الشيخ نعيم “Au pays des merveilles”

حجم الخط

نصر نعيم

و”سجّلوا لديكم هذا نصر”… الهراء الأدبي  Le non-sens littéraire هي فئة أدبية واسعة توازن بين العناصر العقلانية والعناصر المنافية للعقل، ضاربًا بأعراف اللغة ومبادئ التعليل المنطقي عرض الحائط… ويعتمد حسه الفكاهي على طبيعته المنافية للعقل وليس على المزاح أو سرد النكات الظريفة، فإذا كانت رواية Alice Au pays des merveilles نموذجًا مطابقًا تفسيريًا لهذه الفئة من الهراء الأدبي، يكون خطاب الممانعة و”الحزب” خصوصًا وأكثر تحديدًا، إطلالة الأمين العام الجديد الشيخ نعيم قاسم في 27 كانون الثاني 2025، من حيث طبيعة مضمونها المنافي للعقل والوقائع المحسوسة الملموسة من فئة الهراء السياسي Le non-sens politique.

لقد تنقّل قاسم في عجائب “بلاده” الخاصة الضيقة منطلِقًا في رحلته الخيالية بما أسماها “جردة حساب” ملخصة مفسّرة للـnon-sens الأدبي والسياسي المذكورين أعلاه بأبهى حللهما، وبذلك يكون قاسم ضرب من خلالها “بمبادئ التعليل المنطقي عرض الحائط”، تحت عنوان تكرّر بالإطلالة: “سجّلوا لديكم هذا انتصار”.

في تسلسل رواية قاسم في بلاد العجائب وتحت هذا العنوان،  يعتبر الراوي أن “هدف عملية 7 اكتوبر قد تحقق بعودة القضية الفلسطينية الى صدارة المشهد”، في حين أن الأهداف المعلنة من أرض غزة في 7 تشرين الأول من العام 2023 وفي اليوم التالي من أرض الجنوب المساند، لم تكن أقلّ من تحرير كل الأراضي الفلسطينية ودحر الاحتلال عنها وتحرير كل الأسرى من سجون الاحتلال، لذلك أطلق على العملية اسم “طوفان الأقصى”، ولذلك وُصف من سقط على أرض الجنوب اللبناني من شباب “الحزب”، بانهم ارتقوا على طريق القدس إسنادًا لغزة… أما الذي تصدّر، فهو مشاهد دمار غزة المدينة الفلسطينية أبنية وأنفاقًا، على رؤوس أبنائها من نساء واطفال وعجائز ومقاتلين عناصر وقياديين”… “وسجّلوا لديكم هذا نصر.”

يكمل الرواي داحضًا خرافة ردع حزبه ووهن بيت عنكبوت عدوه، والتي غالبًا ما كررها سلفه والراوي نفسه، مبشّرًا موهمًا شعبه وبيئته بتفوقه واستعداده لدخول الجليل، بإقراره متأخرًا وأخيرًا؛ “الفرق شاسع بين القدرة العسكريّة الإسرائيليّة الأميركيّة الضخمة وبين قدرة المقاومة مهما راكمت المقاومة من قدرات. دعونا نعترف ونكون واضحين جدًا، يوجد تفوّق عسكري استثنائي إسرائيلي ـ أميركي في مقابل القدرات العسكريّة الموجودة عند المقاومة… من الخطأ أن نركّز على القوّة العسكريّة كمقارنة”… و”سجّلوا لديكم هذا نصر”.

تقول رواية le non-sens السياسي بقلم نعيم قاسم: “إن العدو لم يتقدّم على الحافّة الأماميّة إلا مئات الأمتار”، في حين أن الرواية أثبتَ مدى خرافيتها بوقائع الأرض التي تحدث عنها اتفاق وقف إطلاق النار والتي أدرجها قاسم في روايته نفسها بـ “ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلها بعد 7 تشرين الأول من العام 2023، كما تأكد منافاتها لما صوّرته ووثقته الكاميرات والهواتف الخلوية من مواقع ووقائع   لدى محاولة “الأهالي” العودة الى عشرات البلدات والقرى التي لم ينسحب منها الجيش الاسرائيلي”… “وسجّلوا لديكم هذا نصر”.

أما في إقرار رواية قاسم بأن “الشعب اللبناني بطوائفه ومناطقه كان وفيًا وحاضنًا، وأن العدوّ لم يتمكن من إحداث فتنة داخلية بين الطوائف في لبنان”، فقد أجاب عنها وكشف خرافية العرفان بالجميل لهذا الشعب، بما سبق ورافق الاحتضان من تخوين واتهام وهدر دم للمحتضن نفسه وما لحقه من “تعاون وثيق بين الحزب والعدو الاسرائيلي”، لإحداث فتنة داخلية مع الطائفة المسيحية في الجميزة وفرن الشباك وعين الرمانة والجديدة، والسنية في ساقية الجنزير، عبر تنظيم حزب قاسم مسيرات مستفزة مخوّنة  شاتمة  محرضة، ممكنين العدو الإسرائيلي من إحداث فتنة مع الحاضن المنفتح المسامح… و”سجّلوا لديكم هذا نصر”.

أما في تأكيد “خرافة” الانتصار التي تتمحور حولها وفي صلبها رواية الهراء السياسي “قاسم   au pays des merveilles” وبعد أن كان “الحزب” في الفترة التي سبقت قبل السابع والعشرين من أيلول من العام 2024 يشترط لوقف إطلاق النار مع العدو الإسرائيلي في الجنوب، وقف اعتداءات هذا الأخير عن غزة، يقول الراوي في 27 كانون الثاني من العام 2025: “أمام هذا الاستنزاف، وأمام هذه المراوحة، جاء طلب إسرائيل من خلال أميركا بوقف إطلاق النار، وافقنا مع الدولة اللبنانية على وقف إطلاق النار، وهذا انتصار”… و”سجّلوا لديكم هكذا نصر”، ليكمل في مكان آخر من روايته: “وقف إطلاق النار، وافقنا على وقف إطلاق النار لأنّه مُعتدى علينا والمعتدي طلب أن يوقف اعتداءه بشروط. من الطبيعي أن نقبل بوقف إطلاق النار بصرف النظر عن بعض الشروط التفصيلية”، ليلبّي “الحزب” لاحقًا  الطلب الإسرائيلي عبر الأميركي الذي قال عنه أيضًا في ثنايا روايته: “الراعي الأميركي للاتفاق هو نفسه الراعي للإجرام الإسرائيلي والموجّه للإجرام الإسرائيلي، لم يُمارس أي دور تحذيري، بالعكس كان يُسهّل لإسرائيل وكان يُبرّر لإسرائيل. طالبنا الدولة أن تضغط، تحرّكت الدولة على كل مستوياتها ولكن أميركا، حاميها حراميها، يعني هذا المثل ينطبق عليها 100%، مع ذلك لم نُعطِ أي ذريعة”، ومن ثم يعود “الحزب” ليعتبر على لسان الراوي،  خضوعه لوقف إطلاق النار حتى قبل تحقيق شرطه السابق بوقفه في غزة ووقف الاعتداءات الاسرائيلية عليها، وقبوله بشروط “تفصيلية” قاسية استراتيجية أملاها الثنائي الاميركي- الإسرائيلي، و”غض” الحزب وامينه العام “النظر عنها” انتصارًا… و”سجّلوا لديكم هذا نصر”.

وكما كان انتصار حرب تموز 2006  خرافيًا من فئة رواية “الهراء السياسي” تحت اعتراف وإقرار السلف، بالقرار 1701 وبندامة “لو كنت أعلم”، ها إن الخلف الراوي تحت إخفاق “لو كنا نتوقع” يثبت بنفسه خرافة “سجلوا لديكم هذا نصر”، إذ يقرّ بفضح زيف ما كان يدّعي من قوة، وما زعمه في روايته نفسها من “انتصار” وما توهمه من “حقيقة” الردع، وذلك بقوله في سردية منافية لما لطالما أوهم الحزب نفسه وبيئته فيها: “بعض هذا الجمهور لديه تساؤلات، وتفاجأ بما حصل، وهذا حقّ مشروع، الحادث كان كبيرًا جدًا، الحرب كانت كبيرة جدًا، بعض النتائج لم تكن متوقعة، بسبب الإمكانات التي راكمناها كمقاومة والصواريخ التي أصبحت معنا والطائرات المسيرة التي تحدّثنا عنها والمناورات التي أبرزت قوة استثنائية بالنسبة لنا، ظنّ الكثيرون بأنّنا سنهزم إسرائيل عسكريًا بالضربة القاضية إذا حصلت معركة بيننا وبين إسرائيل، قدرة الردع التي حقّقناها خلال 17 سنة جعلت الناس يعتبرون أنّ قوتنا العسكرية بمستوى أن يكون الردع ردعًا كبيرًا وحقيقيًا… انتصارنا في التحرير سنة 2000 وانتصارنا في حرب تموز سنة 2006 وانتصارنا على داعش والتكفيريين سنة 2017، أعطت انطباعًا بأنّنا دائمًا مُنتصرون عسكريًا وهذا بسبب التفوّق الموجود لدينا… لم يتوقع جمهورنا أن نخسر هذا العدد الكبير من القيادات وعلى رأسهم سيد شهداء المقاومة نصر الله، في فترة زمنية قصيرة وبهذه السعة وبهذا الانتشار. لم يتوقعوا، لأنّه يقول لك القوة العسكرية الموجودة، هذا التنظيم العظيم الموجود عند الحزب، القدرة الأمنية الموجودة عند الحزب، معقول أنّه بهذه الكثافة وبهذا الشكل، لم يتوقع جمهورنا أن يحصل ما حصل. طبعًا حتى نحن لم نتوقع أن يكون قتل القيادات بهذه الطريقة وبهذه الشمولية… كان يُفترض ألا يكون هذا الانكشاف بهذه الصورة. لكنه أمر حصل، ليكمل الراوي دحض انتصاره بقوله: “الأفضل أن نصبر قليلًا على الرغم من حالة الشعور بالمهانة وتصرف إسرائيل بطريقة فيها إزعاج وفيها محاولة انتقام”. إذًا، وعلى الرغم من الشعار المبدئي الديني الحسيني الذي يردده “الحزب” والمحازبون “هيهات منا الذلة”، فإن “المهانة” الذي أصيب بها حزب وجمهور “راوي الانتصار”، بحسب اجماع المعاجم العربية، هي “الذل والحقارة”… و”سجّلوا لديكم هذا نصر”.

قد يكون خير تعبير على بلاد العجائب التي نهل منها الشيخ نعيم قاسم روايته هو في “غيابه” أو “غيبته” أثناء تسجيله لكلمته بعيدًا من واقع ما حصل قبل بثها، من وقائع أُثبتَت عدم “انسحاب الإسرائيلي” من “مئات الأمتار” من عشرات البلدات والقرى، مع بيان التمديد حتى 18 شباط 2025 الصادر عن البيت الأبيض الأميركي، وبيان الموافقة والتأييد والتأكيد على التمديد لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بعد تشاوره مع رئيس المجلس النيابي المكلف من “الحزب” الأخ الأكبر نبيه بري، وتجلّى الانقطاع عن الواقع و”الغياب والغيبة” في قول قاسم au pays des merveilles: “لا نقبل بتمديد المهلة، وردتنا معلومات بأنّ الأميركيين يتّصلون بالمسؤولين اللبنانيين، وقد طرحوا عليهم أن يتمدّد الاتفاق إلى 28 شباط، يعني ألَّا تنسحب إسرائيل حتى 28 شباط، أجاب المسؤولون اللبنانيون بالرفض، قالوا حسنًا نجعلها بـ18 شباط، قالوا لا، قالوا نحن بحاجة إلى خمسة مواقع تكون تلالاً مُشرفة. قالوا لهم لا… ولا أحد في لبنان يمكن أن يقبل معهم بتمديد لحظة واحدة”… و”سجّلوا لديكم هذا نصر”.

ما عبّر عنه شيخ الـnon-sens politique من “نشوة” نصر في مهاجمته لمعارضيه ذوي “القصة الحقيقية الواقعية” بقوله في روايته: “فقط شاطرين أن يضعوا لنا عقبات، فقط شاطرين بالتحليل ويقولون إنّه والله، لا، أنتم لم تنتصروا، نحن انتصرنا، وغصبًا عنكم انتصرنا، ويللي عجبه عجبه ويللي لم يعجبه يصطفل ولن أقول شيئًا آخر. المقاومة، وعلى رأس السطح، انتصرت، المقاومة دائمًا منصورة، بشهدائها منصورة، بتضحياتها منصورة، بنصرها المادي منصورة، باستمراريتها منصورة، انتصرت بإيمانها وإرادتها وهي ثابتة في حضورها واستمراريتها، انتصرت بوقف إطلاق النار. انتصرت بهذا الشعب الذي زحف مُجدّدًا إلى القرى الأمامية على الرغم من عدم الانسحاب الإسرائيلي”، وقد أثبت بالوقائع والمستندات ومنها وثيقة اتفاق وقف إطلاق النار، أنه نصرًا خرافيًا خلبيًا خياليًا غيرَ فعلي ولا يمت الى أي واقعية أو منطقية بأي صلة، وأكثر من أثبت ذلك، الشيخ قاسم نفسه في طيّات روايته الأخيرة على ما تقدّم … ولن يكون أفضل من تعليق الرئيس السابق العماد ميشال عون على تحرير الجنوب في 25 أيار 2000، مطابقًا للحال اليوم، اذ كتب عون في مقال له في “النشرة اللبنانية” يومها، في 27 أيار 2000، تحت عنوان “متى التحرير”: “أن نفرح بخروج الإسرائيلي، أو بطرده من الجنوب، فهذا شيء قد استحق، ولكن أن نعيّد لتحريره فهذا شيء مبكر، لأنه انضم إلى وطن ما زال فاقد السيادة. والعيد، سيكون يوم  يعود الاستقلال ومعه السيادة والحرية إلى ربوع الوطن. وفي ظل قضاء مستقل، سيد وحر، تجري التحقيقات، ويحاكم المجرمون وفقًا للقوانين ومبادئ العدالة، لأن ما نشهده اليوم في القضاء لا يتخطى الأعمال الثأرية، فهو انتقائي يفتقد إلى الشمولية والإنصاف. وإلى أن يحين العيد الحقيقي، نرفض الاشتراك بأعياد التخدير، ونترك نشوتها للمدمنين على المخدرات”…

و”سجّلوا لديكم ليس هناك من انتصار”.

إقرأ أيضًا

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل