أكبر خطر على لبنان رميه في حضن الشرق – 3

حجم الخط

الدكتور شارل مالك – “المسيرة” – العدد 1713

مبادئ عرض مصيريّ عام:

• المسيحية الحرة بيتها لبنان            • لا يمكن فرض نظام على لبنان بالقوة

• المطلوب ضمان دولي                   • أكبر خطر على لبنان رميه في حضن الشرق (3)

10 – التواصلية والعطاء

الإلتصاق الغريزي المعطى بالأرض والتراث يسبق كل تنظير سياسي إيديولوجي ويشرطه.

تواصلية جذور لبنان وأعرافه وتراثاته عبر التاريخ قيمة هائلة، لا يجوز التفريط بها.

أشك أن حفنة من البشر بحجم لبنان أعطت نفسها ومحيطها والعالم خلال القرون الثلاثة الماضية ما أعطاه لبنان لنفسه ولمحيطه وللعالم. وسر هذا العطاء تواصلية لبنان النسبية عبر القرون مقرونة بالحرية الذاتية التي نعم بها.

إن عطاء بنينا وأهلنا والمتحدّرين من لبنان وراء البحار والأمصار، هو أيضًا قيمة هائلة.

لبنان يعتز ويقوى بوعيه قيمة تواصليته التاريخية وقيمة عطاء بنيه في العالم، وبتعزيز علاقته بهم.

 

11 – السلم والمعاداة

السلم لا يعني مجرد تأمين الأمن، بل أولاً وقبل كل شيء سلامة القلوب التي لا تبغض ولا تحقد.

وضع لبنان يمنعه من مصادقة طرف كي يعادي طرفاً آخر، ومن قبول صداقة تُعرض عليه إذا شُرطت بمعاداة آخرين.

الظن أن مآل التاريخ هو حصر الشرق الأوسط بالوجود الإسلامي الحر فحسب، أو حصره بالوجود اليهودي الحر فحسب، أو حصره بالوجودين الإسلامي الحر واليهودي الحر معًا فحسب، هو ظن خاطئ. المسيحية الحرة كذلك لها مركز ودور أصليان في هذه المنطقة التي نشأت هي فيها، وبيتها الآن هو لبنان.

 

12 – لبنان وسوريا

إذا كان ذاته، أعني إذا لم يتمثله غيره فيصبح ذات غيره، فلا يقدر أن يعادي أحدًا في سبيل أي أحد آخر أو إرضاء له. على أساس بقاء لبنان ذاته، من حيث الحرية الشخصية والكيانية الإنسانية المسؤولة، للأفراد وللفئات العضوية فيه، كل تقارب وتعاون مع سوريا ليس أمرًا مستحبًا فحسب بل أمر ضروري. من هنا قد يكون لبنان وسوريا مدعوين اليوم معًا، أكثر من أي وقت مضى، لإنجاز تاريخي عظيم. لكنني أكرر أن شرط هذا الإنجاز هو بقاء لبنان ذاته، وبقاء الحرية الكيانية المسؤولة مصونة ثابتة فيه.

 

13 – فكرتان لطبيعة الدولة متنافستان

تتنافس بين لبنان وإسرائيل فكرتان مختلفتان لطبيعة الدولة. قامت إسرائيل على أساس أنها دولة يهودية، أما واقع لبنان اليوم فكونه ليس دولة مسيحية ولا دولة إسلامية، بل تعددية. ليس أكيدًا وليس معروفاً بعد أي من هاتين النظرتين المتنافستين ستبزغ فائزة آخر الأمر في محك معترك التاريخ، مع أن الأحداث الراهنة ترجّح فوز النظرة الإسرائيلية. مناداة البعض بتحويل لبنان الى دولة إسلامية تصبّ في خانة المنحى الإسرائيلي. الفكرة الإسلامية هي ذات الفكرة الإسرائيلية من حيث رفض التعددية وإعلان الواحدية الدينية المشرقية. تعددية لبنان تقابلها في آن واحدية إسرائيل وواحدية الإسلام، هذه هي المسألة. المسيحيون لا يقبلون بأن يصبح لبنان دولة إسلامية ولا يقولون إنه دولة مسيحية. ومهما يكن من أمر تنافس الفكرة الإسرائيلية والفكرة الإسلامية من جهة، مع الفكرة اللبنانية القائمة من جهة أخرى، ومن أمر أية منهما ستثبت جدارتها بالبقاء، فالمسيحيون لا يقبلون أن تكون المسيحية في لبنان أقل حرية مما كانت عليه حتى الآن، أو من حرية مسيحية أي بلد آخر في العالم حيث المسيحية تتمتع فيه بالحرية التامة.

إذا أصرّ المسيحيون من جهة، على رفض أسلمة لبنان في أي وقت في المستقبل ولأي سبب، مع تعلّقهم بتعدديته، وإذا أصرّ المسلمون من جهة أخرى، على أسلمة لبنان، فورًا أو تدريجيًا، ولأسباب ديموغرافية أو سياسية، مع رفضهم تعدديته، فالحاصل المحتّم من هذين الإصرارين هو نشوء ثلاث واحديات دينية في الجسر الأرضي العظيم الممتد بين تركيا ومصر وبين الصحراء والبحر الأبيض المتوسط: واحدية يهودية في إسرائيل، واحدية مسيحية في لبنان، وواحدية أو واحديات إسلامية فيما تبقّى من الجسر الأرضي العظيم. ونظرًا لأن الجسر الأرضي العظيم هو ذاته واحد، وشعوبه وثقافاته وأديانه بالتالي لا بد أن تتفاعل بعضها مع بعض، إن بالسلم أو بالحرب، فتعددية لبنان القائمة تنتقل حتمًا الى تعددية تشمل الجسر الأرضي العظيم كله. بهذا الإنتقال وبتوسيع رقعة التعددية من مجرد مساحة لبنان الى الجسر كله، تكون الفكرة التعددية اللبنانية هي الفائزة آخر الأمر. فما دام التمييز الأول والأساسي في هذه المنطقة هو التمييز الديني، فلا مفرّ مطلقاً من قيام تعددية إن في لبنان أو في المنطقة ككل. إذا فشلت التعددية في لبنان فمحتّم عليها أن تنجح فيما هو أوسع من لبنان. إذا فشلت في إطار دولة واحدة فمحتّم قيامها بين دول الجسر الأرضي العظيم جمعاء. وهكذا يكون لبنان قد نظر الى أبعد مما نظرت إليه الواحدية اليهودية في إسرائيل أو الواحدية الإسلامية في المنطقة.

14- قضية لبنان

بعد ألف سنة، أي في القرن الثلاثين، سيُقال إن لبنان في النصف الثاني من القرن العشرين أثار قضية كبرى تُلّخص بسؤالين:

1- هل المسيحية الحرة حقاً، ممكنة بعد في شرقي البحر الأبيض المتوسط؟

2- هل التعددية الحقيقية حقاً، ممكنة بعد في شرقي البحر الأبيض المتوسط؟

كل شيء في لبنان وعن لبنان وحول لبنان لا يُفهم ويُقدّر إلا على ضوء هذين السؤالين. إن قدر لبنان الكياني، بمسلميه ومسيحييه، هو الإجابة بالإيجاب، جزمًا وفعلاً، على هذين السؤالين.

 

لماذا كنا نحارب؟

سؤال طرحه وأجاب عليه الدكتور شارل مالك في العام 1976:

• نحارب أولاً لأن الحرب فُرضت علينا. من سمع في التاريخ كله أن لبنان إعتدى على أحد أو هاجم آحد أو تآمر على أحد. نحن الذين اعتُدي عليهم، نحن الذين تآمروا عليهم، نحن نحارب دفاعًا عن النفس.

• نحارب ثانيًا لأن الدولة اللبنانية إنهارت بكل أجهزتها، فهبّ الشعب اللبناني وحلّ محل الدولة…

• نحارب ثالثاً لأن المسألة ليست من يحكم لبنان، بل من يملك لبنان: اللبنانيون أم غير اللبنانيين…

• نحارب رابعًا، ثلاثة وعشرين تيارًا وعاملاً إنصبّت علينا وغزتنا واستغلت ساحتنا، كلٌّ لغايته أو لتصفية حساباته.

• نحارب خامسًا، لأننا أحد الشعوب الخمسة: الإسرائيليين، الفلسطينيين، الأردنيين، السوريين واللبنانيين القاطنين في هذا الجسد الأرضي العظيم الممتد من تركيا حتى مصر، ومن الصحراء حتى البحر. كلٌّ يحارب بدوره للبقاء وتعيين مركزه في قلب العالم أي الشرق الأوسط.

• نحارب سادسًا كي نسالم، لأن هدف الحرب الأخير دائمًا هو السلم الثابت الصحيح، سلم بيننا وبين أنفسنا، وبيننا وبين الآخرين وبين العالم…

نحارب من أجل كل هذا ومن أجل كل شيء أثمن وأقدس، لأننا نعرف كلنا أن لبنان كنز لا يُثمّن ولا يُعوّض.

(انتهى)

إقرأ أيضاً: أكبر خطر على لبنان رميه في حضن الشرق – 2

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل