نادراً ما أضحكني الرئيس السوري بشار الأسد كما أضحكني بالأمس، عندما قال تعليقاً على انهيار حكم الرئيس المصري محمد مرسي والإخوان المسلمين: “إن ما يحصل في مصر يجسد سقوط ما يسمى بالإسلام السياسي، ومن يأتي بالدين ليستخدمه في السياسة أو لصالح فئة دون أخرى سيسقط في أي مكان من العالم”.
أجل، صدق بشار الحكيم العظيم العليم، والعياذ بالله .
وطالما الأمر كذلك، فهل تنبّه الرئيس الديكارتي أو أراد استغشام ناسه، بتجاهله أن الدولة الأبرز التي تدعم نظامه هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي يحكمها الملالي وتتنفس الاصولية في كل مفاصلها تحت عباءة الولي الفقيه؟
وماذا عن “حزب الله” الذي يدعمه ميدانياً بالعديد والعدة وسقط له مئات القتلى في القصير وحمص ودمشق، تحت شعار الجهاد؟
إلا إذا تراءى لبشار في نومه أن “حزب الله” أصبح فجأة الحزب الديمقراطي الليبرالي، وأن السيد حسن نصرالله أقيل من الأمانة العامة لتحل محله قيادة مشتركة مؤلفة على سبيل المثال من محمد عبد الحميد بيضون وحبيب صادق وغازي يوسف؟
يريد بشار أن يقنعنا بأن نظامه – المشرحة، هو أفضل بأشواط من نظام الإخوان المسلمين في مصر!
وأن الديكتاتورية القمعية هي افضل!
وأن حكم الأقلية المذهبية أفضل!
وأن تحكُّم العائلة والسلالة بسوريا منذ ما يقارب نصف قرن أفضل!
وأن انتخابات صُورية يبصم فيه السوريون بنسبة 99،99 بالمئة على حب بشار الأسد إلى الأبد هي أفضل!
نعم، لقد أطاح الشعب بمرسي. إنها الديمقراطية.
لقد أتى به بضعة عشر مليوناً وبفارق بسيط عن منافسه إلى الرئاسة. لكن معظم مؤيديه تحوّلوا في أقل من عام إلى معارضين بين المعارضين. وامتلأت ميادين مصر وشوارعها بأكثر من خمسة وعشرين مليون متظاهر في سابقة تاريخية، وهم يهتفون “إرحل”.
هل فهمتم معنى الديمقراطية كما قصدها سمير جعجع عندما قال، فليحكم من يختاره الشعب، شرط احترام الديمقراطية التي تكفل للشعب نفسه أن يطيح من اختاره إذا فشل. ومرسي قد فشل !
بل أكثر من ذلك، كان لا بد أن يحكم الإخوان في مصر، لأن تجربتهم هي التي أسقطتهم !
تصوّروا لو مُنعوا في حينه من الوصول إلى الحكم، لكان المشهد معكوساً: عشرات الملايين في الميادين والشوارع تهتف للإخوان! هل فهمتم يا سادة يا كرام؟
في أي حال، مبروك للثورة الجديدة، وبرافو للمصريين أياً كانوا، لأنهم تجنّبوا شلال الدم .
على الأقل، محمد مرسي لم يذبح الأطفال ويدمّر الجيزة والدقّي وشبرا والإسماعيلية والإسكندرية وأسيوط !
على الأقل محمد مرسي لم يقتلع حنجرة باسم يوسف، كما اقتُلِعت حنجرة المغني الشهيد ابراهيم القاشوش في حما !
على الأقل محمد مرسي لم يستعن بميليشيات الجنجويد من السودان، أو جماعة بوكو حرام من نيجيريا، او الطالبان من افغانستان، كما استنجد بشار بحزب الله من لبنان، وعصائب أهل الحق من العراق، والباسيج من إيران !
ومع ذلك، الشعب الذي جاء به أطاحه، وإذا فاز غداً محمد البرادعبي أو حمدين صباحي أو عمرو موسى بالرئاسة المصرية، سنقول: فليحكم محمد أو حمدين أو عمر.
الشعب يبقى والأنظمة تزول.
أما عندنا في لبنان، فاللسان يعجز عن وصف الحالة والنظام والتركيبة!
مقاومة تحولت مقاولة!
حكومة عتيدة لا من إجرا ولا من إيدا!
لا الميقاتي يعرف مواقيت الحبل بها بدنس ولا المخاض ولا الولادة !
ولا سلام يعرف متى يستسلم أو يتسلّم !
ولا سليمان الحكيم، بالإذن من الجنرال، يعرف متى يحين الموعد !
ما نعرفه أن صبر تمام بك طويل،
وهو القائل بالأمس :
سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبره .
أما المجلس النيابي، فيكفي أن يلغم رئيسه جدول أعمال الجلسة التشريعية حتى يتعطل، حتى يلوم النبيه بعدها المعرضين !
أيها اللبنانيون: الفوضى وراءكم والفراغ أمامكم !
لكن علامة مضيئة سجلتها بكركي وسيدها بعد طول انتظار، ومختصرها المفيد: السلاح يجرّ السلاح .
إنه موقف بالغ الخطورة، ويذكّر بنداء بكركي الشهير في أيلول الـ2000 في وجه الوصاية السورية.
في مصر اجتمع شيخ الأزهر وبابا الأقباط ورئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس أركان القوات المسلحة ليقولوا “كفاية”. لا للهيمنة والأحادية والتسلط. أما عندها فإن السلاح يختصر هذه الأقانيم الثلاثة المقيتة. فمتى نقول “صح النوم”. والسلام.
Excellent !