لقد طفا على سطح الأحداث المتلاطمة في الشرق الأوسط منذ السابع من تشرين الأول من العام 2023 وعلى ساحات المساندة المزايدة البائدة، خبر وكالة “تسنيم” الإيرانية عن “تعيين” أمين عام “الحزب” الشيخ نعيم قاسم وكيلًا شرعيًا دينيًا ودنيويًا لمرشد الثورة الإسلامية في إيران، الولي الفقيه الامام علي خامنئي “بمنطقة لبنان” على ما جاء في رسالة “التعيين ـ التوكيل”.
لقد أعاد تعيين خامنئي لقاسم الى الذاكرة، خبرًا مماثلًا في المضمون الشرعي الفقهي الديني والسياسي، نشرته صحيفة السفير في 18 أيار من العام 1995، جاء بمثل ما جاءت به رسالة خامنئي المعيّنة لقاسم وكيلًا للأصيل في إيران، إذ ورد في الصحيفة: “عيّن مرشد الثورة الثاني، السيد علي خامنئي، آية الله العظمى ومرجع التقليد الرسمي، بعد وفاة علي آراكي، الشيخ محمد يزبك عضو شورى الحزب والمدرّس بحوزة الإمام المنتظر ببعلبك، ونصرالله أمين عام الحزب، وكيلين شرعيين عنه في لبنان، في الأمور الحسبية والوجوه الشرعية، فيستلمان عنه الحقوق ويصرفانها في مصالح المسلمين ويردّان المظالم، ويجريان المصالحات الشرعية لأهل الخمس، ويعيّنان الوكلاء من قبلهما”.
مع استمرار وكالة الشيخ محمد يزبك السارية المفعول على “المسلمين” وغياب الوكيل بارتقاء نصرالله، أثيرت التساؤلات والتكهنات والتفسيرات “المبررة” لـ”استعجال” الولي الفقيه في تعيين الشيخ قاسم الخلف وكيلًا عنه في لبنان، مقابل “تريث” وانتظار لأكثر من ثلاث سنوات من 16 شباط من العام 1992 حتى 18 أيار من العام 1995، قبل تعيين رمز “الحزب” وأسطورته نصرالله ممثلًا للولي الفقيه، مع الاشارة الى ان “الأصيل” الإيراني المتمثل بالولي الفقيه كان قد “ذكّى” نصرالله أمينًا عامًا للحزب، متخطيًا نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم ومسقطًا لحظوظ توليه المنصب.
من التفسيرات “المحقة” للتعيين “المستعجل” هو أن الولي الفقيه تعمّد إضفاء غطاء إيراني شرعي ملزِم دينيًا وسياسيًا يقوّي فيه “جناح” الأمين العام الجديد الضعيف، على حساب الاجنحة العديدة المتكسرة لـ”الحزب” المنكسر المنقسم تحت الضربات المغيّبة المسقطة لمعظم قياداته المركزية العسكرية والأمنية، كون قرار المرشد يجعل من نعيم قاسم مقبولاً لدى جمهور الحزب وقيادييه اللذين لم يستوعبوا حتى اللحظة فقدان شخصية استثنائية كنصرالله.
ربّ متابع لشؤون “الحزب” وشجونه يرى ويقول بأن هناك انقسام وانفصام بين السياسي من جهة والعسكري والأمني من جهة أخرى، وربّ متتبع يتلمس اعتراضًا ومعارضة ورفضًا لاتفاق وقف اطلاق النار الذي وافق عليه “الحزب” الرسمي.
وقد يكون من الدلالة على ما يُعتقَد، ما أورده الشيخ نعيم في 20 تشرين الثاني 2024 في ختام كلمته، انحيازًا لـ”الحزب” بجناحه السياسي على حساب العسكري المقاوم والأمني بقوله:
أولاً: سنبني معًا بالتعاون مع الدولة وكل الشرفاء والدول والقوى التي ستساعد من أجل إعادة الإعمار. ثانيًا: سنقدم مساهمتنا لانتخاب رئيس بالطريقة الدستورية. ثالثًا: خطواتنا السياسية تحت سقف الطائف. رابعًا: سنكون حاضرين في الميدان السياسي بقوتنا السياسية والشعبية”… وفي ما ورد في بيان “الحزب” الرسمي بعيد تأجيل إسرائيل انسحابها الى 18 شباط من العام 2025، إذ بدا لافتًا دعوة “الحزب” الدولة اللبنانية “معالجة أزمة تأجيل الجيش الإسرائيلي لسحب قواته”، من دون التلويح أو التلميح بأي عمل عسكري “مستقل” عن الدولة، وهذا ما عاد وتكرر في كلام نعيم قاسم ورئيس كتلته النيابية السياسية الحاج محمد رعد.
في المقابل يقوم الجناح المقابل المقاتل بـ”التشويش” على “جهود جناح الحزب السياسي” لإثبات تحوله باتجاه العمل السياسي من إرسال المَسيرات المستفزة للعدو على الحدود، وللشريك داخل المناطق “ذات الخصوصية”، أعلن نعيم قاسم أنها لا تخص حزبه وقد يكون مقصده “أنها لا تخص جناحه”، وخير تعبير مشهود عن هذا “التشويش” وربما عن “الصراع الداخلي”، هو في إعلان الجيش الإسرائيلي عن إسقاط مسيّرة لـ”الحزب” لم يتبنّ هو رسميًا إطلاقها باتجاه إسرائيل… كذلك يتجلّى التشويش بتسريبات عن امتعاض “من تحركات الجيش اللبناني وكشفه عن منشآت وتفكيكها” وخشية و”توجسًا من دنو إزالة الحزب عسكريًا”.
قد يكون ما أوردناه طبيعيًا صحيحًا وصحيًّا لو أنه لم يحدث بعد ضربات قاصمة لظهر “الحزب” ومحوره من إيران مرورًا باليمن والعراق وسوريا ولبنان وصولًا الى غزة، ولو أن الاستهدافات التي طالت معظم قيادييه لم تكن نتيجة اختراقات وخروقات أمنية عسكرية، نخرت في جسده ورأسه، حتى بات الارتياب واحتمال الخيانة والانقلاب داخل “أمة الحزب” سمات طبعت التعاطي بين أبناء وقياديي ومسؤولي “الحزب” الواحد وبات قول السيد المسيح في الكتاب المقدس في انجيل متى 25:12 “كُلُّ مَمْلَكَةٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى ذَاتِهَا تُخْرَبُ، وَكُلُّ مَدِينَةٍ أَوْ بَيْتٍ مُنْقَسِمٍ عَلَى ذَاتِهِ لاَ يَثْبُتُ”، مصدّقًا لوضع “الحزب” المقطع الأوصال والتواصل بين قيادييه وبين قيادته وقاعدته.
لن يكون أفضل من نصرالله الذي سقط جرّاء اختراقات وخيانات الصف الأول من حزبه، ليعبّر عن ما آل اليه “الحزب” حتى قبل “استهداف” الحلقة الضيقة فيه ورأسيها لاحقًا نصرالله وخليفته صفي الدين، إذ يقول أمينه العام الراحل: “إن الحساب العسير آت للإسرائيليين ونحتفظ به في أضيق دائرة”، في إشارة واضحة إلى ارتيابه الأمني من وجود اختراقات كبيرة ومن قيادات كبيرة في إدارات ودوائر “الحزب” كافة.
وما يعبّر عن ما هو أعمق من ما يخبئه جبل جليد “الانقسام المحصور بين “السياسي والعسكري”، هو تركيز نعيم قاسم في 7 تشرين الأول من العام 2012، على جبل مخفي تحت المياه من الوحدانية الأمنية والعسكرية والدينية في حزبه، يفهمنا فيه الموكَل له “ترويج الشريعة المقدسة وإعلاء كلمة الإسلام الطيبة”… ملمحًا الى أن هناك ما يشي وينذر بانقسام عضوي عامودي يطال السياسي والعسكري والأمني والاجتماعي، إذ يكشف الوكيل الانقسام الكبير الشامل الذي أصاب أمة “الحزب” قائلًا: “في لبنان هناك حزب واحد اسمه الحزب، وليس عندنا جناح عسكري وجناح سياسي، وليس عندنا الحزب وحزب المقاومة، فالحزب هو حزب السياسة وحزب المقاومة وحزب العمل في سبيل الله تعالى وفي خدمة الإنسان، وباختصار هو الحزب، لذلك هذه التقسيمات التي يحاول البعض أن يروِّجها أمرٌ مرفوض وغير موجود، فكل ما لدينا في الحزب من قيادات وعناصر وإمكانيات مختلفة هي في خدمة المقاومة وتحمل المقاومة ولا شيء لدينا غير المقاومة كأولوية، من القيادة إلى آخر مجاهد فيه”.