لا شكّ أن الصورة القاتمة التي وضع “الحزب” نفسه فيها من خلال إسناده بقواعد اشتباك التزم بها من طرف واحد وحرب شنت ابتداء من 23 ايلول 2023 بتوقيت إسرائيلي ووقف لإطلاق النار التزم به من طرف واحد وفقًا للإيقاع الإسرائيلي، وتمديدًا حتى 18 شباط قابل للتمديد والموافقة عليه وفق الأجندة الإسرائيلية الموضوعة بما يتناسب وحاجات ومتطلبات أمن المستوطنات والمستوطنين، مع الحديث عن إبقاء “مناطق عازلة داخل الاراضي اللبنانية” يبحث عمقها وماهيتها الثنائي ترامب -نتياهو في واشنطن، وقد يتبلغ بعدها لبنان الرسمي بالتوصيات والمقررات ليتلقفها “الحزب”، موافقًا مؤيدًا عبر الأخ الأكبر المفوّض الرئيس نبيه بري، كل ذلك، ما هو الا حلقات من سلسلة سير “الحزب” على الايقاع والتوقيت الإسرائيلي.
هذه المسيرة تبدأ بما كان يرفضه “الحزب” من تراجع مطلوب من الإسرائيلي من فكّ لجبهة الجنوب اللبناني مع جبهة غزّة، وبتراجعه وسلاحه عن جنوب الليطاني، ليقبل “الحزب” بعد حرب إسناده وفق قواعد الاشتباك التي خرقها الإسرائيلي وفق توقيته وإيقاعه، بشن حرب لم يكن يتوقعها ولم يكن يتوقع نتائجها عليه وعلى قيادييه، على ما أعلن متفاجئًا مصدومًا أمينه العام في إطلالته التي سبقت إطلالة تحديد زمان ومكان دفن قياديَيه نصرالله وصفي الدين.
انطلاقًا من الحديث النبوي الشريف “إكرام الميت دفنه”، أتى تحديد الأمين العام السلف ليوم دفن الخلف نصرالله، و”خليفة الخلف”، قبل أن يخلف السيد هاشم صفي الدين، في 23 شباط 2025 ، متأخرًا خمسة أشهر، مع تأخر انتخاب خلف الخليفة، ليعكس فرضًا للإيقاع الإسرائيلي على قرارات “الحزب” واستحقاقاته الداخلية منها والاستراتيجية… وفي اعتبار تأخير الانتخاب خلف السلف أو خلف الخليفة، كتأخير دفن الأمينين العاميّن، محكومين بالعامل وضابط الإيقاع الاسرائيلي، من الضروري العودة الى ما كان قد اعتبره قاسم “سابقة ملء الفراغ السريع الناجح والناجع” بعد اغتيال السيد عباس الموسوي، واختيار نصرالله في 16 شباط 1992، إذ يقول عن سرعة ملء فراغ السيد عباس الموسوي في الجزء الثاني عن “الحزب”، من السلسلة الوثائقية “أحزاب لبنان”، التي انتجتها وبثتها قناة الـnbn في العام 2001: “خسارة الرجل الأول عادة تشكل خسارة صعبة وتحتاج الى فترة لمعالجتها كما يتصورون، من هنا كان استهداف الشيخ عباس كمؤثر على حركة الحزب السياسية والمقاومة في آن… اختير نصرالله بالإجماع وفي نفس ليلة اغتيال السيد عباس، لأننا اعتبرنا أن أي تأخير بعد الاغتيال على اختيار القيادة الجديدة، سيكون نقطة ضعف، وسيشعر العدو أنه سدّد للمقاومة والحزب ضربة، فقد أعلنا عن الأمين العام قبل دفن السيد عباس ليكون واضحًا أن البديل موجود وأن الطاقات الخيّرة موجودة”. كذلك، يكشف قاسم سير “الحزب” في “تاخير الانتخاب” وبعده “الدفن”، على الإيقاع الإسرائيلي، ما أورده في كتابه “الحزب المنهج التجربة المستقبل”، إذ يقول في الصفحة 170 منه: “انتخب نصرالله أمينًا عامًا بالإجماع قبل التشييع المهيب لسيد شهداء المقاومة الى مثواه الاخير في بلدته النبي شيت، وبذلك يكون الحزب قد فوّت الفرصة على إسرائيل من زعزعة قدرة الحزب على التماسك في هذه المحطة الحسّاسة من تاريخ جهاده”.
أما قول نعيم قاسم في 2 شباط 2025: “سيتم تشييع السيد هاشم صفي الدين بصفة أمين عام، لأننا بعد 4 أيام أنجزنا انتخابه أمينًا عامًا”، لم يتطابق مع رده هو شخصيًا يوم كان لا يزال نائبًا للأمين العام، في اليوم الرابع على اغتيال نصرالله في 30 أيلول 2024، إذ طمأنَ حينها بأننا “سنختار أمينًا عامًا للحزب في أقرب فرصة، وبحسب الآلية المعتمدة للاختيار في الحزب”… مع العلم أن خليفة نصرالله صفي الدين الذي “لم يخلف”، على ما تبيّن بعكس ادعاء قاسم، ارتقى في الثالث من تشرين الأول 2024.
يقول الشيخ نعيم قاسم في الإعلان عن دفن الأمينين العامين للحزب: “إن الظروف الأمنية قد حالت دون التشييع”، مع العلم أن الظروف الأمنية بحسب قاسم لم تتبدّل، إذ إن الخروقات لوقف إطلاق النار والاعتداءات الإسرائيلية، تشكل استمرارًا “للعدوان يتخطّى الخروق”… لنكون أمام شيء مخفي غير معلن جعل المحال ممكنًا على الرغم من الظروف الـمنية المانعة سابقًا وحاليًا، فملف إطلاق أسرى “الحزب” بعد السابع من تشرين الأول 2023 على سبيل المثال لا الحصر، لم يدرج في اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 27 تشرين الثاني 2024، مع أن “الحزب” لطالما كرر ثابتته بـ”أننا قوم لا نترك أسرانا في السجون الإسرائيلية”، ومن اجلهم وبحجتهم قام بأسر الجنديين الإسرائيليين في 12 تموز 2006 والذي أدى الى حرب “لو كان يعلم” مَن أسرَ الجنديين أنه سيؤدي اليها، لما أقدم على فعلته، على ما أكد نادمًا نصرالله في 27 آب 2006… لنقف اليوم أمام انتظار توقيت إطلاق أسرى “الحزب” السبعة وفق التوقيت والإيقاع الإسرائيلي بعد التطمينات والضمانات القطرية والأميركية والتي قد تكون لعبت هي الأخرى دورًا في “تحييد الدّفنَين” عن الاستهداف، في ظل استمرار التفجيرات والتوغلات والخروقات الإسرائيلية.
في المحصلة، أتى تأجيل الملفات والاستحقاقات وإكرام من ارتقى، بدفنهم متأخرين، واقعًا واقعيًا مضبوطًا على الإيقاع الأميركي الإسرائيلي تحت وطأة العقاب بالحرمان، إذا طولب بها قبل الأوان.