العراضات المنظّمة التي أقامها “الحزب” الأحد الماضي، يحاول أو يتمنَّى من خلالها تحقيق 3 أهداف، بغضّ النظر عن إمكانياته المعدومة لتحقيقها، ما خلا بعض الفوضى والبلبلة المؤقتة الهامشية في مسار الأحداث، نظراً لكون “الحزب” بات عاجزاً عن فرض شروطه على المرحلة الجديدة التي دخل فيها لبنان، وانقلاب موازين القوى في لبنان والمنطقة لغير مصلحة محور الممانعة الذي يُعتبر “الحزب” طفله المدلّل ودرّة تاجه، التي تحطمت بعد الحرب التي تورّط بها، وما جرَّت على لبنان عموماً وعلى بيئته خصوصاً سوى الاحتلال والويلات والخراب والدمار والموت.
كل الوقائع على الأرض تؤكد أن زمن سيطرة “الحزب” على القرار السياسي للدولة في لبنان انتهى إلى غير رجعة، وعراضات “الحزب”، أكان في الجنوب أو عبر مسيرات “الزعران” في أحياء عدة من بيروت ومغدوشة جنوباً، ما هي سوى مجرد تخبُّط وفشل وصعوبة في التأقلم مع “الدولاب الذي دار”، وهي لن “تُحيي الأموات”، فالهزيمة محقَّقة ولن تُخفيها عراضات “الأهالي” أو زعرنات “الموتسيكات”. من هنا، لا شك أن الزمن صعب على “الحزب”، وبالفعل ما أصعب ضيق الخيارات المتاحة أمامه، فكل العراضات لا تنفع للتستر بل هي تساهم في تشديد عزلته، من صنع يديه، عن سائر المكونات اللبنانية وعن ملاقاة المرحلة الجديدة التي دخل فيها لبنان.
في هذا السياق، تشدد مصادر سياسية مطلعة عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، على أن “الحزب فقد المبادرة على المستوى العسكري بشنِّ الحروب بعد هزيمته النكراء والخسائر والضربات القاصمة التي مُني بها، على المستوى البشري والتسلّحي، بحيث أنه بات مُضطراً للتستر والاختباء والاحتماء بـ”الأهالي”، بالإضافة إلى أن حلمه بالحصول على غطاء الدولة لحروبه في خدمة المشروع الإيراني بات، مع انتخاب الرئيس جوزيف عون وتكليف القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة، من الأوهام والأحلام الأقرب إلى الكوابيس”.
تضيف: “يدرك الحزب أن ما يسمى مقاومة انتهى على أرض الواقع، على الرغم من أنه لا يزال يرفعه شعاراً للتذاكي يخدع به نفسه وجمهوره، فخط الإمداد الذي كان مفتوحاً على مصراعيه أقفل بسقوم نظام الأسد، فيما بنية “الحزب” العسكرية دُمِّرت بنسبة تفوق الـ80% بحسب ما تتقاطع عليه مختلف مراكز الدراسات، والحدود مع إسرائيل مصيرها الإقفال، عاجلاً وليس آجلاً، بالعودة إلى مضامين اتفاقية الهدنة الموقعة العام 1949 والقرار (1701+) بكامل مندرجاته والقرارات الدولية السابقة. ولعلّ من بين أكثر ما يُحبط “الحزب”، ما ورد في خطاب القسم للرئيس جوزيف عون وعهده للبنانيين بقوله “عهدي أن أمارس دوري كقائد أعلى للقوات المسلّحة وكرئيس للمجلس الأعلى للدفاع بحيث أعمل من خلالهما على تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح”، بالإضافة إلى الكلمة الأولى لرئيس الحكومة المكلف نواف سلام التي تعهّد فيها بـ”بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها بقواها الذاتية، والعمل الجاد على التنفيذ الكامل للقرار الأممي 1701 وكافة بنود اتفاق وقف إطلاق النار”.
لذلك، تتابع المصادر: “استعراضات الحزب، قبل يومين، تحت عنوان “الأهالي” القديم المتجدد، مكشوفة. “الحزب” نظَّم هذه العراضات وقام بها عن سابق تصوّر وتصميم وتخطيط، وفُضح أمره بعدما خرجت إلى العلن مسألة التكليف الشرعي الذي أمَر به “الأهالي”. “الحزب” قام بهذه العملية ونظّمها محاولاً من خلالها مفاجأة الدولة والجيش والرأي العام، ورئيس الجمهورية وحكومة تصريف الأعمال والرئيس المكلف، فضلاً عن الإسرائيليين”.
أما عن خلفية تنظيم “الحزب” لتلك العراضات، فتشير المصادر إلى أن هناك “ثلاثة أسباب أساسية: الأول ويتعلق بالهمّ الأساسي للحزب، للقول إن ما يسمّى “مقاومة” هي مستمرة بشعاراتها وأهدافها ولم تنته، هم يريدون التعويض عن هزيمتهم وخسائرهم العسكرية الكبيرة التي لحقت بهم، ويعتقدون أن المشهد الذي نظَّموه الأحد الماضي يحقق لهم ذلك.
الثاني، هم يريدون ويحاولون أن يُدخلوا في البيان الوزاري للحكومة العتيدة مفهوماً متصلاً بالشعب، إذ يدرك “الحزب” تمام الإدراك أن مسألة ما يسمَّى “مقاومة” سقطت ولا إمكانية بعد اليوم لإدخالها في البيان الوزاري، لكنه يحاول المناورة والتلاعب بإدخال مسألة حق الشعب بتحرير الأرض مدعياً أنها موجودة في ميثاق الأمم المتحدة وفق منطقه، وبالتالي ما حصل في الجنوب الأحد الماضي هو من باب الشعب الذي يريد “الحزب” إدخاله في البيان الوزاري. لكن محاولة “الحزب” هذه ملتوية ومعتورة ومرفوضة جملة وتفصيلاً، فهو يتذاكى ويتلاعب بميثاق الأمم المتحدة إذ تتحدث المادة 51 من الفصل السابع عن “الحق الطبيعي للدول في الدفاع عن نفسها إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة”، بينما “الحزب” يتحدث عن شعب بمعنى أنه لا وجود لدولة بل حالة فوضى، هذا ما يريده ليبقى مهيمناً ومسيطراً وقابضاً على قرار الدولة كما يتمنَّى.
الثالث، أن “الحزب” أراد إيصال رسائل إلى الداخل والخارج بأنهم موجودن كما كانوا. هي بالطبع رسالة إلى رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ردّاً على مواقفهما، بمعنى أن الدينامية التي يملكها “الحزب” لا يمكن إيقافها ولا أحد يستطيع مواجهته وصدّه والتصدّي له، وأنه حالة لا أحد يمكنه كسرها، وإذا كان مشروعه في المنطقة انتكس فهذا لا يعني أنه خسر في لبنان، وأن ميزان القوى في لبنان لم يتبدَّل ولا يزال على ما كان عليه، وأنه لا يزال قادراً على صناعة القرار والتحكم به وفرض شروطه في لبنان”.
تضيف: “بالتأكيد هذه النقاط الثلاث منسوفة ومنتفية وغير موجودة على أرض الواقع والميدان، بالأدلة والمعطيات والوقائع الماثلة أمام الجميع، سواء في لبنان أو المنطقة، مع التحولات الجيوسياسية الجذرية. “الحزب” هُزم في الميدان، وفي عملية انتخاب رئيس الجمهورية التي عطَّلها على مدى أكثر من سنتين وحاول حتى اللحظة الأخيرة إعاقة انتخاب العماد جوزيف عون، وكذلك فشل وخسر في تسمية الرئيس المكلف نواف سلام، وسلاحه ممنوع بقرار دولي كبير وبقرار لبناني بأغلبية ساحقة كاسحة متنوعة”.
بالتالي، “الحزب أمام واقع صعب بالفعل وخيارات ضيقة، علماً أن الخيار الأسهل هو إما أن يتخلى طواعية عن سلاحه وعن لغته الخشبية القديمة ويلاقي الدولة العائدة، فيدخل إلى الحكومة تحت سقف الدولة والدستور والقرارات الدولية، وإما أن يتجه إلى المعارضة الديمقراطية ويبقى خارج الحكومة، أيضاً تحت سقف الدولة والدستور وبالتأكيد بعيداً عن أي أحلام بالانقلاب على الدولة والدستور كما تعوَّد، تحت أي مسمّيات كان. فإن كان المحور بأسره يقف على “إجر ونص”، وصولاً حتى إلى زعيمته في طهران، بعد الضربات التي تلقّاها، مترقِّباً موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومخططات إسرائيل لضرب العمق الإيراني، وبالتالي يبعث المحور برسائل الودّ إلى صناع القرار في المجتمع الدولي، أفلا يجدر بالحزب أن يتعظّ ويرحم لبنان واللبنانيين بدءاً من بيئته المدمّرة بالذات؟”، تختم المصادر.