من كتاب مذكرات الأباتي بولس نعمان “حول الإنسان. الوطن. الحرية” – “المسيرة” – العدد 1712
التباين مع البطريركية
أمضيت ما تبقّى من العام الدراسي 1957 ـ 1958 في المدرسة الثانوية في الكسليك، وخلاله وقعت أحداث العام 1958، وكنت متعاطفاً، كما باقي أفراد الرهبانية، مع الرئيس كميل شمعون. تأثرنا كثيرًا من صموده في قصر القنطاري مع زوجته وأولاده، وصولاً الى إضطراره، على ما قيل في تلك الأثناء، لإطلاق النار بنفسه ليردّ المهاجمين. كما كنا، في الواقع، متحفّظين على موقف البطريرك بولس المعوشي، المعارض للرئيس شمعون، لأننا لم نفهم موقفه في ذلك الحين. وأظن أنه في قرارة نفسه أعتبر أن كميل شمعون محق في مواجهة تغلغل التأثير الناصري الى الشارع الإسلامي في لبنان، ولكنه كان يأخذ في الإعتبار المحيط العربي، ويعمل على تجنّب حصول إنقسام مسيحي ـ إسلامي حادّ بين اللبنانيين. وفي الوقت نفسه، لم يكن البطريرك المعوشي راغبًا في أن يستأثر كميل شمعون بكامل الزعامة المارونية. أعتقد اليوم أنه لم يكن عندنا في ذلك الحين الوعي الكامل للتجربة اللبنانية، لأننا كنا مقتنعين بأننا جميعًا لبنانيون، ولا يُعقل أن يتقدم إنتماء على الإنتماء الى لبنان الوطن. كان البطريرك المعوشي يسبقنا فكريًا في هذا المجال، فنحن لم نكن نعي بالقدر الكافي تأثير «حلف بغداد» الذي واجهه عبد الناصر على الشارع الإسلامي في لبنان.
لقد شكل التباين بين البطريركية المارونية ورهبانيتنا في فترة أحداث 1958، المفصل الأول الذي شعرت فيه بأن لنا مقاربة مختلفة للمسائل الوطنية عن مقاربة بكركي. وقد تبيّن لي، مع الوقت، أن سبب الإختلاف في مقاربة الأمور بين الموقعين، مرده بالدرجة الأولى الى الدور المختلف للرهبان عن دور الإكليروس الأبرشي، المرتبط إداريًا بالبطريركية في العلاقة مع الناس. فالرهبان كانوا أشدّ إلتصاقاً بهم، ولطالما عايشوا مشاكلهم قبل الحرب وخلالها وبعدها، وقد تولّوا رعاية حاجاتهم الزمنية، وليس فقط حاجاتهم الروحية على غرار كهنة الرعايا. كما كان الناس أكثر تعلّقاً بالرهبان، يلجأون الى جيرتهم، ويطلبون حمايتهم في أوقات الملّمات. لذلك، عندما اندلعت أحداث 1958، وأيّدت رئيس الجمهورية كميل شمعون معظم شرائح المجتمع المسيحي، كان من الطبيعي بالنسبة إلينا أن نؤيد نحن أيضًا الرئيس شمعون، حتى لو أدى بنا ذلك الى تبنّي موقف مغاير لموقف البطريركية المارونية.
مشاكل القوميين والكتائب
خلال هذه السنة الدراسية 1958 ـ 1959، أرسلتني الرهبانية الى دير سيدة مشموشة في منطقة جزين، حيث تولّيت تدريس الأدب في الصف الثاني الثانوي. أحببت تجربة التعليم الأولى في مدرسة دير سيدة مشموشة، ولكنني لم أتمكن من إكمال العام الدراسي هناك، لأن الرئيس العام الأباتي اغناطيوس أبو سليمان إتصل بي بعد أشهر قليلة، قُبيل عيد الفصح، وكلّفني بأول مهمة متصلة نوعًا ما بالشأن العام، إذ طلب مني الإلتحاق بالمعهد اللبناني في «بيت شباب»، حيث أعلن التلاميذ إضرابًا مفتوحًا، مطالبين بإقالة رئيس الدير والمعهد الأب يوسف عجيل، معلّمي في الإبتداء، الذي كان قد تصدّى لإضراب نشأ عن خلاف حادّ بين الكتائب اللبنانية والحزب السوري القومي، بتحريض من المحيط ومن بعض الأساتذة. وكان الرئيس العام يعتقد بأني قادر على ترتيب وضع المدرسة وإعادة الأمور الى نصابها (…).
كانت تلك الحادثة أول خبرة لي مع الحزازات الحزبية وانعكاساتها السلبية على الناس، ولعلّي نجحت في تسويتها، لأنها كانت قد وقعت بين أولاد ضمن إطار مدرسي مغلق، لي سلطة شبه مطلقة عليه. ولم تكن الأطراف الخارجية المؤثرة على التلاميذ سوى أهلهم الراغبين أساسًا في أن ينجح أولادهم في الدراسة وفي حياتهم، ولا مأرب لهم سوى ذلك.
الى روما للإختصاص
لم تكد أسابيع قليلة تمرّ، حتى استدعاني الرئيس العام الأباتي اغناطيوس أبو سليمان مجددًا. فمثلت أمامه، فأخبرني أن الأب عمانوئيل خوري، الذي سوف يصبح رئيسًا عامًا لرهبانيتنا فيما بعد وتحديدا عام 1992، طلب إعفاءه من مهمّة الإعتناء بالإخوة الدارسين في روما، لأنه يودّ التفرّغ لإنجاز دراساته العليا، بعدما حالت واجباته تجاههم دون ذلك. وكانت دوائر الكرسي الرسولي أرسلت تعميمًا قبل فترة بوجوب إجراء إصلاح في الرهبانيات الشرقية على الطريقة الغربية، عبر إيفاد تلامذتها الى روما. فأرسلت رهبانيتنا دفعة كاملة من نشئنا الرهباني، من بينهم الآباء يوحنا خوند الحبيس حاليًا، والياس خليفة الرئيس العام الحالي، ليدرسوا ويتدرّبوا على النهج البندكتاني. وطلب مني الأباتي أبو سليمان أن أتوجّه الى هناك وأتولّى مسؤولية الإعتناء بالإخوة الدارسين، فاستجبت على الفور، وبسرور كبير، لأن حلم الدراسة في عاصمة الكثلكة كثيرًا ما روادني وأنا على مقاعد الدراسة (…).
غادرت لبنان في مطلع تشرين الثاني من سنة 1961 متوجّهًا الى روما، حيث أمضيت نحو ست سنوات. في السنة الأولى، نلت الإجازة في اللاهوت التي لم يكن لجامعتنا الحق في إعطائها. في العام التالي، تسجّلت في الجامعة الغريغورية التابعة للرهبنة اليسوعية، لأتخصص بالتاريخ. كانت الدروس تُعطى باللاتينية. ولما كنت لا أجيدها بالقدر المطلوب، إتكلت على صديق لي إسباني، كان يواظب على حضور الأمثولات ويدوِّن خلاصتها، فيما كنت أمضي أيامي ولياليّ في مكتبة الآباء البنديكتان في سان جيروم، حيث آلاف الكتب والمراجع باللغتين الفرنسية والإنكليزية. وهذه المكتبة كانت قد أُعدّت لمراجعة نصوص ترجمة الكتاب المقدس المسمّاة Vulgate أي العامية. مرّت الأيام سريعة، ونلت إجازة في التاريخ وبدأت بإعداد الدكتوراه، وكان عليّ أن أختار موضوعًا للأطروحة. وفي حديث مع الخوري بطرس الجميل، المطران فيما بعد، نصحني أن أختار موضوعًا يتعلق بإنشاء دير مار مارون في سوريا، لأن البحث عن أسباب إنشائه قد يوصلنا الى الظروف الحقيقية التي نشأ فيها الموارنة كجماعة. وأعطاني لائحة مراجع. وكان عليّ أيضًا إختيار مشرف على الأطروحة، فعلمت أن هناك أستاذاً مهمًا جدًا في مجال التاريخ الكنسي الشرقي والروحانية الشرقية، هو الأب إيرنيه هاوسر (IrénéeHausherr) الذي اعتزل التعليم ومرافقة الطلاب في أبحاثهم (…).
إنصرفت بكل جدية الى العمل الأكاديمي، وأمضيت أيامي كلها من الصباح الى المساء في المكتبة، تحرّكني رغبة قوية في اكتشاف جذور المارونية التاريخية والروحية. فتاريخ النشوء كان مهملاً وعُرضة لتأويلات شتى واتهامات متعددة. وبغض النظر عن هذه الإتهامات بحق الموارنة، كانت المكتبات ومراكز الأبحاث تفتقر الى دراسات جدية عن تاريخ الموارنة، وبخاصة تاريخ تأسيس الكنيسة المارونية، والظروف التي وُلدت فيها ونمت في ظلها. فأخذت على عاتقي أن أعمل حتى أملأ هذا الفراغ، وقد شكل ذلك دافعًا قويًا لي كي أثابر وأضع كل جهدي ووقتي في هذا الإتجاه (…).
نهضة جامعة الروح القدس
عدت الى لبنان خريف العام 1967، إثر حصولي على شهادة الدكتوراه. وجرى تكليفي بإدارة مدرستنا الثانوية في الكسليك التي كانت تستقبل تلامذتنا بعد إنجازهم المرحلة المتوسطة في دير ميفوق وسنتي الإبتداء. فقمت بالتعاون مع مجموعة من إخوتنا الرهبان الشباب المثقفين، ومن بينهم الآباء: يوسف مونس الذي كان خيرمساعد لي، وفيليب الشدياق ويوسف قزي، ومع مجموعة من المدرّسين البارزين، على إعادة تنظيم المدرسة ورفع مستواها العلمي والثقافي، وإفساح المجال أمام التلامذة العلمانيين للإنضمام إليها، وجعلها صرحًا علميًا يستقطب أبناء العائلات الكسروانية وغير الكسروانية.
ومع إنتخاب الأباتي بطرس قزي رئيسًا عامًا عام 1968، عرفت الرهبانية إنطلاقة جديدة، وبخاصة في جامعة الروح القدس، حيث كنا مجموعة من الرهبان الشباب العائدين بشهادات عالية من أوروبا. وفي غضون سنوات قليلة، وبتوجيه وتشجيع ودعم من الأباتي قزي، أسس الأب يوحنا تابت معهد الليتورجيا الذي قام بتجديد الفرض الرهباني، بعدما لاحظ الأب العام خلال زياراته القانونية على الأديار أن الرهبان لا يصلّون كما يجب. وأنشأ الأب لويس الحاج معهد العلوم الموسيقية، والأب عبدو بدوي معهد الفن المقدس، والأب يوسف مونس كلية الفنون الجميلة، فيما عُهِد إليّ بتأسيس معهد التاريخ والآثار. وترافقت جهودنا مع جهود جيلين رهبانيين، مخضرم وناشئ، أدت الى نهضة روحية وثقافية مهمة، ومن رموز هذين الجيلين الآباء: روفائيل مطر، إسطفان صقر، يوحنا خوند، يوسف القزي، عمانوئيل خوري، إضافة الى عدد من الكهنة خارج الرهبانية وأدباء وشعراء علمانيين.
وهكذا، إبتداء من العام 1970، بدأت بالإهتمام بتأسيس معهد التاريخ في كلية الآداب في جامعة الروح القدس، الذي تولّيت إدارته مدة عشرة اعوام، بتوجيه من الأباتي بطرس قزي، معلّمي ومثالي في الحياة، وفي محبة الكنيسة ولبنان والرهبانية والجامعة، وبتكليف من رئيس الجامعة الأب الدكتور إسطفان صقر. وبدأنا التدريس في هذا القسم إبتداء من العام 1972 (…).
كانت أحلامنا كبيرة في تلك الفترة، وكان إيماننا بوحدة الشعب اللبناني كبيرًا جدًا، وكنا نتكلم عن صهر الشعب اللبناني، لأننا مقتنعين أن الوحدة الإندماجية في إطار القومية اللبنانية هي المدخل لبناء الدولة الحديثة. وبعزم الشباب المدعوم بتنشئة أكاديمية أوروبية، إنطلقتُ الى جانب العديد من الإخوة والأصدقاء بنشر ما لدينا من معلومات وأبحاث في الشؤون المتعلقة بتاريخ لبنان والموارنة، حتى صرتُ أُعتبر في الأوساط الأكاديمية والثقافية خبيرًا في هذين المجالين، خصوصاً في تاريخ الموارنة. ودُعيت الى أكثر من جامعة ومنتدى لإطلاع الباحثين والمهتمين على ما توصلت إليه في روما. حتى ذلك الوقت، كان إهتمامي منصبًّا بالتحديد على الشؤون الفكرية والعلمية، ولكني كنت أتابع ما يجري في السياسة، وأتحمّس لهذا الإتجاه أو ذاك، خصوصًا في ما يتعلق بتعاظم دور الكفاح المسلّح الفلسطيني، وصداماته مع الجيش والقوى السياسية اللبنانية. غير أنني لم أتوقع دورًا مباشرًا لي فيها على الشكل الذي حصل، إبتداء من مطلع السبعينات.
صعود الكفاح الفلسطيني المسلّح وبداية التصدّي
يوم سافرت الى روما عام 1961، لم يكن العامل الفلسطيني مؤثرًا بدرجة مهمة على الوضع السياسي في لبنان، على رغم الدور الذي لعبه إبان أحداث العام 1958. ولم أسمع أثناء إقامتي في الخارج عن الإحداث والصدامات المحدودة التي كانت تقع بين الجيش اللبناني والتنظيمات الفلسطينية من وقت لآخر. لدى عودتي عام 1967، كان المسيحيون في لبنان بدأوا يقلقون من تنامي قوة الفلسطينيين ونفوذهم وتأثيرهم، خصوصًا على القيادات السياسية والدينية الإسلامية التي باتت مستعدة لتغطية تجاوزات الفلسطينيين تحت شعار حماية الثورة من الإستهداف.
بدأ المسيحيون، في ذلك الحين، يعون أن حلمهم بإنشاء دولة تحفظ لكل لبناني دورًا مميّزًا ومختلفاً عن دور إخوانهم في سائر الدول العربية، بات على المحك. كما بدأوا يلاحظون، وبكثير من القلق، أن إنتماء معظم المسلمين اللبنانيين الى القضايا العربية، وبخاصة القضية الفلسطينية، أقوى من إنتمائهم الى الكيان اللبناني الذي ظل بعضهم يقول عنه، حتى منتصف السبعينات، إنه «صنيعة الإستعمار» أو «خطأ تاريخي»، الى ما سوى ذلك من تعابير كان يسوقها دعاة القومية العربية أو السورية. لم تكن بيروت، عاصمة الفكر الحديث وحرية التعبير والعمل السياسي والمال والإستشفاء والترفيه في المنطقة العربية، لتشفي غليل شريحة كبيرة من المسلمين اللبنانيين، الذين كانوا يعتبرون أن إسترجاع فلسطين هو قضية القضايا مهما كان الثمن غاليًا.
على الصعيد العقائدي أو الفكري، كانت بيروت مسرحًا لسجالات واحتكاكات بين قوميات ثلاث: لبنانية وعربية وسورية، أُضيف إليها الماركسية بمختلف تلاوينها وجدلياتها. كل من هذه المذاهب السياسية، كان يجهد في سبيل تطوير خطابه وجعله أكثر قدرة على الإستقطاب والتجييش بين الطلاب والمفكرين والرأي العام.
كنا بالطبع من القائلين بالفكرة اللبنانية، ومن المدافعين عنها والملتزمين بخطها، وسعينا من خلال نشاطنا في التعليم والعمل الإجتماعي أن نوجّه الشبيبة في هذا الإتجاه، بتأثير من شارل القرم وميشال شيحا ويوسف السودا وشارل مالك وسعيد عقل وكمال الحاج وغيرهم من المفكرين، وأن نوقد فيهم جذوة الروح الوطنية المتجرّدة من أي إنتماء طائفي أو سياسي ضيّق. وعلى رغم أن معظم القيادات الدينية والسياسية والإسلامية، كانت تركز توجيهها في اتجاه مختلف، بيد أننا لم نفقد إيماننا في تعزيز الشعور الوطني لدى جميع اللبنانيين.
قبل سنة من عودتي، وبالتحديد في الثاني والعشرين من حزيران 1966، وقع الصدام المسلّح الأول بين الجيش اللبناني والفلسطينيين، وبدأنا مذّاك نسمع عن قيام تنظيمات فلسطينية مسلّحة بتدريبات في مناطق غير آهلة بالسكان، وعن نيّاتها في خوض عمليات ضد إسرائيل إنطلاقاً من الأراضي اللبنانية. وتبينأنه إبتداء من ذلك التاريخ، أن الخوف من نمو ظاهرة التسلّح عند الفلسطينيين، الذي كانت تحذر منه بعض الأوساط المسيحية داخل أربعة جدران، في محلّه، لا بل تحوّل الى واقع خطير يستوجب التنبّه والإستعداد والمتابعة الحثيثة من جانب المرجعيات المسيحية. وبعد فشل القوات النظامية العربية في حرب حزيران 1967، إنفلت الوضع الفلسطيني من عقاله، وبات من الصعب ضبطه لأن الفلسطينيين، كما الجماهير العربية في لبنان والدول العربية، شعروا بعجز الأنظمة القائمة عن مواجهة إسرائيل واسترداد الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وإعادة اللاجئين إليها. وبدلاً من تحقيق هذا الحلم الذي كانت تَعِدُ به مصر وسوريا والعراق ومنظمة التحرير الفلسطينية وغيرها شعوبها المثقلة بالديون والأنظمة التوتاليتارية تحت شعار مواجهة إسرائيل، خسر الفلسطينيون الضفة الغربية وقطاع غزة الموضوعين تحت سلطة الأردن ومصر.
شكلت هزيمة العام 1967 صدمة كبيرة على المجتمعات العربية، ومن بينها المجتمع اللبناني الذي ارتفعت شكوى، في شقه الإسلامي المتعاطف مع الثورة الفلسطينية، من جرّاء إحجام الدولة اللبنانية عن دخول الحرب الى جانب القوات السورية والمصرية، وعن الإستجابة لمطلب الرئيس المصري عبد الناصر بإعلان الحرب على إسرائيل قبل ساعات قليلة من إعلان النكسة، وتوقف الأعمال الحربية. فيما كنا نحن، المتمسكين بالتصنيف العربي للبنان على أنه «دولة مساندة لا دولة مواجهة»، متعاطفين مع القضايا العربية ومتأثرين جدًا للهزيمة التي حلّت بالجيوش العربية، لكننا لم نكن أبدًا راغبين في دخول لبنان الحرب، وتعريض أرضه واستقراره واقتصاده لخطر إجتياح إسرائيلي مماثل لاجتياح الضفة والقطاع والأراضي السورية والمصرية.
لم نكن أقلّ من غيرنا إيماناً بعدالة القضية الفلسطينية، لكننا لم نكن نريد أن يدفع لبنان ثمن الحروب مع إسرائيل، خصوصًا أنه لم تكن له قدرات عسكرية وسياسية واقتصادية تمكّنه من خوض المعارك الى جانب الجيوش العربية. كنت في الواقع من أبناء ذلك الجيل الماروني الذي يفخر بلبنانيته، ويتباهى بها ويقدمها على كل شيء، بما في ذلك على مارونيته، ربما لأننا كنا نعتبر أنها تتماهى بها، أو أنهما صنوان، لا معنى لواحدة منهما دون الأخرى. كنا شديدي الإعتزاز بالتجربة الديمقراطية اللبنانية، الوحيدة في العالم العربي، وبالمستوى الثقافي والفكري الذي كان لا يقلّ رقيًّا واحترافًا ومهارة عن بلدان أوروبا والعالم. ولعلّ شعورنا الكامن بأن لبناننا هذا معرّض للخطر، نتيجة إختلافه جذريًا عن محيطه، هو ما جعلنا نتوجّس شرًا من مغامرات المقاومة الفلسطينية التي كانت تتمدد باستمرار داخل الأراضي اللبنانية وتصطدم من وقت لآخر بالجيش وقوى الأمن الداخلي.
(انتهى)
إقرأ أيضاً: الأباتي بولس نعمان: من الدير الى التصدي للسلاح الفلسطيني – 1
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]