كتبت لوسيا الخوري في “المسيرة” – العدد 1712
الشهادة بالدم تراث المسيحيين والرهبانيات في لبنان والشرق، وهي علامات رجاء في درب الكنيسة.إبتدأت الشهادة على الصليب، ثم تابعت مع إسطفانوس أول الشهداء والرسل من بعده. وما زال صليب الشهادة مزروعًا على درب المسيحيين في مختلف أنحاء العالم. عاشت الرهبانيات أيامًا عصيبة دفعت ثمنها دمًا ودموعًا، ورهباناً شهداء عُذبوا وقُتلوا بسبب إيمانهم المسيحي.
وفيما يلي ملخص عن الشهداء الأبرار الذين سقطوا على مرّ الأعوام منذ تأسيس هذه الرهبانيات الى يومنا هذا.
شهداء الرهبانية الباسيلية الشويرية
●القس بطرس نمير الزحلاوي
عرض عليه الأمير حيدر حرفوش إنكار مسيحه علناً، وانهال عليه بالضرب والشتيمة. لكن الراهب لم يتردد أو يضعف، رسم إشارة الصليب وجثا على ركبتيه يصلي. فأمر الأمير بقطع رأسه على جذع شجرة.
●الأب أندراوس فارس الدمشقي
عام 1860 حصلت إعتداءات على المسيحيين في دمشق. فأسرع الأب أندراوس الى زيارة رعاياه بهدف تثبيتهم في الإيمان المسيحي. تم إعتقاله وطٌلب منه إعتناق الإسلام ليتم العفو عنه، فأجاب: «أنا مسيحي وسأموت مسيحيًا». فقُتل رميًا بالرصاص.
●الأخ نيقوديموس البغدادي أو الموصلّي
خدم في أديرة الرهبانية، وكان من عداد جمهور دير مار الياس الطوق في زحلة، وتوفي فيه عن عمر ناهز الـ60 عامًا. كمنت له عصابة وهددته بالقتل إن لم يعتنق الإسلام. فقال: «أفضل أن أموت مسيحيًا من أن أعيش جاحدًا»، وجثا على ركبتيه رافعًا الى السماء يديه، فانهالوا عليه بالضرب حتى أسلم الروح.
●الأب يوسف سماحة الخنشاري
قضى معظم خدمته في يبرود وكان في الفاكهة ـ بعلبك (1916 ـ 1917). كان شديد الغيرة على أبناء الرعية، واظب على التعليم وتربية الناشئة، والتبشير والوعظ، الأمر الذي لم يرق لبعض المتعصبين فقُتلفي العام 1920، وكان له من العمر 35 عامًا.
شهداء الرهبانية الباسيلية المخلصية نكبات عدة ألمّت بالرهبانية على مدى تاريخها:
-النكبة الأولى عام 1777
في هذا العام هجم أحمد باشا الجزار على إقليم الخروب ودحر عساكر الأمير يوسف الشهابي. وفي العام 1778 حاصر عساكر الجزار دير المخلص ودير الراهبات المخلصيات ودير السيدة. فهرب الرهبان عبر الطرقات الوعرة الى رؤوس الجبال والخيل تطاردهم، إلا أن شيخًا مسناً هو الأب باخوميوس الدمشقي لم يتمكن من الهرب، فعثر عليه العساكر وذبحوه ونهبوا كل ما وقع تحت أيديهم. كما هاجم عساكر الجزار دير السيدة، فأحرقوه ونهبوه وذبحوا من كان فيه من الرهبان والمبتدئين.
-النكبة الثانية عام 1792
كان الرهبان: تيموتاوس كيّال ويوسف نصر وأكاكيوس أبو عبدالله والأخ إيسيدورس هرمس، يتفقدون دير الراهبات فوجدوه خاليًا من الجند، فقضوا ليلتهم. وفي اليوم التالي، وكان نهار أحد، أقاموا الذبيحة الإلهية. وفيما هم يخرجون من الكنيسة أحاطت بهم شرذمة من العساكر وذبحتهم ونهبت كل ما يحملونه.
-النكبة الثالثة عام 1799
إجتاحت عساكر الجزاء منطقة صيدا والشوف. وزاد انتشار وباء الطاعون الأمور سوءاًومات 41 راهبًا مخلصيًا وهم يلازمون المرضى ويخدمونهم.
●الأب أنوفريوس حتحوت
قتل في الباروك عام 1797.
●الأب يعقوب الحداد
عيّنته الرهبانية لخدمة النفوس في عكا. وفي طريقه الى مركزه الجديد تعرض لاعتداء على يد افراد من الطائفة الشيعية في بلاد بشارة (جبل عامل في الجنوب) وقتلوه عام 1839.
-ثورة 1841
سقط للرهبانية 3 شهداء هم: الأخ برثينه صقر والأخ الياس بلاطي والأب جرجس كركجي.
●الأخ بابيلوس
قتله العسكر التركي عام 1849 في دير القديسين سرجيوس وباخوس في معلولا.
-نكبة سنة 1860
● الأب أثناسيوس نعوم
رئيس دير الملاك ميخائيل في عمّيق الشوف. قتل في غرفته.
● الشماس إيجيديوس حايك.
● الأخ بمفيليوس زيدان في عمّيق.
● الأب غريغوريوس صقر
رئيس دير النبي الياس في رشميا.
● شهداء دير المخلص
الآباء: نقولا فسفس، نعمة الله رزق، ثاوضوسيوس لطفي، أنداروس حجار، الشماس بولس هرمس، الأخ ميخائيل أغابيوس، أمبروسيوس الصغبيني، سلوانوس وأثناسيوس، إيليا فاضل، الأب وهبي بركات.
● شهداء في دير القمر
الرهبان: الأبوان إغناطيوس الحاج وقزما سابا والشماس روفائيل بربارة.
● شهداء في زحلة
فقدت الرهبانية في تلك المذبحة الأبوين بفنوتيوس وجرجس أنطونيوس مرعي.
● شهداء في دمشق
كان نصيب الرهبانية المخلصية الشهداء: الأب روفائيل زلحف، الأب بولس زغيب، الأب ديمتري عيسى، الأب عازر مكتّف، الأب فلاسيوس بسرّيني، الأب ديمتريوس سعد، الأخ سمعان جبارة.
●الأب جرمانوس لاون عام 1962
عُيِّن عام 1918 لخدمة النفوس في معرونة قرب معرّة الشام، وكان قوي البنية الجسدية. هاجمه ثوار الغوطة ليلاً وباغتوه وهو نائم وجرّوه خارج البلدة وهم يضربونه ويلحّون عليه بالتنكر لدينه، فقال: «لا أموت إلا على دين المسيح». فأطلقواعليه الرصاص وقتلوه.
●الأب بولس خرياطي عام 1976
كان عائدًا من زحلة الى بلدته جون يوم إغتيال كمال جنبلاط، فتم قتله من جملة الذين قتلوا بسبب هذا الحادث.
● الأب سعيد
بعد الإجتياح الإسرائيلي عام 1982 بدأت سلسلة تهجير السكان المسيحيين من مناطقهم. في الجبل، ترك المسيحيون بيوتهم وقراهم وتجمعوا في دير القمر. إلتجأ الأب سعيد عبود رئيس دير الملاك ميخائيل في عمّيق مع شقيقه الى بلدة كفرقطرة. وفي طريقهم الى دير القمر، تم توقيفهما وقتلهما.
الشهداء اليسوعيون في المشرق العرب
● الأب المكرّم إبراهيم جرجس
هو الأول من شهداء إثيوبيا اليسوعيين الثمانية. وهو مشرقي ماروني من حلب، إختير من أجل رسالة إثيوبيا لأنه كان يجيد اللغات العربية والعبرية والسريانية. تمكن بسهولة من إجتياز نقاط التفتيش التركية بفضل ملامحه الشرقية. ولكن كُشف أمره وطلب منه الحاكم إشهار إسلامه مقابل حريته، رفض ذلك فقُطع رأسه عام 1595.
-شهداء أحداث 1860
إستشهد خمسة يسوعيين في زحلة: الأب إدوار بيليوته (1812 ـ 1860)، الأخ حبيب مقصود (1810 ـ 1860)، الأخ إيلي يونس (1830 ـ 1860)، الأخ فيرناند بوناسينا (1804 ـ 1860)، المرشح شرفان حبش (1844 ـ 1860). واستشهد راهب في دير القمر هو الأخ ألفونس حيدر حبيش (1815 ـ 1860).
-الأبوان بيار أغادجنيان وجان باليان
إستشهدا في العام 1915، بعدما رفضا إنكار دينهم وإشهار إسلامهما لإنقاذ حياتهما، فرفضا وكانت النتيجة استشهادهما.
شهداء الحرب اللبنانية 1975 ـ 1989
● الأب لويس دوما (1901 ـ 1975) فرنسي
إنتمى الى الرهبنة اليسوعية العام 1918. تعرّف الى الشرق الأدنى لمّا درّس الفيزياء في الجامعة اليسوعية في كلية الهندسة أولاً (1952 ـ 1954)، ثم، وحتى مماته، في كلية الطب البشري، بالإضافة الى توليه إدارة كلية طب الأسنان التي جدّد بناءها وأعاد تنظيمها (1959 ـ 1969). لما اندلعت الحرب اللبنانية، دفعته روح الخدمة الى الذهاب كل صباح رغم الأخطار لإقامة القداس في دير للراهبات قريب من مقام سكنه في كلية الطب، الى أن أطلق عليه النار قنّاص وقتله في وسط الشارع. وكان ذلك في صباح 25 تشرين الأول 1975.
● الأب موريس مانْيِه (1905 ـ 1975) فرنسي
شخصية ظريفة محبّبة. إلتحق بالرهبانية اليسوعية عام 1930 في الخامسة والعشرين من عمره. وفي العام 1965 أرسله رؤساء الرهبانية الى بيروت ليدرّس في كلية الهندسة في الجامعة اليسوعية، وتبوأ مدة سنتين مركز نائب العميد فيها. كان مثالاً في التواضع واللطف ودماثة الأخلاق، يحلو العيش معه ويرتاح له الجميع. وفي يوم 30 أيلول 1975، استشهد خلال رحلة عودته من فرنسا، نتيجة انفجارالطائرة التي كانت تُقلّه قُبيل هبوطها في مطار بيروت، فغاصت في البحر وغرق وجميع الركاب. وقد أدرج هذا الحادث على قائمة الأعمال التخريبية حيث قيل بأن الطائرة استهدفت بصاروخ مما أدى إلى انفجارها في الهواء بعدما ظن المجرمون وجود شخصية من أمراء الحرب على متنها.
● الأب ميشال ألار (1924 ـ 1976) فرنسي
علم من أعلام الإستشراق ورائد من روّاد الحوار المسيحي ـ الإسلامي، بل الحوار بين الحضارات. يمّم شطر الرهبانية اليسوعية لينطلق من خلالها ويخدم في بلاد المشرق. صبّ إهتمامه على دراسة الإسلام ومذاهبه، والحضارة العربية قديمًا وحديثاً، مجتهدًا في ملاقاة الآخر باحترام من دون مواربة ولا ممالقة. وكان في ذلك من أوائل ممهّدي سبل الحوار بين الحضارات والأديان، مقتنعًا راسخ الإقتناع بأن الإختلاف لا ينبغي أن يُفضي الى الخلاف، بل الى تبادل المواهب من أجل الإثراء المتبادل.لما اندلعت الحرب اللبنانية في منتصف العام 1975، تابع عمله الدؤوب على الرغم مما كانت الأحداث الدامية والأخطار الداهمة تضع له من العراقيل لمتابعة التواصل بينه وبين طلابه، فكان يسافر الى البلدان العربية ليلتقيهم ويؤمّن لهم النصح والإرشاد، موفّرًا عليهم التنقّل والمخاطرة بأرواحهم. وفي مساء يوم 15 كانون الثاني 1976، إثر عودته منهكاً من دمشق، صعد الى غرفته في الطبقة التاسعة، وفيما كان مستغرقاً في نومه «حصدته» قذيفة في صبيحة اليوم التالي. مات الأب ألار وهو في الـ52 من عمره.
● الأب ألبان دُه جِرفنيون (1901 ـ 1976) فرنسي
تميّز بتفانيه في عمله، واتقانه ما يقوم به، وإضفائه على سائر نشاطاته مسحة من الذوق الرفيع والجمال.درّس الأدب في الصفوف العليا في ثانوية القديس يوسف (في بيروت) وهو في الحادية والعشرين من عمره، وصار مديرًا لتلك الثانوية مدة إثنتي عشرة سنة (1934 ـ 1945)، ثم مديرًا لـ»نادي الشبيبة الكاثوليكية» الذي كان يضم نخبة من المثقفين الملتزمين قضايا البلاد والمجتمع، فوكيلاً لكلية لطب في الجامعة اليسوعية، ثم وكيلاً لكلية الهندسة، فرئيسًا لتلك الجامعة (1958 ـ 1965)… ولما ناهز السبعين لم يتقاعد عن العمل، فخدم في مجلس إدارة المطبعة اليسوعية المعروفة بـ»الكاثوليكية» والذائعة الصيت، فوكيلاً لمدرسة السيدة في الجمهور حتى وفاته. يوم الرابع عشر من شهر آذار 1976، وكانت الحرب اللبنانية على أشدّها، رافق الأب ده جرفنيون أحد إخوته الرهبان، وهو شبه مقعد وبحاجة الى عملية جراحية يخضع لها في فرنسا، الى مطار العاصمة، وكان معهما سائق السيارة وممرّض المدرسة. فأوقفهم حاجز، وأخذت عناصره السائق والممرّض اللبنانيين رهينتين وتركت الأبوين وهما من التابعية الفرنسية، واضطرتهما الى العودة أدراجهما سيرًا على الأقدام. فطلب الأب ألبان الى رفيقه الذي لا يستطيع المشي إنتظاره على قارعة الطريق، وانطلق الى دير للراهبات يبعد نحو كيلومترين ليطلب النجدة. ولما عاد الى رفيقه كان الرصاص ينهمر عليهما، فأصيب في أسفل بطنه وقضى مضرّجًا بدمائه.
●الأب جيمس فينّيكان (1912 ـ 1984) أميركي
إنتمى الى الرهبانية اليسوعية في التاسعة عشرة من عمره، ولما بلغه في العام 1937 طلب رئيس رهبنته الأب ليدوكوفسكي (Ledochowski) متطوّعين للعمل في البلدان العربية والإسلامية، تقدم لهذه الرسالة. فجاء الى لبنان وشرع ليدرس في بكفيا في لبنان (1938 ـ 1940) ثم في حلب (1940 ـ 1941). كان مختصًا بالفلسفة اليونانية وتاريخها، فدرّس الى جانب الفلسفة المدرسية والفلاسفة العرب في الجامعة اليسوعية (1947 ـ 1974)، وجامعة الروح القدس في الكسليك، والجامعة اللبنانية، ومعهد القديس بولس في حريصا.
كان الأب فينّيكان، على الرغم من إنغامسه في التنقيب والتدريس، قريبًا من الناس عامة وطلابه خاصة، لطيفاً دمث الأخلاق، يتمتع بروح فكاهة محبّبة، يساعد الآخرين ما استطاع. وفيما كان في مساء يوم 26 شباط 1984 متجهًا من ديرالآباء اليسوعيين الى مستشفى أوتيل ديو لإقامة فداس في كنيستها، غير عابئ بخطر القذائف التي كانت تنهال بين الحين والحين على الأحياء السكنية، إذ بإحداها تصيبه في منتصف الطريق، وتودي به شهيد الواجب والمحبة.
●الأب نقولا كلويترس (1940 ـ 1985) هولندي
إنتمى الى الرهبنة اليسوعية في الخامسة والعشرين في هولندا موطنه. وسرعان ما طلب أن يُرسل الى لبنان فاستُجيبت رغبته العام 1966، وأكمل مرحلة الإبتداء، وبعدها درس العربية (1966 ـ 1968) والعلوم الإجتماعية في بيروت (1968 ـ 1969) فالعلوم الفلسفية واللاهوتية في لبنان وفرنسا، ورُسم كاهناً في أمستردام العام 1973. بُعيد عودته الى لبنان سنة 1974 وتعيينه في دير تعنايل في سهل البقاع لخدمة القرى المارونية الفقيرة النائية شمالاً، والمعزولة في منطقة ذات أغلبية غير مسيحية، إندلعت الحرب التي سرعان ما انطبعت بالطابع الطائفي. كان يتنقل بين عدة قرى قريبة من بلدة دير الأحمر، منها «بشوات» وبرقا، وهمّه في جميع أعماله أن يرفع معنويات الناس المهمشين والمعزولين، ويثبت إيمانهم وتأصيلهم على الرغم من الأخطار المحدقة بهم. لكن نشاطه هذا ولّد الحقد عند آخرين، فخُطف وعُذّب ومن ثم قتل وأُلقي في بئر. ووُجد بعد 17 يومًا.
●الأب أندريه ماس (1940 ـ 1987) فرنسي
عُيِّن مديرًا لمركز صيدا في العام 1977 وهو في الـ45 من عمره. عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من بعض المناطق المحيطة بصيدا، وقعت أحداث دامية فجرت الحقد والعنف. وعلى رغم تلك الظروف، رمم ماس الأضرار التي لحقت بالحجر والبشر، يحدوه على ذلك حبّه للمنطقة وأبنائها. أنجز عدة مشاريع منها: ترميم المركز، وإدخال المعلوماتية في مرافقه، إغناء المكتبة، إنعاش بيت الطالبات، تأمين ملعب رياضي… ولكن نجاحه الأكبر كان في جمع القلوب وبث روح المحبة والتفاؤل، وذلك باستشهاده. ففي العام 1987، استشهد بثلاثة عيارات نارية إستقرت في رأسه، فكانت شهادة التعايش والمحبة والسلام التي لم تكن ترق للفاعلين القتلة.
● الأب فرانس فاندرلخت الهولندي
إستشهد في العام 2014 في حمص عندما سيطرت عليها الجماعات الأصولية المسلحة. كان يدعو الى العيش معًا.
المرجع: مجلة «أوراق رهبانية» ـ العدد 111 ـ تشرين الثاني 2017
(انتهى)
إقرأ أيضاً: الرهبان الشهداء – 1
إقرأ أيضاً: الرهبان الشهداء – 2
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]