كتب هيثم العجم فب صحيفة “النهار”:
حذر مصرف لبنان المواطنين والمؤسسات المالية والمصرفية من تداول العملات الإلكترونية، وأشهرها على الإطلاق عملة “بتكوين” Bitcoin، اذ استمرت مواقع إلكترونية عدة في الترويج لها محلياً، مما يُعرّض مصالح المتداولين فيها لأخطار قد تكون كارثية بالنسبة إليهم، نظراً الى غياب أي حماية قانونية لهم وانتفاء اي إمكان لاستعادة أموالهم في حال خسارتها. ما هي حقيقة هذه العملة؟ ولماذا حذّر منها المصرف المركزي؟
نشأت عملة “بتكوين” Bitcoin في اليابان أواخر عام 2008، وفق الخبير المالي الدكتور ايلي يشوعي الذي أشار لـ”النهار”، الى أنها “شبه عملة، وليست افتراضية، ولم تحصل على تغطية قيمتها من الذهب او العملات الاجنبية، وليس لها علاقة بالمصارف المركزية”. وشرح “بدأ وجود هذه العملة في اليابان من دون ان يكون لها اي قيمة نقدية (سعر صفر)، وهي مصنوعة الكترونيا على نحو سري، اذ يُمنع تقليدها، لكن بدأ استعمالها للمرة الاولى لشراء قطعة بيتزا، ومنذ ذلك الحين بدأ سعرها يُتداول صعوداً او هبوطاً كالتعاملات المالية في البورصة، (الاوراق المالية، الاسهم، سندات الاوروبوند وغيرها)”.
ولفت الى “ان هذه العملة الالكترونية المستحدثة بدأت تستهوي كثيرين لأنها لا تحتاج الى طباعة من المصارف المركزية انما تُطبع مباشرة بواسطة الكومبيوتر، (500 الف عملية تداول في الثانية بواسطة هذه العملة في اليابان)، لذا بدأ سعرها يرتفع حتى وصل الى ما بين 600 و800 دولار، وفي كانون الاول 2013 الى الف دولار”.
وكشف ان الولايات المتحدة تدرس اهمية هذه العملة، لكنها لم تحذر من التداول بها، والا فانها ستحذر عندها من “اخطار” الاوراق المالية، سندات الخزينة، الاوروبوند، الاسهم وغيرها”، منتقداً تحذير مصرف لبنان من التداول بها لانه ليس معتاداً على عمل سوق النقد والقطع، ولا يحتمل عمل السوق اصلاً، وهو بذلك يسير عكس التيار”.
عملة افتراضية
لكن ثمّة رأياً آخر يلفت الى “ان عملة Bitcoin هي افتراضية، ولا قيمة لها في لبنان وفي دول العالم”، وفق الخبير المصرفي الدكتور جو سروع لـ”النهار” الذي اوضح ان سنغافورة اعتبرتها “عملة خدمة” اكثر مما هي عملة واقعية، مشيراً الى ان “الشخص الافتراضي الذي اخترع هذه العملة يُدعى ساتوشي باكاموتو، مدعوماً من مجموعة لا تظهر اسماء اعضائها علناً، فيما تطوع عدد من بائعي الخدمات في اليابان في قبولها كعملة معتمدة في مقابل السلع المباعة”.
تحذير المركزي
وكان مصرف لبنان قد حذّر في اعلام، رقم 900 في 19 كانون الأول 2013، موجهاً الى الجمهور والمصارف والمؤسسات المالية ومؤسسات الصرافة والوساطة المالية، من شراء نقود مماثلة او حيازتها واستعمالها، مستنداً على القرار الأساسي رقم 7548 تاريخ 30 آذار عام 2000، المتعلق بالعمليات المالية والمصرفية بالوسائل الاكترونية، ولا سيما المادة 3 منه، والتي تحظر اصدار النقود الالكترونية Electronic Money من أي كان، ويمنع التعامل بها بأي شكل من الاشكال.
واشار المصرف المركزي في اعلامه، الى الاخطار التي قد تنجم عن التعامل بالنقود الافتراضية، وخصوصاً الـ”Bitcoin”، أبرزها: “ان المنصات Platforms أو الشبكات Networks التي يتم بواسطتها اصدار هذه النقود وتداولها، لا تخضع لأي تشريعات او تنظيمات، وفي حال تعرضت لخسائر فلا يوجد اي اطار حماية قانوني يؤمن استرجاع الأموال التي تمّ بها شراء هذه النقود”.
وافاد: “أن هذه النقود غير مصدرة أو مكفولة من أي مصرف مركزي وتالياً فهي معرضة لتقلب حاد وسريع في أسعارها والتي يمكن أن تتدنى الى الصفر”، مشيراً الى ان العمليات على النقود الافتراضية تسهّل استعمالها لنشاطات اجرامية وخصوصاً لتبييض الأموال وتمويل الارهاب”، معتبراً انه “لا يمكن الرجوع عن العمليات أو التحاويل غير الصحيحة وغير الموافق عليها Incorrect or Unauthorized المنفذة بواسطة هذه النقود”.
اللافت ان ما يبرر تعميم مصرف لبنان هو أن “بتكوين” هي عملة رقمية افتراضية، يمكن مقارنتها بالعملات الأخرى كالدولار أو الاورو، لكنها تختلف عنهما بأنها إلكترونية بالكامل، أي ليس لها وجود فيزيائي. ويجري تداولها عبر شبكة الإنترنت فقط، فلا توجد هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها، لكن يمكن استخدامها كأي عملة أخرى في الشراء عبر الإنترنت أو حتى تحويلها عملات تقليدية. علماً أن السلطات الأميركية صادرت في إحدى الحالات من عملة الـ”بتكوين” نحو 28 مليون دولار من جهاز كومبيوتر ينتمي الى صاحب موقع “سيلك رود” الإلكتروني، الذي يعد بمثابة سوق مزدهرة لتجارة المخدرات والأنشطة غير القانونية إلكترونياً.
في المحصلة، من الخطر التعامل بالأموال عبر شبكة الإنترنت، اذ انه بذلك يجعل تداولات العملة أكثر سهولةً ما لم تقترن بمعاملات رسمية ومصرفية، غير أن السعر المرتفع لعملة الـ”بتكوين” والاخطار الكبيرة المشار إليها، تجعل من الأفضل الابتعاد عنها، تلافياً للوقوع في خسائر قد توقع المتعامل بها في مطبات مالية هو في غنى عنها، فضلاً عن انها “عملة غير شرعية” وغير معترف بها رسمياً في لبنان.
السبب الوحيد الذي يجعل مصرف لبنان يمنع التداول بهذه العملة هي أنها يمكن أن تجعل قسم كبير من الأموال تخرج عن سيطرته و سيطرة شبكة المصارف. كان يمكنه أن يرفع عن نفسه مسؤولية الخسائر التي يمكن أن تنتج عن التداول بهذه العملة و يكتفي بذلك.الشيء المميز بهذه العملة أن التداول يمكن أن يتم بشكل سري و نقدها ليس تحت سيطرة أي سلطة مالية أو نقدية في العالم