الممانعة ومسيرتها الطويلة في الانقلابات

حجم الخط

الثنائي

من العدل والمنطق وبعيدًا من الاستنسابية والانحياز أن  ينال المحور الممانع ورأس حربته الثنائي الشيعي، حقّ الامتلاك والاستعمال للامتياز الحصري لما يطلق عليه علم النفس “الإسقاط”، ويعود هذا الحق الحصري لمسيرة طويلة من الاتهامات والاسقاطات عنهم وإلصاقها بخصومهم منذ ما قبل الجمهورية الثانية في  الطائف، وصولًا الى ما استبشره اللبنانيون اليوم من تلمسهم لجمهورية ثالثة عمادها رئيس الجمهورية جوزيف عون وخارطة طريقها وحكمها ما ورد في خطاب القسم.

لدى سماع أو قراءة أو مراجعة ما زخر ويزخر به قاموس “الحزب” والحركة وإعلامهما من عبارات ومصطلحات وإسقاطات واتهامات وتوهمات عن الإقصاء وضرب الشراكة الوطنية، والانقلاب، وقطع اليد  والميثاقية، وخرق الدستور وبنود الاتفاقات والعهود والتعهدات، لظن السامع والقارئ والمراجع أن من تطاله العبارات والمصطلحات والاسقاطات والاتهامات والتوهمات هو من قام بالانقلاب على الشرعية اللبنانية في 6 شباط 1984 ومن قام  بضرب الشراكة الشيعية ـ الشيعية في حرب الأخوة بين “الحزب” والحركة، ومن دعم حكومة ضد أخرى بين عامي 1988 و1990 ومن انقلب على الطائف مقصيًا عرّابه أولًا عن رئاسة المجلس النيابي وتاليًا المسيحيين والسياديين وعلى بنود اتفاق الطائف نفسه، مسقطًا “جدولة الانسحاب السوري مقدمة لإنهاء احتلاله “مشكورًا”، و”حلّ كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية”، ومشوهًا فيه محرفًا لمضمونه، معدّلًا في مواده غبّ طلب الوصي المحتل والبديل الوكيل، في رئاسة الجمهورية والحكومة والوزارات ومجلس النواب وصولًا الى البلديات والمخاتير وأصغر حاجب وموظف في الجمهورية اللبنانية. وكأن من وقع عليهم اسقاطات الثنائي هم من نكث بالوعود والاتفاقات وهو من ضرب الشراكة بقوة سلاحه وضغطه وحربه وسلمه، من دون مشورة او لجوء الى حكومة أو حكم أو قانون أو دستور.

لقد بدأ “الحزب” انقلابه بعد استلامه الشعلة من الاحتلال السوري بنكثه لما سمي بالاتفاق الرباعي في كل الدوائر باستثناء دائرة بعبدا ـ عاليه، ليكمله في شنه حربًا في 12 تموز 2006، من دون إشراك وشراكة أي من الفرقاء اللبنانيين، وليعزز انقلابه وقطعه مع باقي اللبنانيين في اليوم الأسود الدامي في 23 كانون الثاني 2007، مرورًا بمحاصرة ممثل السنة في السراي الحكومي واحتلال وسط بيروت وصولًا الى 7 أيار 2008 وغزو بيروت والجبل وانتزاعه اتفاقًا وقع في الدوحة أعطى الثنائي ثلثًا معطلًا وتعبيرًا عن عشق الشراكة ونبذ الانقلابات. يقول المنسق العام للتيار الوطني الحر مستقويًا، في 6 آذار 2009: “ورقة التفاهم خربطت الشرق الأوسط الجديد وحققت الشراكة والثلث الضامن وكسرت رقابهم في 7 أيار وما تلاه بعد الدوحة”… ليعود “الحزب” وحلفاؤه  وينقلبوا على ما ورد في الدوحة من بنود  وأهمها:

“تتعهد الأطراف بالامتناع عن العودة إلى استخدام السلاح أو العنف بهدف تحقيق مكاسب سياسية. حظر اللجوء إلى استخدام السلاح أو العنف أو الاحتكام إليه في ما قد يطرأ من خلافات أيًا كانت هذه الخلافات وتحت أي ظرف كان بما يضمن عدم الخروج على عقد الشراكة الوطنية القائم على تصميم اللبنانيين على العيش معًا في إطار نظام ديموقراطي، وحصر السلطة الأمنية والعسكرية على اللبنانيين والمقيمين بيد الدولة بما يُشكل ضمانة لاستمرار صيغة العيش المشترك والسلم الأهلي للبنانيين كافة وتتعهد الأطراف بذلك.

تطبيق القانون واحترام سيادة الدولة في كافة المناطق اللبنانية بحيث لا تكون هناك مناطق يلوذ إليها الفارّون من وجه العدالة، احترامًا لسيادة القانون، وتقديم كل من يرتكب جرائم أو مخالفات إلى القضاء اللبناني. إعادة تأكيد التزام القيادات السياسية اللبنانية بوقف استخدام لغة التخوين أو التحريض السياسي أو المذهبي على الفور”… ليسقط الثنائي بعدها حكومة سعد الحريري عبر التهديد بالقمصان السود في العام 2011 والاحتكام الى “المسدس المصوب الى الرأس” الذي برر به وليد جنبلاط تراجعه عن دعم سعد الحريري لصالح ميقاتي.

طبعًا لا ينسى اللبنانيون الذين سقطوا شهداء وضحايا، من ثورة الأرز الى 17 تشرين وما بعده وتجليات الشراكة في خلدة والطيونة وعين الرمانة والعدلية، وما تكبدوه من تضحيات وتقديم اضاحي نتيجة لتلك الانقلابات على القانون والدستور والشراكة والميثاقية، قتلًا واستهدافًا وتهديدًا واستبعادًا وابعادًا واستغلالًا الى حد تباهي نائب له من تحت قبة البرلمان بأن “بندقية الحزب هي من أوصلت الرئيس عون الى بعبدا”.

ويُسجَّل في احترام الميثاقية والشراكة، شن “الحزب” حرب 2006 وتسببه بانفجار حرب لم يتوقعها، من خلال اشعال فتيله في ما أطلق عليه إسناد غزة” في 2023 ـ 2024، وتجلّى احترام تلك الميثاقية والشراكة في السلم أيضًا، إذ دعم “الحزب” لا بل ادعى انتصارًا في تقديم حقل كاريش، في 27 تشرين الأول 2022 بما يشبه التطبيع بين دولة إسرائيل ودولة لبنان الذي وصل رئيسها ببندقية “الحزب”، ولم يقبل “الحزب” وحلفاؤه بالعودة الى ممثلي الشعب لمناقشة “التطبيع المقنع مع إسرائيل”، كما تجلى في قرار احادي بالسلم أو ما سماه القريبون من “الحزب” قبل البعيدين باتفاق الاذعان والاستسلام ووقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، وفي متابعة للمانعة لاحترامها الدستور والمواثيق، رفض “الحزب” وحلفاؤه العودة الى مجلس ممثلي الشعب لمناقشة اتفاق استسلامه مع الشركاء.

في آخر تحديثات الشراكة والميثاقية واحترام الدستور والطائف، لم يجد الثنائي الشيعي المصدوم المكلوم من التغييرات والتطورات والنتائج الديمقراطية في الرئاستين الأولى والثالثة، الا المظلومية ودور الضحية، ليشن منهما هجومه المرتد، محاولًا الانقلاب على ما تحقق وما يؤمل من تحقيقه، مدعيًا حقًا لم يدرج في دستور ولم ينص في أي من بنوده وهو الميثاقية بالمثالثة لا بالمناصفة وأي بتٍّ بحقيبة المالية للشيعة وحتى لو صدق ما ادعاه رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن وعد بها قبل الطائف حسب ما زعمه  في 21 تشرين الثاني 2016 عن “ان رئيس الجمهورية ميشال عون عندما كان قائدًا للجيش تعهد عام 1988 بأن تبقى حقيبة المال بحوزة الطائفة الشيعية طوال عهده اذا انتُخب رئيسًا”… وحتى لو صدق  ما زعمه في 23 كانون الثاني 2025، “حصولي على حقيبة المال ليس تكريسًا للمثالثة ولا للمرابعة. بُتَّت في الطائف ولم تناقش فحسب، ولذا أتمسّك بها”. يقول الخبير القانوني الدستوري الدكتور حسان الرفاعي في 11 أيلول 2020 ردًا على تلك الرواية “من يدّعي أنّ حقيبة المال للطائفة الشيعية قد وردت في اتفاق الطائف، عليه أن يبرز وثيقة مكتوبة في الطائف، وأن يقول لنا أين ورد هذا الأمر علماً أن لا قيمة إلا لما تمّ إقراره في نصّ الدستور. وكلّ شيء آخر، هو أفكار بُحثت، ولكن لم يُتفَق عليها”. ما زعمه  هو  مثل ما حاوله الثنائي منقلبًا في فرض “مؤسسة الحوار” كآلية غير ديمقراطية ولا دستورية لانتخاب الرئيس او كما حاول لفرضه، وحتى نفي بري “تهمة تكريس المثالثة او المرابعة” كونهما ادانة وبالجرم المشهود لانقلاب الثنائي على المناصفة المنصوص عنها بوضوح في الطائف، والذي كان قد دحضه وكذّبه نائب رئيس المجلس السياسي في “الحزب” الحاج محمود قماطي في 17 كانون الثاني 2025 بتوضيحه: “تم التأكيد لنا على موضوع توقيع المراسيم الذي يحتاج لتوقيع ثالث هو لوزير المال وهناك حرص على أن تبقى المالية ضمن إطار الثنائي الشيعي كي تؤكد على المشاركة الثلاثية بالبلد”.

كيف كانت شراكة كل المكونات وعدم الإقصاء والحوار واحترام الميثاقية عندما قال نصرالله في 18 تشرين الأول 2015: “الذي يحب أن يبقى في الحوار أهلاً وسهلاً فيه، والذي يحب أن يترك الله معه، مع السلامة، والذي يحب أن يبقى في الحكومة أهلاً وسهلاً فيه، والذي يحب المغادرة الله معه مع السلامة، نحن لا نُجبر أحدًا، لا على البقاء في الحوار ولا على البقاء في الحكومة”.

وكيف تكون شراكة وحوار وميثاقية في قول الرئيس بري، متحديًا رئيس الجمهورية الجديد  قبل غيره من اللبنانيين السياديين  في 17 كانون الثاني 2025: “طالما أنه في الله بالسما… الحزب على الأرض”… ليلتقي تأييد سلاح “الحزب” الى مستوى التأليه والتأبيد مع قول الرئيس بري مخالفًا ومنقلبًا مسبقًا على ما ورد في الدستور والشراكة والميثاقية والقرارات الدولية، الملتزم بها، بقوله اثناء لقائه مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتين في 15 آذار 2024: “من الأسهل نقل نهر الليطاني إلى الحدود مع إسرائيل، بدلاً من نقل الحزب إلى ما وراء النهر”.

انطلاقًا من تلبّس الثنائي بالتهم نفسها التي كالها لخصومه ومعارضيه، واستلهامًا لما أشار إليه الدكتور سمير جعجع من معايير الحكم وممارسة السلطة والتوزير، تكون حقيبة المالية معشوقة الثنائي مشرعة لكل الطوائف من دون احتكار ومنها الطائفة الشيعية، الا أن ممارسة ومسار الثنائي الانقلابي في المالية التاريخي كما ممارسة ومسار التيار الوطني الحر في وزارة الطاقة، تحتم منطقيًا ووطنيًا إبعاد المجرّب من هذا الثلاثي الحزبي عن الحقيبتين على سبيل المثال، من دون حرمان اي من الطوائف عنها.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل