لا يعدو ما شهدته سوق الصرف، الثلاثاء قبل يومين، بملامسة الدولار الـ145.000 ليرة قبل أن يهبط دراماتيكياً إلى نحو 110.000 ليرة خلال ساعات، بعد إعلان مصرف لبنان عن بيع الدولار عبر منصة صيرفة بسعر 90.000 ليرة، أكثر من حلقة مأسوية من مسلسل متوحّش، يواصل مخرجوه وكاتبو السيناريو بكل فجور تجديد حلقاته، والتلذُّذ كمصّاصي الدماء بانهيار الحدّ الأدنى من أوضاع اللبنانيين المعيشية.
وتتقاطع مجموعة من الخبراء الماليين والاقتصاديين، في تصريحات لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، على أن “انخفاض الدولار من مستوى 145.000 ل.ل. إلى 110.000 ل.ل. إثر إعلان البنك المركزي، مشهد مكرَّر إلى حدِّ الملل والاشمئزاز، لإجراءات لم تكن نتائجها سوى المزيد من التدهور وانهيار الليرة وفقدان دولارات إضافية من الاحتياطي النقدي، أي فعلياً ما تبقى من أموال المودعين، وتفلُّت الدولار بقفزات جنونية أكثر فأكثر”.
ويذكّرون، بما أشاروا إليه منذ أقل من أسبوع، في مقال نشره موقع “القوات”، تحت عنوان (هرّ “صيرفة” العجوز يلهث خلف فأر الدولار الأسود الرشيق)، أنه “من المستحيل التعويل على منصة صيرفة لضبط ارتفاع الدولار. وحتى لو نجحت في فترات معينة بلجمه وخفضه، فالجميع يلاحظ أن العملية تكون مؤقتة، ولا تصمد سوى لأيام، وفي فترة سبقت امتدت أحياناً لأسابيع. لكن الأكيد أن دولار السوق السوداء كان يعاود الارتفاع في كل مرة، لأن المشكلة الأساس تبقى شحّ السيولة بالدولار، والأزمة الاقتصادية والمالية العميقة”.
بالتالي، “ما حصل منذ يومين مجرد دوران في الدوامة المدمّرة ذاتها”، وفق الخبراء، الذين يشددون على أن “هذه اللعبة تزيد من تدمير الاقتصاد أكثر فأكثر بحجة الحدّ من ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية والمحافظة على قيمة الودائع بالدولار المحلي. بينما في الواقع، الترددات كارثية لأن تمويل هذا الخفض الاصطناعي للدولار يتمّ من الاحتياطيّ النقدي المتهالك، ورفع سعر صيرفة يرفع بالتوازي الأسعار المرتبطة بها، من الكهرباء والانترنت والهاتف الخليوي وغيرها”.
ويشير الخبراء ذاتهم، إلى “معلومات على درجة عالية من المصداقية، تتحدث عن أن الإجراء الأخير للجم الدولار، تمَّ على أعلى المستويات بين أركان الفريق الحاكم، لشراء مزيد من الوقت. فمصالح اللاعبين الكبار على مختلف المستويات ضمن السلطة الحاكمة، (سياسياً ومالياً ونقدياً)، تقاطعت عند نقطة معينة، تحت عنوان شراء المزيد من الوقت، كلٌّ لغايته”.
وبرأيهم، أن “بعض هؤلاء هدفه تحسين أوراقه في لعبة السلطة وفرض شروطه لضمان مستقبله في الفترة المقبلة. وبعضه الآخر يسعى لتمرير (نهاية الخدمة) بالقدر الممكن من الهدوء. لكن الأكيد أن حياة الناس آخر همومهم، فمن بعدهم، إن لم يحقِّقوا مصالحهم، ليكن الطوفان. والمؤكد أن الأوضاع الاقتصادية والمالية على حالها من التأزُّم المتزايد”.
ويحذّر الخبراء، “صغار مالكي الدولار من التفريط بدولاراتهم والوقوع مرة من جديد في أفخاخ السلطة المفلسة والمضاربين المنتفعين، لأن الوضع الاقتصادي والمالي والسياسي لم يطرأ عليه أي جديد. فالمؤشرات الاقتصادية تشير إلى أن انخفاض الدولار في السوق السوداء مصطنع، ولعلّ مقولة (دولارك الأبيض ليومك الأسود) باتت بحاجة إلى تعديل، لتصبح (دولارك الأسود أبيض من الأيام السود الآتية) ويبقى أكثر بياضاً. فمع هذه السلطة لا يؤمل أي خير، ولن يتغيَّر الوضع ويتوقف الانهيار وتبدأ مرحلة التعافي والنهوض، إلا بتغييرها جذرياً”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية