خاص – لبنان ينادينا.. فهل نلبي نداء “الهجرة”؟

حجم الخط

بين لبنان الذي عايشته أنامل طفولتنا، وكبرنا في أحضانه وعلى أحلام البقاء في ربوعه، وبين واقعٍ يفرض الهجرة على أبنائه بسبب “ذلّ” المعيشة وصعوبة البقاء، يصبح لبنان حلماً للأبد لتحلّ مكانه الهجرة التي سرقت من أحضان الأمهات أبنائها، وبالخفاء تحولت بسماتهم لحزن الفراق، وباتت الهجرة ترمي بأبطالنا في الغربة المتنعّمة بالأدمغة والعقول اللبنانية المبدعة وبثرواتنا البشرية، وأصبح أمام كل لبناني عامة وكل صبية وشاب خاصة، “منحدر” الهجرة حلاً وقساوة الغربة أدفأ من ربوع الوطن المنكوبة.

الهجرة فتكت في لبنان، لتجعل صورة المطار بالنسبة للشباب “طموح اليوم” وترسم الغربة على أنها الحل الوحيد في قلب كل ما يعيشه لبنان من صراعاتٍ وأزمات. ليبقى السؤال فارضاً نفسه على أرض الواقع، هل باتت الغربة الحل الوحيد للعيش، أم أن الهجرة “فخٌ” جميل المظهر؟

أولاً، يجدر الذكر أن الهجرة علمياً تصنف كأزمة اجتماعية، وتكون نتائجها متنوعة خصوصاً على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية. ولبنان تاريخياً شهد العديد من موجات الهجرة، خصوصاً في الحقبة الحديثة إذ أن الموجة الأولى كانت أواخر القرن التاسع عشر امتدادًا حتى فترة الحرب العالمية الأولى، حيث يُقدر أن 330 ألف شخص هاجروا من جبل لبنان آنذاك. في حين، جاءت المرحلة الثانية خلال الحرب اللبنانية (1975 – 1990)، وتقدر أعداد المهاجرين في تلك الفترة بحوالي 990 ألف شخص.

لبنان اليوم يعيش أزمة “هجرة الأدمغة”، ومن خلال مراجعة فريق موقع القوات اللبنانية الإلكتروني لأرشيف المرحلة منذ الأزمة الاقتصادية ـ الاجتماعية التي عصفت بالوطن العام 2019، يتبين أن أرقام المديرية العامة للأمن العام مرتفعة جداً بالنسبة لجوازات السفر. فمنذ مطلع العام 2021 ولغاية نهاية آب من العام نفسه بلغ عدد جوازات السفر الصادرة عن الأمن العام نحو 260 ألف جواز سفر، مقارنة بنحو 142 ألف جواز سفر في الفترة نفسها من العام 2020، أي بزيادة نسبتها 82 %.

مصادر مطلعة تشير لموقع “القوات”، إلى أن هذه النسبة أخذت بالإرتفاع التدريجي والكبير في العام 2023، خصوصاً بعد حلّ أزمة جوازات السفر”، لافتة إلى أن “الدراسات تشير أيضاً إلى أن الفئة الأكبر هي من طلاب الجامعات. وخير دليل على ذلك على سبيل المثال إزدحام “campus France” بالطلاب المتقدمين للهجرة والتعلم في فرنسا، بالإضافة إلى الإعلانات الكثيفة حول المنح والدراسات الخارجية، فضلاً عن “هجرة العمل” للمتخرجين وأصحاب الكفاءة والخبرة، ليكون لبنان ضحية “خسارة أبنائه” واللبنانيون ضحية “اللادولة” مما يجعلهم يبحثون عن الحلم في تراب الغربة.

في اتصال مع أحد مكاتب السفريات في لبنان، تم التوصل الى أن أعداد المسافرين بهدف الهجرة كبيرة جداً، خصوصاً مع سهولة العملية في حال كان هناك رابطٌ عائلي أو بالأحرى “ربط وصل” مع الخارج. بالإضافة إلى كثافة الطلبات على السفارات الخارجية، خصوصاً بما يتعلق بالدول المسهّلة للهجرة والدوافع التعليمية. وهنا لا بد من الوقوف لحظةً أمام نتائج الهجرة العديدة والتي تأخذ الكثير من المناحي الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية.

لا شك ولا إنكار أن الاقتصاد اللبناني تنفس في السنوات الأخيرة بفضل “رئة” الغربة والمغتربين، كذلك بالنسبة للسياحة التي إشتعلت مع توافد المغتربين إلى لبنان صيفاً ليكونوا “نجم” الصيف وعنوانه. وبحسب أرقام البنك الدولي في تقريره العام 2022، بلغ حجم تحويلات المغتربين إلى لبنان نحو 6.8 مليار دولار أميركي، بعدما كانت 6.6 مليار دولار في العام 2021، ليتبوأ لبنان المرتبة الثانية عالمياً من حيث مساهمة تحويلات المغتربين في الناتج المحلي الإجمالي، والتي بلغت نحو 38%. ويؤكد أحد الباحثين في الشأن الاقتصادي في اتصالٍ مع موقع “القوات”، أن هذه التحويلات تراجعت قليلاً العام 2023 وكذلك بالنسبة للناتج المحلي، إذ باتت تمثّل 36% من حجم الناتج المحلّي الإجمالي. وذلك ببساطة لأن حجم الناتج تضاءل ليلامس حدود 18 مليار دولار فقط السنة الماضية.

غير أنه في المقلب الآخر للهجرة، هناك لبنان الذي يتيتم، لبنان الذي يخسر “أدمغته” ورواده، هناك “أمّ” تبكي على الفراق، وابنٌ يحتمل برودة الغربة من أجل “العيش”، هذا “الحق” الذي لو كان للبنان دولة لكان في مقدمة الشرق وعلى رأسه، وهذه الخسارة التي يعيشها لبنان ليست بالعاطفة فحسب، فمؤسساتنا تخسر وشركاتنا تخسر وجامعاتنا تخسر، ليصبح اقتصادنا ككل في مرمى الهجرة. فكما للهجرة دوافع إيجابية تتمثل بـ”المغتربين”، غير أنها تفقد الوطن “قلبه”. فمن يكون في الغربة بطلاً بات حرامٌ عليه أن يكون بطلاً في وطنه؟ أوليست خسارة أن تكون طاقات البشرية رهن الغربة بدل أن تكون نبض الوطن؟

في الخلاصة، لا بد من التأكيد أن لبنان ليس “وطن اليوم”، إنه من ذكر في ملاحم “غيلغامش” قبل 6000 سنة، ومن صمد بوجه الظلم والحرب والطغيان وحتى الهجرة، ومن أرسل أبطالاً ليرفع علم الأرز في شتى أنحاء العالم. وحتى إن هاجر الشباب اللبناني، فلبنانيته تدفئ الغربة بالوطنية. إنما يبقى الأمل أن يبقى شباب لبنان في لبنان وتفرح ساحاته بوطأة أقدامهم، خصوصاً أن لبنان ينادي شبابه، فهل سيلبون نداءه أم نداء الهجرة؟

اقرأ أيضاً عن: المستشفيات في لبنان

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل