جمهورية العهد الجديد.. خطاب القسم من الوعود الى واقع ملموس

حجم الخط

لبنان ـ رئاسة الجمهورية

يدخل لبنان مرحلة جديدة عنوانها البحث عن الاستقرار وسط أزمات متشابكة ومعقّدة تعصف به على مختلف الأصعدة، فيما تبرز مخاوف من قدرة الداخل والخارج على تحقيق التوازن المطلوب لإعادة البلد إلى وضعه الطبيعي واستعادة دوره الإقليمي. ذلك، في وقت لعبت فيه الدول الكبرى دورًا أساسيًا في انتخاب رئيس الجمهورية، ما يعكس حجم الاهتمام الدولي بمصير البلاد. وفي هذا السياق، شكل خطاب القسم نقطة انطلاق لرؤية الرئيس جوزيف عون وأهدافه في مواجهة الواقع الصعب.

يثير العهد الجديد تساؤلات حول مستقبل النظام السياسي في لبنان وقدرة الرئيس على تطبيق خطاب القسم بدعم دولي، مع مراعاة موقع القوى السياسية لا سيما “الحزب” الذي انتهى حضوره العسكري عمليًا، لمعرفة كيف سيُعاد تعريف موقعه السياسي في العهد الجديد.

 

الأحزاب في خدمة مشروع الدولة

في معرض حديثه عن المرحلة الجديدة التي يمرّ بها لبنان، يشير نائب رئيس الحكومة السابق، عضو تكتل الجمهورية القوية، غسان حاصباني إلى أن خطاب القسم لرئيس الجمهورية يتضمن تعهدات متقدمة للغاية، تهدف إلى إعادة بناء الدولة على ركائز صلبة. ويلفت في حديث لـ”المسيرة” إلى أن الخطاب يتناول مجموعة من الإصلاحات الجوهرية، مثل حصر السلاح وضبط الحدود، إستقلالية القضاء، إعادة هيكلة القطاع العام، وتنظيم الاقتصاد وتحقيق التعافي مع الحفاظ على أموال المودعين.

بينما يؤكد على أن المطالب ضرورية وملحة لإنقاذ لبنان من أزماته الراهنة، لا يغفل أن التحدي الحقيقي يكمن في ترجمة هذه التعهدات إلى أفعال ملموسة، من خلال البيانات الوزارية لحكومات العهد وتنفيذها عبر القرارات الحكومية والوزارية والقوانين اللازمة..

بالتالي، يوضح حاصباني أن نجاح هذه المبادرات يعتمد على تعاون حقيقي بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، فضلًا عن وجود حكومة قادرة على تحويل هذه الوعود إلى واقع ملموس. فالمهمة ليست سهلة، على حدّ قوله، وتتطلب استكمال ما بدأه رئيس الجمهورية بالتعاون مع رئيس الحكومة ومجلس النواب، مع منع أي عراقيل أو العودة إلى ممارسات الماضي التي كانت تعرقل الإصلاحات في السابق.

وفي ما يتعلق بدور تكتل الجمهورية القوية خلال العهد الجديد، يؤكد حاصباني أن مشروع الرئيس جوزيف عون “يتماهى تمامًا مع تطلعاتنا حول آليات إعادة بناء الدولة، لذلك صوتنا له في مجلس النواب”. ويضيف أنهم سينطلقون للعمل على المستوى الحكومي والتشريعي للوصول إلى مراحل التنفيذ، عبر التعاون بين السلطات ومتابعة الأداء وفق الأهداف المحددة، إضافة إلى تذليل العقبات بناءً على قناعاتهم ونسبة مشاركتهم في الحكومات، بما في ذلك التحديات التي قد تنشأ نتيجة لعمل الحكومة أو الإدارات. ويؤكد في المقابل على “ضرورة أن يتحول دور الحزب إلى سياسي مثل باقي الأحزاب، أي أن يعمل ضمن إطار الدستور والقوانين، ويمثل من ينتخب نوابه في المجلس النيابي وفق الأصول المعتمدة”، مضيفًا أن “على الحزب ممارسة نشاطه السياسي وفق قناعاته، ولكن في إطار الأهداف الوطنية والثوابت التي ينص عليها الدستور. وهذا المبدأ ينطبق على جميع الأحزاب السياسية، حيث تظل الدولة الضامن الوحيد لحقوق جميع المواطنين”.

 

مسعى لبناني للتدويل

النائب سليم الصايغ من كتلة الكتائب اللبنانية يؤكد أن التغيير الكبير الذي شهدته البلاد لم يكن ليحدث لولا ثبات الأحرار ومقاومتهم للاحتلال العسكري والأمني والسياسي. ويضيف عبر “المسيرة”، “أننا كنا تحت احتلال فعلي، ومقوّماتنا الذاتية المدنية والسياسية لم تعد تسمح لنا بالوقوف وحدنا، حيث شعرنا أن المجتمع الدولي قدّم لبنان لمحور معيّن وتركه يتخبط بمشاكله، وقام بربط نزاع باسم الإستقرار، فيما انتهك القرار 1701 من قبل إسرائيل والحزب على مرأى من الجميع”.

ويؤكد الصايغ أن انتخاب رئيس الجمهورية، جاء ضمن مسعى لبناني طويل الأمد لتدويل القضية اللبنانية والمطالبة بتدخل دولي سياسي، عبر الخماسية والموفدين. في المقابل، يصرّ على أن القرارات لا تُفرض على لبنان من الخارج “بل نحن نقترح الحلول ونتفاوض مع الدول عليها. نقول لهم امنحونا الأوكسجين، ونحن كشعب قادرون على النهوض مجددًا، وإيجاد طريقة لإدارة التعددية في لبنان وضمان استقراره غير أننا عاجزون عن تحقيق ذلك تحت الاحتلال”.

مؤكدًا على أهمية انتهاز الشعوب للفرص المؤاتية، يذكّر الصايغ بما فعله اللبنانيون عبر التاريخ في الحرب العالمية الثانية، حيث تمكنوا من انتزاع استقلالهم الأول نتيجة لتقاطع المصالح بين الفرنسيين والإنكليز، وفي العالم 2005، استطاعوا انتزاع استقلالهم الثاني بفضل الثورة الشعبية اللبنانية والضغط الدولي، إضافة إلى القرار 1559. ويشير إلى “أننا مع التحوّلات الإقليمية الأخيرة، نواجه فرصة الحصول على الاستقلال الثالث الذي لن يتحقق إلا بوجود شعب موحّد وقادر على النهوض”.

ثلاثة أنواع من الرعايات الدولية من المتوقع أن يحصل عليها لبنان خلال المرحلة المقبلة، يتابع الصايغ، الرعاية الأمنية والعسكرية، التي تقدمها كل من الولايات المتحدة وفرنسا، للإشراف على تطبيق الـ1701، وذلك بطلب من الفريق القيّم على الحكم وتحت مظلّة “الحزب” قبل انتخاب الرئيس جوزيف عون.

الرعاية الاقتصادية والمالية التي تفرض في المقابل التزام لبنان “بالمعايير الدولية كي يتمكّن من دخول النظام المالي والاقتصادي العالمي، وبناء الثقة مع دول الانتشار اللبناني ومع اللبنانيين في الداخل كي يعيد هيكلة قطاعه المصرفي، ويستعيد أموال المودعين، ويشجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة”. والأمثلة على ذلك عديدة منها مؤتمر “سيدر” الذي توقّف نتيجة غياب الإصلاحات اللازمة، واستمرت مع صندوق النقد الدولي، حيث واجه لبنان العديد من العراقيل التي عطّلت تنفيذ هذه الإصلاحات. وثالثًا، الرعاية السياسية التي علينا أن نستكملها اليوم في إنتاج حكومة تتماهى مع خطاب القسم وتلتزم به تمامًا كما التزم رئيس الجمهورية المنتخب، أمام الشعب اللبناني والنواب.

ويتابع: “نحن اليوم في مرحلة الإصلاح والإعمار، أي البناء بسبب الخسائر الضخمة الناتجة عن الحرب بين الحزب وإسرائيل، وهي تتطلب ليس عملية إصلاحية عادية فحسب، بل خطة مارشل للبنان وليس أقل من ذلك”. ويستشهد بما فعلته “أوروبا العظيمة، التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية على النازية والفاشية، وكيف طلبت المساعدة من الولايات المتحدة ليس فقط عسكريًا لتحريرها، بل أيضًا ماليًا واقتصاديًا. واستجابت الولايات المتحدة لهذا الطلب بوضع خطة مارشال التي كانت بمثابة ركيزة أساسية لإعادة بناء أوروبا بنيويًا واقتصاديًا، وتمكينها من الوقوف مجددًا على قدميها.

تجدر الإشارة إلى أن خطة مارشال أطلقها وزير الخارجية الأميركي جورج مارشال عام 1948، واشتملت على تقديم مساعدات مالية وفنية لتسريع التعافي الاقتصادي في الدول المتضررة. وكانت تهدف أيضًا الى منع تمدد النفوذ السوفياتي في أوروبا خلال فترة الحرب الباردة.

“علينا في لبنان أن نفهم التغيّرات الكبرى التي حصلت، وأن نستفيد من الزلزال الذي ضرب البلد لإجراء إعادة هندسة حقيقية وشاملة له. وأتمنى على رئيس الجمهورية أن يقود هذه العملية”، يقول الصايغ، مشيرًا الى أنه على الحزب القيام بإصلاح داخلي حقيقي والتركيز على تطوير رؤيته الخاصة لخدمة الناس والمجتمع والشأن العام. وفي بلد مثل لبنان، الذي يُعتبر في جوهره دولة مدنية، لا يمكن لـ”الحزب” الاستمرار في خلط المفاهيم أو العودة إلى منطق دولة مغاير تمامًا عن النظام الذي يعيش فيه اللبنانيون.

وإذا ما استمر “الحزب” في التلاعب والالتفاف والعودة إلى ما مضى، وطرح إشكالية الشراكة مجددًا، فالمواجهة ستستمر كما في السابق، وستكون بطبيعة مختلفة ومفردات جديدة، لأن العمل المطلوب يجب أن يكون منهجيًا وأوسع نطاقًا، بهدف ضمان حرية وراحة كل اللبنانيين، لا سيما الشيعة، إذ يجب أن يكون خيارهم هو الدولة، لأن الدولة لا تقوم إلا بالشراكة بين جميع اللبنانيين. ولبنان لا يمكن أن يُبنى على أساس طائفي، بل يجب أن يكون لكل فئة دورها في بناء الوطن.

ويشدّد في الختام على أن التحدي الأكبر اليوم يكمن في بناء مستقبل قوي ومستدام على أسس ثابتة، وأن النجاح في ذلك يتطلب العمل الجاد والمستمر، مع ضرورة تجنّب التراخي وعدم السماح بتكرار الأخطاء الماضية. ويوضح أن الدور الأساسي للأحزاب السياسية السيادية وحلفائها يتمثل في مراقبة الأداء ومحاسبة المقصرين، ودعم كل خطوة تصبّ في مصلحة الشعب اللبناني، لضمان حماية مصالحه العليا.

 

فريق عمل متكامل

من المتوقع أن تواجه مسيرة العدالة عددًا من العراقيل التي قد تعترض تنفيذ الأهداف المنشودة، وفي هذا السياق، يوضح النائب المستقل أديب عبد المسيح لـ”المسيرة” أن تنفيذ خطاب القسم يتطلّب حكومة تعكس قيم رئيس الجمهورية، خصوصًا في مجالات السيادة والإصلاح والإنقاذ. ويضيف: “من هنا، كانت معركة رئاسة الحكومة لا تقل أهمية عن معركة رئاسة الجمهورية”، مؤكدًا على ضرورة تشكيل فريق حكومي يعمل بجد لتنفيذ خطاب القسم، حيث لا يوجد حل آخر أمام لبنان سوى نجاح العهد”.

ويشدد عبد المسيح على أهمية الدعم الدولي لعهد الرئيس جوزيف عون، الذي يجب أن يتضمن استثمارات تساهم في إخراج لبنان من العزلة الدولية، بالإضافة إلى قضايا النفط والغاز، وضرورة لجم إسرائيل على الحدود لتحقيق الاستقرار والنهوض بالبلاد. وبالتالي، يرى أن المطلوب هو فريق عمل متكامل يضم الجهود الدولية والمحلية.

كما يلفت عبد المسيح إلى أن دور النواب لا ينتهي عند الانتخابات، بل يبدأ الآن من خلال مراقبة تنفيذ خطاب القسم من قبل الحكومة، معتبرًا أن المعارضة لم تعد قادرة على أن تظل “معارضة”، بل باتت جزءًا من الموالاة، ليشير في الختام إلى أنه ينتمي إلى الفريق السيادي الذي يضم كتائب، قوات التغيير، وكتلة تجدد.

كتبت ألين الحاج في “المسيرة” ـ العدد 1761

إقرأ أيضًا

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل