خاص “المسيرة” – واشنطن – العدد 1690
مع استمرار الأحداث على المستوى الإقليمي والدولي وفق ستاتيكو محكم جعل منها لا تخرج عمّا هو مخطط له، وحدها الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الحالي دونالد ترمب المثير للجدل، وللعام الثاني على التوالي حفلت بسلسلة من التطورات المتصلة بالشأنين الداخلي والخارجي، وسط مواجهة مستمرة بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه تزداد حدّة يوماً بعد يوم.
خارجياً يمكن القول إن هذا العام هو عام فرض العقوبات على إيران، إضافة إلى عام الفشل في تحقيق التقدم في حل النزاع السوري وتثبيت الستاتيكو الحالي، وعام إطلاق النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة ومختلف أعدائها وأصدقائها على حدّ سواء.
أما داخلياً وعلى وقع العديد من القضايا الحساسة والمثيرة فقد شهد هذا العام محطة مفصلية تمثلت بإجراء انتخابات التجديد النصفي التي سمحت بعودة الديمقراطيين للهيمنة على مجلس النواب مع ما يعني ذلك من مؤشر لصراع مستدام وعلى كل الملفات الكبيرة والصغيرة، يمتد حتى نهاية النصف الثاني من ولاية الرئيس.
الانتخابات النصفية
حقق الديموقراطيون انتصارا كبيرا في الانتخابات التشريعية الأميركية بمنتصف الولاية الرئاسية بانتزاعهم السيطرة على مجلس النواب، غير أن «الموجة الزرقاء» المرتقبة ضد الرئيس الأميركي دونالد ترمب لم تحصل.
وهذا الانتصار الديموقراطي سيكبل عمل الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة في النصف الثاني من ولايته حتى العام 2021 ويضع الولايات المتحدة في كانون الثاني 2019 أمام كونغرس منقسم على غرار مجتمع يشهد انشقاقات عميقة حول شخصية ترمب وأدائه. وغالبا ما تكون انتخابات منتصف الولاية الرئاسية لغير صالح حزب الرئيس، لكن خسارة مجلس النواب على الرغم من المؤشرات الاقتصادية الممتازة تشكل انتكاسة شخصية لترمب بعدما جعل من هذا الاقتراع استفتاء حقيقيا على قيادته.
وكانت الخارطة الانتخابية القائمة هذه السنة لصالح الجمهوريين، إذ أن ثلث مقاعد مجلس الشيوخ المطروحة للتجديد تتعلق بولايات ذات غالبية محافظة.
فور إعلان فوز الحزب الديمقراطي بالغالبية في مجلس النواب، اتصل ترمب بزعيمة الأقلية الديموقراطية الحالية نانسي بلوسي مثمنا دعوتها للتعاون المشترك بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري في المرحلة المقبلة، وقد تعهدت بيلوسي بترميم الضوابط والمحاسبة التي نص عليها الدستور على إدارة ترمب، واعدة في المقابل بأن كونغرساً ديموقراطيا سيعمل على حلول تجمع الولايات المتحدة، لأننا سئمنا جميعا الانقسامات.
ويضم مجلس الشيوخ مئة مقعد، يتم تجديد ثلثها كل سنتين، ما يشمل 35 مقعدا هذه السنة. ولوحظ أنه بعد عامين على فوز ترمب المفاجئ بالرئاسة من دون أن تكون له أي خبرة سياسية أو دبلوماسية، تهافت الأميركيون بكثافة إلى مراكز الاقتراع. وبعد 12 عاما على تولي المسلم كيث إيليسون مقعدا في الكونغرس، أصبحت إلهان عمر ورشيدة طليب أول امرأتين مسلمتين تدخلان مجلس النواب الأميركي بنتيجة انتخابات منتصف الولاية 2018 ما يضفي روح التعددية على الهيئة التشريعية الأميركية.
أميركا والعنف السياسي
قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات النصفية في السادس من تشرين الثاني، هزت الولايات المتحدة حادثة إرسال عدد من الطرود المشبوهة التي شملت أنابيب تستخدم في تجهيز عبوات ناسفة موجهة إلى قادة في الحزب الديمقراطي مما زاد من حدة الاستقطاب ورفع وتيرة التخاطب السياسي عشية الانتخابات. وتحولت انتخابات التجديد النصفي بالفعل إلى ما يشبه الاستفتاء على الرئيس دونالد ترمب الذي أكّد ردا على ما حصل أن لا مكان للعنف السياسي في الولايات المتحدة.
لقد تميّزت تغطيات المحطة الإخبارية المرموقة في العامين الماضيين بالعداء تجاه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وتوجيهها الانتقادات القاسية للجمهوريين. ولكن في المقابل فإن الرئيس بشخصيته المثيرة للجدل لم يوفر أحداً في الداخل من انتقاداته وحملاته ولا سيما وسائل الإعلام، وهذه المعركة انتقلت على أرض الواقع لا سيما مع تلقي مكاتب شبكة التلفزة الأميركية سي ان ان في نيويورك طرداً مفخخاً ما يؤشر إلى أن التعبئة هي ليست فقط على المستوى السياسي بين الرئيس ووسائل الإعلام، بل انتقلت إلى الرأي العام المنقسم على ذاته بين واقع يؤيد الرؤية القومية – الوطنية التي يريد الرئيس ترمب تطبيقها لكي يحمي الولايات المتحدة من المهاجرين ومن كل تأثير أو استغلال خارجي لمواردها، وبين شريحة أخرى ترى في هذه السياسة أو الرؤية خطراً على النظام الأميركي نفسه، قد يؤدي إلى تدميره وانقسامه في نهاية المطاف وحجة هذا المحور قد تبدو منطقية بعض الشيء لأن الجميع، في الولايات المتحدة أو في الخارج، يدرك مدى الدور الكبير الذي تلعبه هذه الدولة على مسرح الأحداث منذ الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا. وبالتالي فإن ما يطرحه الرئيس ترمب قد يرتد سلباً على البلاد، لا سيما وأن الأرض الأميركية هي في الأساس أرض المهاجرين، لا بل هي حقيقة من اكتشاف المهاجرين وأولهم كريستوف كولومبوس.
وقد تحركت أجهزة انفاذ القانون للسيطرة على الأوضاع بعد توالي عملية إرسال الطرود المشبوهة على مدى يومين، وتمكنت بسرعة قصوى من القبض على المشتبه به في هذه القضية، وقد دلت الوقائع عدم احترافيته في التخطيط وتنفيذ ما قام به بدليل أن بصماته وجدت على الطرود المرسلة، وأدّت فحوصات الحمض النووي إلى إلقاء القبض عليه في مؤشر على أن عمله فردي غير مخطط له بإستثناء ما قد يعتقده أن ما قام به هو بفعل ما تعيشه البلاد من أجواء مشحونة. ولعل اللافت في عملية إرسال العبوات التي استهدفت سياسيين من الحزب الديمقراطي، هو شمولها منزل الملياردير الديموقراطي جورج سوروس المجري الأصل والذي لم يكن في منزله يوم الحادث. ولطالما كان سوروس وهو أول من تلقى الرزم المشبوهة، شخصا مكروها بالنسبة للجماعات اليمينية وهو يعيش في بدفورد في ولاية نيويورك على مقربة من كلينتون. ويعتبر رجل الأعمال البالغ من العمر 88 عاماً واحداً من أغنى الشخصيات في العالم، إذ تقدر ثروته بأكثر من ثمانية مليارات دولار وهو أحد رجال الأعمال الخيرية البارزين في العالم وهو مول حملة هيلاري كلينتون، خلال الانتخابات الرئاسية العام 2016، وهو متهم من قبل القوميين برعاية الاحتجاجات والسعي لدفع أجندة ليبرالية متعددة الثقافات. وفي وقت سابق من هذا الشهر، اتهم ترمب سوروس بالدفع لمتظاهرين للاحتجاج على مرشحه للمحكمة العليا القاضي بريت كافانو، الذي واجه اتهامات بالاغتصاب في واقعة حصلت قبل نحو 30 عاما ويواجه سوروس اتهامات بتمويل قافلة المهاجرين الذين خرجوا من هندوراس باتجاه الولايات المتحدة عبر المكسيك.
إستقالة وزير العدل والخلافات الداخلية
لم تكن استقالة وزير العدل الأميركي جيف سيشنز من منصبه، مفاجئة بشكل كبير لمن يتابع تطور الخلافات بينه وبين الرئيس دونالد ترمب، فالرئيس كان دائم الهجوم على وزيره طيلة الـ 21 شهرًا الماضية التي قضاها سيشنز في منصبه. وكان ترمب شديد الانتقاد لقرار وزير العدل التنحي من التحقيق بشأن التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، وقال أيضًا إنه غير راض عن تعامل سيشنز مع قضايا الهجرة.
ودعا ترمب وزير العدل للسيطرة على وزارته، وقال في مقابلة مع فوكس نيوز إنه عين وزيرًا للعدل لم يتمكن من السيطرة أبدًا على وزارته، الجميع يرون ما يحدث في وزارة العدل، أصبحت الآن أضع كلمة العدل بين قوسين.
لم يترك سيشنز (البالغ من العمر 71 عامًا) ترمب يلقي بمثل هذه الاتهامات جزافًا ليرد عليه في بيان، مشيدًا بنزاهة الوزارة: «توليت زمام الأمر في وزارة العدل في اليوم الذي أديت فيه اليمين لتولي المنصب، لن تتأثر أفعال الوزارة بالاعتبارات السياسية ما دمت موجودا في منصبي».
هجوم ترمب على وزير العدل بدأ في أيار الماضي، بعد أن طلب الأخير النأي بنفسه عن التحقيقات بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن ترمب طلب من سيشنز إعادة النظر في قراره، وأن الرئيس أبلغ مساعديه أنه يريد تعيين شخص موالٍ له للإشراف على التحقيقات، وأضافت الصحيفة في ذلك الوقت، أن سيشنز رفض الاستجابة للطلب.وكتب ترمب حينذاك ردًا على الصحيفة، في إشارة إلى ندمه على اختيار سيشنز «أتمنى لو أني اخترت غيره».
وفي 21 تموز 2017، أعلن ترمب أنه نادم على اختيار سيشنز في منصب وزير العدل، بسبب موقفه من التحقيقات الأميركية، قائلًا في تصريحات لنيويورك تايمز: ما كان ينبغي أبدًا لسيشنز أن يتنحى عن التحقيقات، ولو كان ينوي التنحي لكان عليه أن يبلغني قبل أن يتولى المنصب وكنت اخترت شخصًا آخر .ورد عليه سيشنز في مؤتمر صحافي: نحن نحب هذه الوظيفة ونحب هذه الوزارة، وأخطط للاستمرار في هذا طالما ظلت الأمور مناسبة. وبعدها صعّد ترمب من حدة هجومه ضد سيشنز.
وبعد خطوة الإقالة دافعت وزارة العدل الأميركية عن شرعية تعيين الرئيس دونالد ترمب لماثيو ويتاكر في منصب القائم بأعمال وزير العدل، رافضة انتقادات بعض المحامين بأن هذه الخطوة تنتهك الدستور. ومنذ الإعلان عن هذا التعيين، اتهم البعض ويتاكر، الذي شغل منصب كبير موظفي وزير العدل السابق جيف سيشنز، بأنه غير مؤهل لقيادة وزارة العدل لأن تعيينه لم يحظَ بموافقة مجلس الشيوخ.
وانتقل الخلاف بين الرئيس ووزير العدل، أيضاً إلى داخل البيت الأبيض الذي سجل سابقة لم تحصل في التاريخ الأميركي ونقل هذا الخلاف إلى مستوى جديد وخطير وتمثل بطلب مكتب السيدة الأولى بإقالة نائبة مستشار الأمن القومي ميرا ريكاردل. وتشير المعلومات إلى أنه بعد حملة رئاسية اتسمت بنزاع علني بين دونالد ترمب ومؤسسة السياسة الخارجية للحزب الجمهوري، احتاج الرئيس الجديد إلى خبراء في الأمن القومي لم يوقعوا على رسائل تشجب ترشيحه للرئاسة لمساعدته في حكم البلاد. وكانت ريكاردل ضمن هؤلاء الخبراء وخدمت بإخلاص لمدة عامين قبل أن تتعرض للإهانة علناً من قبل مساعدي ميلانيا ترمب، ثم للطرد بشكل غير رسمي من البيت الأبيض. ومن المذهل وغير المسبوق أن يصدر موظفو الجناح الشرقي بياناً علنياً يدعو إلى إقالة مسؤول كبير في مجلس الأمن القومي، دون موافقة كبار المسؤولين في البيت الأبيض، من أجل تسوية خلافات شخصية. وتوضح مصادر أميركية مطلعة أن الأسوأ من ذلك في هذه القضية هو تنظيم موظفين مجهولين في البيت الأبيض حملة تشهير صوّرت ريكاردل على أنها امرأة ماكرة وغاضبة افتعلت خلافاً مع زوجة الرئيس. ولكن الحقيقة هي أن ريكاردل هي آخر المسؤولين الذين تمت إقالتهم داخل البيت الأبيض الذي يتميز بالانقسام والعداء الداخلي. فليس من قبيل المصادفة أن مكتب السيدة الأولى أصدر بيانه عندما كان مستشار الأمن القومي جون بولتون في سنغافورة حيث ان طلب الإقالة يصنف في خانة الهجوم الشامل على جون بولتون من قبل مراكز قوى داخل البيت الأبيض مهددة بقدرته على السيطرة على العملية السياسية، وعلى التأثير في تفكير الرئيس. وأبدى المراقبون في واشنطن قلقهم إزاء خطوات البيت الأبيض في إقالة العديد من كبار خبراء السياسة الخارجية دون سبب وجيه، لأنهم يعتبرون أنه مع استمراره في القيام بذلك، فلا ينبغي لأحد أن يتساءل لماذا قد يواجه ترمب مشكلة في الحصول على أفضل المسؤولين.
ترمب مرشح للعام 2020
يبقى أن نشير أخيراً إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أعلن عن عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 2020، وذلك قبل انتهاء فترة ولايته الأولى بنحو عامين. وأبدى الرئيس الأميركي ثقته بالفوز بأنه لا يرى أي ديمقراطي يمكن أن يهزمه. ولاحظ المراقبون أن التحضير للانتخابات الرئاسية لعام 2020 بدأت عند الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء.
وذكر هؤلاء أن فترة رئاسة ترمب كانت في مجملها إيجابية بالنسبة للمستثمرين، إذ تميّزت بتحفيزات ضريبية وإجراءات تسهيلية لفائدة الأسواق. ومن المرجح أن يواصل ترمب سياساته المندفعة في الداخل والخارج على السواء في العامين المقبلين، وهذا ما ينبغي أن يعتاده المستثمرون من الآن، لأن التجهيزات للانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020 قد بدأت.
ولكن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية لعام 2020 قد يجعل الجمهوريين، يدفعون ترمب إلى اتخاذ مواقف اندفاعية أكثر في مجالات معينة مثل التجارة والسياسة الخارجية، التي يملك فيها سلطات واسعة، بعد فقدان الحزب السيطرة على مجلس النواب. وسيكون لهذه السياسات الاندفاعية المتوقعة من جانب ترمب، تأثير سلبي عل الأسواق العالمية وعلى الاقتصاد عموما. وسيسعى ترمب، إلى توقيع اتفاق مع بكين يساعده في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن تصاعد التوتر مع الصين بخصوص الرسوم الجمركية قد يشعل حربا تجارية فعلية تؤدي إلى ضعف في الأسواق الدولية.
ترمب يخوض معركة إنتخابات رئاسة 2020 – الجزء الثاني
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]