لا يمكن وصف اتفاقية استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران بضمانة صينية بأقل من كونه زلزالاً مدوياً ضرب في الصميم وجود كل نظرية تصدير الثورة إلى دول المنطقة كما ينسف كل مبررات وجود الميليشيات والاذرع الإيرانية في الدول العربية المحتلة من إيران.
ستثبت الأيام والاسابيع القليلة المقبلة صوابية عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران لجهة التمهيد لخروج إيران من المنطقة وعودتها إلى حجمها الطبيعي، مقابل وقوع الميليشيات في أزمة وجود لا سيما أن تلك الميليشيات من الحشد الشعبي في العراق إلى الحوثيين في اليمن إلى حزب الله في لبنان، بنت كل ادبياتها السياسية تجاه دول الخليج والمملكة العربية السعودية تحديداً على الكراهية والعداء لها، بالإضافة إلى مواقف وخطابات طائفية ومذهبية موجهة ضد حكام السعودية ودول الخليج. فها هي اليوم أمام هول وفظاعة استئناف العلاقات الدبلوماسية مع الرياض تقف اشبه بمجالس عزاء منها بمواقع احتفالية.
يكفي التمعن بوجه الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، أمس الجمعة، في تعليقه على ابرام الاتفاق السعودي الإيراني كيف كان يتكلم عن وفاء ايران لأذرعها وعدم التخلي عنهم وعدم بيعهم، في وقت سيجد هؤلاء الاتباع أنفسهم مبعدين أمام المصالح، إذ ستقوم ربيبتهم إيران ببيعهم ان أراد نظامها حفظ رأسه أمام الصينيين الذين لا يهمهم كثيراً مصير الميليشيات بقدر ما يهمهم مصير اتفاقيات شراكاتهم الاستثمارية والاقتصادية والتجارية التي وقعوها مع السعوديين بالمليارات وبمصالح بكين مع دول الخليج التي تضخمت الى حد لم يعد بإمكان الصينيين تجاهلها وتخطي متطلبات استمرارها وتطويرها خليجياً.
أغلب الظن أن إيران اليوم في مأزق كبير لا نغالي إن قلنا إنه يكاد يكون مصيرياً، اذ باتت مخيرة بين الاستجابة لشروط استئناف العلاقات الدبلوماسية مع الرياض والتي تختصر في جملة وردت في البيان المشترك الصيني السعودي الإيراني لناحية احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ما يفرض على طهران إيقاف تدخلاتها عبر أذرعها في المنطقة وبين عدم الاستجابة، وبالتالي الاصطدام الحتمي والمحتوم بالراعي الصيني أولاً قبل السعوديين والخليجيين، مع ما يعنيه ذلك من فقدان النظام في طهران لغطائه الصيني القوي الذي التجأ إلى أحضانه لحماية نفسه من خطر الزوال الذي يتهدده أميركياً وغربياً وإسرائيلياً.
اتفاقية استئناف العلاقات الدبلوماسية خطوة أولى وأساسية على طريق الالتفاف نهائياً على وجود الميليشيات، وبالتالي ما دون إتمام هذا الالتفاف، محظور واحد، ألا وهو أن يبادر الحرس الثوري الإيراني أمام حشر نظامه في زاوية العلاقات الدبلوماسية مع السعوديين وبضمانة صينية إلى تصعيد الموقف بالهروب إلى الأمام وقد يؤدي ذلك إلى انتصار منطق الثورة الحاكمة على منطق الدولة الحاكمة فتشهد المنطقة تصعيداً بمثابة انتحار إيراني جماعي يطاول فروع الحرس الثوري في المنطقة وفي مقدمتها حزب الله.
من هنا، ما تم من اتفاقية وإن كان متوقعاً إلا أنه لا يزال يطرح أكثر من علامة استفهام حول عدم قراءة الجانب الإيراني بما يكفي تداعيات عدم الالتزام باتفاقية استئناف العلاقات الدبلوماسية مع الرياض خصوصاً في موضوع الالتزام باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، إذ إن عودة طهران بعد الشهرين إلى المشاكسة والتدخل سيطيح نظامها وسيؤدي إلى سحب الصين ومن خلالها روسيا يدها عنه ليقع لقمة سائغة في فم الشعب الثائر داخلياً والغرب الغاضب منه لدعمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حربه ضد الاوكرانيين.
باختصار، هو زلزال دبلوماسي يستهدف إيران ومحور ما يسمى بالممانعة، ظاهره استئناف علاقات دبلوماسية لكن باطنه بدء العد العكسي لانتهاء الدور السلبي لإيران واذرعها في تهديد أمن واستقرار دول المنطقة وتهديد أمن الخليج والعالم.
زلزال دبلوماسي سياسي برعاية وضمانة صينية متلهفة لإراحة السعوديين والخليجيين تمهيداً للشراكة الحيوية معهم. فهل تنصاع طهران للالتزامات أم تتمرد فتذهب إلى العزلة فالسقوط فتقسيم إيران وتفجيرها من الداخل؟
اقرأ أيضاً:
خاص ـ محور الممانعة يعود خائباً إلى المعركة الرئاسية في الداخل