أن تعتمد القوى السياسية في لبنان على إعلامها لتسويق أفكارها ومشاريعها وللتصويب على أخطاء خصومها في العمل السياسي، فهذا مشروع ومنطقي وطبيعي. أما مع الممانعة فنرى الإعلام وسيلة للافتراء ومرّات كثيرة للكشف الأمني وهدر الدم. فالغايات الممانعة تبررها الوسائل ولو كانت غير نظيفة في الإعلام الأصفر.
طبعاً لن يتّسع مقال واحد ولا مقالات ولا كتب، لتعداد نماذج الافتراءات والاستهداف التي يعتمدها هذا الإعلام وتلك الوسائل، لذلك نذكر الفاضح والواضح والمعبّر منها.
ففي قضية لقمان سليم نتذكر في 17 أيلول من العام 2012، مقالاً لإبراهيم الأمين حين كتب متوجها الى لقمان سليم متوعّداً إياه ومن معه مِمَن أسماهم “شيعة السفارة”، “ألا يتحسّس هؤلاء رقابهم وهم يخرجون يومياً من منازلهم النجسة؟ ألا يرَوْن وصمات العار وهي ترتسم فوق جباههم، فيما الناس يرمقونهم بنظرة الحقارة؟ أم هم يعتقدون بأنهم سينجون بفعلتهم إن هم قرروا أنّ عمالتهم هي مجرد وجهة نظر، أو مجرد رأي، يمكن، بل يجوز منطقياً ووطنياً وأخلاقياً إشهاره في وجه المقاومة”؟.
كما طالب ابراهيم الأمين هؤلاء “بالابتعاد عن غضب الناس الآتي إليهم في أيّ لحظة، (…) وربما وجَب عليهم معرفة أنهم تحت النظر، وتحت المتابعة لكل الموبقات التي يقومون بها”، متوعدًا إيّاهم بـ “محاصرتهم حتى إفقادهم كل قدرة على النطق بالكفر”.
ليعود ابراهيم الأمين بعد اغتيال لقمان سليم ليكتب شامتاً في “أول الكلام” في 15 شباط من العام 2021، “انّ من قُتل، قُتل بصفته ممّن ينتمون إلى المحور الذي تقوده أميركا والسعودية والإمارات و”إسرائيل”، وهدفه واضح ومحدّد، أن يكونوا ضمن فلك الغرب وربيبته اسرائيل وأتباعهم”. ويؤكد الأمين أنه “لن نتوقف عن التشهير بكم حيث تعملون، وحيث تخدمون فرقة التحالف الشرير مع “إسرائيل”، بقصد تدمير بقية الذات العربية في فلسطين ومحيطها”.
كذلك نقرأ في استهداف البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير من ضمن حملة الممانعة، اذ كتب ابراهيم الأمين في 8 تشرين الثاني من العام 2010، “إن البطريرك الماروني لم يعد مرجعية جامعة للمسيحيين ولا على المستوى الوطني، بل هو طرف، وطرف له موقفه الحاد من مسائل وطنية كبرى. يؤيّده البعض ويعارضه البعض الآخر، وهو… لم يعد يصلح لكي يكون ناطقاً باسم جميع المسيحيين… يصعب إعادة الاعتبار إلى بكركي وإلى صفير بصفته مرجعية”.
بعد تفجير “بلوم بنك”، كتب حسن عليق في 15 حزيران من العام 2016، تحت عنوان “فلتقلّع المصارف شوكها بأيديها”، “تلفت المصادر في خلاصة كلامها إلى أن حزب الله يرى أنه على المصارف ـــ التي سارعت إلى التشدد في تطبيق القانون الأميركي، وتلك التي استبقت صدوره بمعاقبة لبنانيين لم يخالفوا أي قانون لبناني، وأقفلت حسابات لا تدخل إليها ليرة واحدة إلا من الدولة اللبنانية (كحسابات توطين رواتب نواب مثلاً) ـــ كما على حاكمية مصرف لبنان، أن تقلّع بأيديها الشوك الذي وضعت نفسها فيه، على قاعدة ضرورة أن تُدرك أن أولويتها يجب أن تكون ألا تعادي فئة من اللبنانيين بدل السعي إلى إرضاء الاميركيين وتبييض صفحتها لديهم على حساب حزب الله وجمهوره”.
من “الشطحات” التي قد تكون أيضاً موحى بها، ما قاله ابراهيم الأمين في 8 كانون الأول من العام 2016، عبر الـمؤسسة اللبنانية للإرسال، “السوريون وحركة أمل لعبوا دوراً بنسبة 95% في قتل قادة المقاومة، مما استدعى ردوداً عنيفة من حركة أمل والناشطين الأمليين على التواصل الاجتماعي، ورداً اقل عنفاً من حزب الله وحسن نصرالله”.
ومع ارتفاع منسوب الحديث عن قائد الجيش جوزف عون لرئاسة الجمهورية اللبنانية، كتب ابراهيم الأمين في 20 شباط من العام 2023، مقالاً بعنوان “المرشح جوزيف عون: عندما يتحوّل الجيش منظمةً غير حكومية يموّلها الخارج” يتهم فيها الأمين قائد الجيش والجيش بالخضوع للمشيئة الأميركية.
آخر نموذج وفي حمأة هجوم اعلام حزب الله والممانعة على المملكة العربية السعودية والاتهامات المساقة ضدها بتمويل الجماعات التكفيرية والارهابية من “القاعدة” و”داعش” و”النصرة”، أطل علينا مقال ابراهيم الأمين بعد مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، معتبراً المقتول شهيداً مؤلّهاً نظيفاً عفيفاً فكتب في 3 أيار من العام 2011 تحت عنوان وردة على بحر العرب، “سيكون بمقدور الجميع أن يلقي التحية على الرجل، وسيكون بمقدوره هو الابتسام أيضاً. لا مكان للعقل هنا. ولا مكان إلا لبعض القلب. حبّ يحفظ ما في الرجل من أشياء جيدة، وهي كثيرة، وحقد يرمي بنفسه على قاتليه، أو المسرورين بقتله، أو المبتهجين لغيابه… ألا يعرف هؤلاء أن للتاريخ حكاية واحدة، وأن الموت لا يخفي حقيقة، ولا يمنع روحاً من العبور فوق الجميع. ألا يعرف هؤلاء الأغبياء أن القتل إنما يستولد القتل، وأن الغياب يستحضر الصورة التي يحبها كثيرون… وكل بحث في ما قام به وما انتهى إليه صار بلا جدوى، ولم يبق في المشهد غير صورته شهيداً”.
يبقى السؤال المعروف جوابه، هل ما كُتب في تلك الوسيلة تحريضاً على لقمان سليم وشماتةً باغتياله وتحريضاً على المصارف وتهليلاً لتفجيرها، وتحريضاً على البطريرك صفير وقائد الجيش وحركة أمل، وما كُتِبَ رِثاءً لزعيم تنظيم القاعدة “الشهيد” كان بقرار من الكاتب اوالمُستَكتِب المجهول -المعلوم؟…
أخيراً ميّز الكتاب المقدّس بين النميمة والافتراء، “الافتراء والنميمة كليهما خطأ، وكثيراً ما تدينهما كلمة الله معاً (لاويين 19: 16؛ أمثال 16: 27؛ كورنثوس الثانية 12: 20). فالنميمة هي جمع أسرار شخص ما ونشرها لدى الآخرين، والافتراء هو تأليف هذه الأسرار ونشرها حيث تتسبب في أكبر قدر من الأذى… وتعتبر “أخبارهم” نموذجاً لا يُحتذى به اعلامياً في الافتراء والفبركة والتشويه، على ما قامت به كما أسلفنا، وتقوم به مع القوات اللبنانية كما رأينا وسمعنا وقرأنا أخيراً.