنطاكيا وروما في قصورها وملاعب وحوشها هي ذاتها في أضرحة الرهبان المنصلبين ذبحًا وسحلاً وتقطيعًا وحرقًا منذ شهداء أديار رأس النبع، وسيدة مشموشة، ومار تقلا ريمات، ومار مارون عنايا، ومار أنطونيوس قزحيا، ومار جرجس عشاش، ومار جرجس دير جنين، ومار يوحنا قبَّيع.
وكما الرهبان الشهداء، كذلك أديارهم الشهيدة، حرقًا ونسفًا وهدمًا وغزوًا، من دير سيدة مشموشة، ودير مار تقلا ريمات، ودير مار مارون عنايا، ومار جرجس عشاش، ودير مار جرجس دير جنين، ومار مارون بيرسنين مجدل المعوش، ودير مار الياس الكحلونية، ودير مار يوحنا مارون قبَّيع. ومَن أحق من رهبان لبنان قول ما قاله بولس رسول الأمم والتشرّد والمضطَّهدين: “من منكم تألم ولم أتألم أنا معه، ومن منكم حزن ولم أحزن أنا معه، ومن منكم بكى ولم أبكي أنا معه، ومن منكم جاع وتشرد ولم أجع وأتشرد أنا معه”.. ها هي الحيتان المحليَّة والإقليمية والأممية تحاول أن تستدرجنا إلى فتكِ أنيابها وأنتم ضمانتنا يا رهباننا بأن لا نكون نحن ذلك “الجيل الشرير الملتوي الذي لا يعطى إلاَّ آية يونان النبي”!!
رهبانية مشارف 330 عام
لبنانكم لبناننا، شعبكم شعبنا، هما اليوم تجسيد لقربانة كنيسة محبسة مار بطرس وبولس يوم ذبيحة قداس 16 كانون الأول 1898، تلك الخبزة الإفخارستية التي سقط الحبيس شربل تحت كأسها ثلاث مرَّات.. وإنكم اليوم بأجمعكم يا رهباننا تنهضون نهضة أخ شربلكم وأخيكم الأب مكاريوس صوما المشمشاني تسندون لبنان قربانًا، تسندون الكأس دماءً وتساندون الحبيس شعبًا يترنَّح تحت طلبة رفع القرابين: “يا أبا الحق نحن شعبك اللبناني ذبيحةً ترضيك”!
ويا رهبان رهبانيتنا اللبنانية المارونية أنتم اليوم أرز الرب وبلاد الأرز، أنتم اليوم ملحمة التراب الجوري والجنائن المعلَّقة فوق حفافي الصخور وعواصي الأشيار، أنتم اليوم أمراء مملكة الوعر الأقدس الذي لولاه لانتهينا سبايا ورهائن وزواحف ومتزلِّفين ..
أنتم اليوم أطياف ثمانية بطاركة خرجوا من محباسكم متخرِّجين من محبسة سيدة ميفوق ومحبسة سيدة حوقا ومحبسة مار بيشاي في وادي قزحيا، ومن مثل أحبار المحابس يقودون شعبهم خلال أزمنة الضيق، ومن مثلهم يحفظ معالم الطرقات الضيَّقة ولم ننحدر إلى الهاوية إلاَّ حين توسَّعت أمامنا الدروب وتسهَّلت تشعباتها!!
330 سنة رهبانية سارت أجيالها من حلب الشهباء، إلى بطريركية قنوبين، أوصلتكم إلى دير مارت مورا إهدن أول أدياركم، إلى دير سيدة اللويزة، إلى مار أنطونيوس قزحيا، إلى دير سيدة اللويزة وصولاً إلى دير مار أنطونيوس البادوي خشباو غزير. رهبانية كبيت الآب هي فيها منازل كثيرة ومدارس عديدة، منزل ومدرسة العلم والكتب واللغات تقدَّسا بالمعلم الحرديني. منزل ومدرسة الزهد تقدَّسا بالحبيس شربل. منزل ومدرسة الجلجلة تقدَّسا براهبة المصلوب رفقا. منزل ومدرسة “فلاَّح مكفي سلطان مخفي” تقدَّسا بطوباوي الفلاحين وفلاح الطوباويين إسطفان النعمة اللحفدي.
ويا رهبانية القفار والأماكن القصية والأدغال المحجوبة، إنَّ دير سيدة القلعة منجز ودير مار جرجس دير جنين، وأنطش مار أنطونيوس عين زبدة، ودير مار سركيس الزكزوك، ودير مار يوحنا قبيع، ودير مار أنطونيوس وادي جزين، ودير تجلّي المخلص بحنين، ودير سيدة البشارة رميش هما بعين رب “القطيع الصَّغير” أكثر أهمية وجودية من دير جامعة الروح القدس الكسليك، ودير المدرسة المركزية جونية، ودير ومستشفى سيدة المعونات جبيل، وإنَّ في أديارنا النائية يعود الوفاق والاتفاق بين الأب العام عبدالله قراعلي والأب العام جبرائيل حوا!!!
330 سنة جديدة وأنتم رهباننا ولبناننا ومارونيتنا وصروح حريتنا واستقلالنا!!
كتب ميشال يونس في “المسيرة” ـ العدد 1760
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]