صحيفة نداء الوطن- نجم الهاشم
“الحزب” لن يسلم السلاح. نقطة على السطر.
على عكس كل ما يحكى عن أن المفاوضات مع “الحزب” تدور حول إقناعه بتسليم سلاحه، يبدو أن “الحزب” مع إيران في مكان آخر. لا يهم إذا كان موقف “الحزب” يأتي خلف موقف إيران أو إذا كان موقف إيران يأتي وراء موقف “الحزب”. ثمة تفاؤل سياسي معلن قد لا يعكس حقيقة القناعات والأفكار التي تحرك السلطة الجديدة في لبنان، ولكن هناك في المقابل تشاؤم كبير يمكن أن يخفي مأزقاً منتظراً وانفجاراً. فالأزمة لا يمكن إخفاؤها طويلاً بالتفاؤل.
قال رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في حديث إلى قناة “الجزيرة” قبل زيارته إلى قطر إن الجيش يقوم بواجبه جنوب الليطاني ويفكّك أنفاقاً ويصادر أسلحة من دون اعتراض من “الحزب”. وأشار إلى أن “الحزب” واعٍ لمصلحة لبنان، والظروف الدولية والإقليمية تساعد على ذلك”… وأضاف: “الحوار بشأن حصرية السلاح سيكون ثنائياً بين رئاسة الجمهورية و”الحزب”، وقرار حصر السلاح بيد الدولة اتُخذ وتنفيذه يكون بالحوار وبعيداً عن القوة”.
لا شكّ في أن اللبنانيين يشاركون رئيس الجمهورية تفاؤله بإمكانية حلّ مشكلة سلاح “الحزب” بالتفاهم وبقبول “الحزب” التلقائي. ولكن هل هذا هو الواقع؟ وهل “الحزب” قادر على التخلّي عن سلاحه؟ وماذا يبقى منه وله إذا تخلّى عنه؟ وما هو موقف إيران التي يعود لها القرار في هذا الأمر طالما هي تتفاوض مع “الشيطان الأكبر” حول برنامجها النووي؟
لبنان بين سفارة عوكر وسفارة إيران
إذا كانت السفارة الأميركية التي تعمّرها واشنطن في عوكر أكبر سفارة في لبنان وفي المنطقة، فإن السفارة الإيرانية في بيروت يمكن أن تكون الثانية من حيث الدور والحجم. ليس بعيداً عن مقرّها القديم، بنت إيران مقرّاً جديداً لسفارتها في بئر حسن في الضاحية الجنوبية في شارع السيد عباس الموسوي التابع لبلدية برج البراجنة. ثمة بوابات سوداء حديدية كبيرة وضخمة، وأسوار حجرية بيضاء عالية، وحراس عند المداخل، يمكن أن يراها العابر من هناك بسهولة. وهذا المقرّ ليس بعيداً عن المبنى القديم الذي تحوّل إلى مقرّ للقنصلية بعدما تعرّض لعمليتين انتحاريتين في 19 تشرين الثاني 2013، خلال مشاركة إيران و”الحزب” في الحرب في سوريا دفاعاً عن نظام الأسد.
بين سفارتي طهران وواشنطن في لبنان يحتدم السباق حول مسألة تسليم السلاح وتطبيق القرارين 1559 و1701 ومندرجات اتفاق وقف النار. إذا كانت مواقف واشنطن واضحة ومعلنة ومتشدّدة يعبّر عنها الرئيس ترامب وموفدته مورغان أورتاغوس، فإن الموقف الإيراني ليس سرّاً من الأسرار وتعبّر عنه طهران من المرشد إلى الرئيس وسائر القيادات. الموقفان يصبّان في لبنان وفي القصر الجمهوري في بعبدا على طاولة رئيس الجمهورية الذي لم يتوان في القول أمام وفد إيراني ضم رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف، ووزير الخارجية عباس عراقجي، والسفير لدى لبنان مجتبى أماني، في 23 شباط أنّ لبنان تعب من حروب الآخرين.
جعجع وعصب المواجهة مع “الحزب”؟
السبت 12 نيسان اسـتأنفت طهران المفاوضات مع واشنطن في سلطنة عُمان. بين البلدين ملفات كثيرة من ضمنها سلاح إيران وبرنامجها النووي وأذرعها في المنطقة وملف لبنان وسلاح “الحزب”. هذه المفاوضات تأتي في المرتبة الأولى وقد يكون هناك من ينتظر نتائجها في لبنان ليبني على أساسها طريقة التعاطي مع سلاح “الحزب”. ولكن ثمة كلام إيراني واضح في هذا المجال يعبّر عنه مصدر دبلوماسي.
باختصار يعتبر المصدر أن “لا تسليم لسلاح “الحزب” حتى لو حصل اتفاق بين واشنطن وطهران”. المسألة بحسب المصدر لا تتعلّق بإيران بل بـ “الحزب” الذي يملك قراره. يبدأ المصدر من المفاوضات بين إيران وواشنطن ويركز على أهمية اختيار مسقط للقاء عوضاً عن الإمارات. فسلطنة عُمان كانت تستضيف مثل هذه المفاوضات منذ زمن. بينما مع الإمارات هناك مشاكل كثيرة ليس أقلّها موضوع الجزر الثلاث المتنازع عليها، ولكن من دون أن يؤثّر ذلك على التبادل التجاري والسياحي بين البلدين. الإصرار على عُمان كان أيضاً لإفهام واشنطن أنّ طهران لا يمكن أن تقبل بما يحاول الرئيس ترامب أن يفرضه عليها. يجزم المصدر أنّ “إيران تحصر المفاوضات بموضوع البرنامج النووي ولا تتعدّاه إلى الصواريخ أو ما يسمى أذرع إيران في المنطقة من “الحزب” في لبنان، إلى الحشد الشعبي في العراق، والحوثيين في اليمن. فهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها التفاوض حول هذا البرنامج من الرئيس روحاني إلى الرئيس رئيسي، وصولاً إلى المرحلة الحالية وقد توالى على الحكم في واشنطن أيضا أكثر من رئيس. لذلك يعتبر المصدر أن “لا تأثير لهذه المفاوضات على “الحزب” الذي منذ تأسيسه بدأ التسلّح والمقاومة. إذا سلّم “الحزب” سلاحه ستجتاح إسرائيل لبنان في اليوم التالي. ولن تفرّق بين الضاحية ومعراب، مقر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع”. لماذا سمّى معراب؟ “لأنها تختصر عصب المواجهة مع “الحزب””.
لا رهان على الجيش وتشكيك بالأسد
يُقال للمصدر إن تجربة “الحزب” لم تَحمِه ولا حَمَت لبنان. والدليل إلى ذلك الخسائر الكبيرة التي تكبّدها “الحزب” وسقوط نظرياته حول الردع الاستراتيجي وتوازن الرعب، وبيروت مقابل تل أبيب، وإن الجيش اللبناني هو الذي يؤمِّن حدود السيادة اللبنانية ويحميها في ظل السلطة الرسمية الجديدة والقرارات والحماية الدولية. ولكنه يسأل عن الضمانة التي يمكن أن تعطيها القرارات الدولية بالعودة إلى تلك التي تتعلّق بالصراع العربي الإسرائيلي وبموضوع إيران وحربها مع العراق مثلاً. يعتبر المصدر أنه “لا رهان على هذا الجيش لأنّه غير قادر على حماية لبنان طالما ليس مسلّحاً بما يشكل توازناً مع إسرائيل. ولذلك يبقى سلاح “الحزب” هو الضمانة”.
للمقارنة يذهب المصدر في اتجاه سوريا. “خلال أيام سقط نظام بشار الأسد بعد أعوام من تقديم الدعم العسكري والمالي والمعنوي له. جيشه كان يعدّ نحو 500 ألف جندي انهار ولم يقاتل. لماذا؟ لأنّه لم يعطِه الأوامر. عندما زار عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني وعلي لاريجاني مستشار المرشد، الأسد، عندما كانت بدأت عملية الخروج من إدلب نحو حلب، وعرضا عليه الدعم لصدّ الهجوم رفض”. يعتقد المصدر الإيراني أن “الأسد كان صار مقتنعاً بعدم جدوى القتال وبأنّه كان اتخذ القرار باللجوء إلى روسيا. لم يكن يريد أن يقاتل وكان قرر أن يغادر”. لماذا؟ ليس لدى المصدر تفسير لذلك ولكنّه اعتبر أنّه “لو كانت هناك مقاومة في سوريا كما مقاومة “الحزب” في لبنان لما انتهى النظام بهذه الطريقة، ولكانت هذه المقاومة هي البديل عن الجيش الذي يتحرّك بمشيئة النظام، وينهار عندما يريد النظام، ويسقط في أول مواجهة”. في حديث المصدر عتب كبير على الأسد وهو يحمّله مسؤولية السقوط الذي كان سقوطاً لاستراتيجية إيران في المنطقة لجهة قطع خط التواصل مع “الحزب”، الذي دفع مع إيران خسائر فادحة دفاعاً عنه. ولا يعفي النظام من مسؤولية استهداف قيادات إيران و”الحزب” والحرس الثوري هناك. لذلك لا يريد أن يرى ما حصل في سوريا يتكرّر في لبنان.
لا “الحزب” يريد ولا السلطة تريد
يعتبر المصدر أن “لا “الحزب” يريد أن يسلّم سلاحه، ولا السلطة الحالية في لبنان تريد أن تنزع سلاحه أو أن تأخذه. فـ “الحزب” لم يكن له دور في تأسيس المقاومة في لبنان فقط، بل في العراق واليمن أيضاً. عندما بدأ تنظيم “داعش” يهدّد سوريا وينتقل إلى العراق أرسل “الحزب” خبراء في القتال إلى العراق لمساعدة العراقيين على الوقوف في وجه “داعش”. حتى الأكراد في إقليم كردستان طلبوا المساعدة من المجتمع الدولي ولم يجدوا أيّ عون فاستعانوا بإيران وبـ “الحزب”. فكيف إذاً يمكن أن يسلّم “الحزب” سلاحه وكيف يمكن أن يقبل بانتهاء عمل المقاومة في لبنان؟”.
ألم تتغيّر الظروف اليوم بعد استهداف “حماس” في غزّة و”الحزب” في لبنان، والحوثيين في صنعاء، وفرار بشّار الأسد، وبعد تهديد ترامب لإيران؟ يرد المصدر: “إنها ليست المرة الأولى التي تتعرّض فيها الجمهورية الإسلامية للتهديد والحصار. في حرب الخليج الأولى مع نظام صدّام حسين كان كل العالم ضدّها ولم يعترف أحد بأن العراق كان المعتدي والبادئ في الهجوم. ولكن في النهاية سقط نظام صدام حسين وبقيت إيران. كانوا يريدون تقسيم إيران إلى خمس دول تتوزّع بحسب القوميات فيها، ولكن هذه المحاولات فشلت وبقيت إيران موحدة. وحاولوا هزّ النظام من الداخل ولكن النظام بقي أقوى”. لذلك يعتبر المصدر أنّ “الرهان اليوم على تهديدات ترامب لإيران سيفشل أيضاً وستبقى إيران قوية وسيبقى “حزب” قوياً”. المصدر نصح اللبنانيين بـ “التفاهم مع “الحزب” على دوره وعلى اعتبار أن سلاحه يقوّي لبنان”. وقارن مع اتفاق إيران مع السعودية في الصين. ولكنّه لا يفوته أن ينتقد دور المملكة العربية السعودية في لبنان حيث أن كل المعلومات التي تُسرّب وتستهدف “الحزب” وإيران يكون مصدرها الإعلام السعودي. وآخرها الكلام عن أن الحشد الشعبي سيسلّم سلاحه في العراق. ينفي المصدر هذا الكلام. ويقول: “عندما احتل الأميركيون العراق حلّوا الجيش العراقي. لماذا؟ حتى لا يكون للعراق جيش قوي. الحشد الشعبي في العراق كـ “الحزب” في لبنان. لا يُستغنى عنه وعن سلاحه”.