لطالما شكّلت الاتصالات الخلوية مادة جدلية في لغة المواجهات، وجديدها ما أعلنه الأمين العام للحزب، باتهام “الخلوي” مباشرة، بأنه العميل. هنا لا بدّ من التوقف عند كل الأحداث والتطورات والمستجدات الأمنية التي لحقت بقادة 14 آذار، وغيرهم من أصحاب الرأي المخالف، لنطرح السؤال الأبرز: “ما دور الاتصالات فيها، وكيف سخّرها الحزب في مواجهاته”؟
“هذا الهاتف الذي بأيديكم يا إخوان ويا أخوات هذا جهاز تنصت… الإسرائيلي ليس بحاجة الى عملاء اصلاً، والله ليس بحاجة الى عملاء وأنا أحلف لكم يمين استغنى منذ زمن، هناك بعض الأماكن يحتاج فيها الى عملاء ولكن لهذه الأعمال لم يعد يحتاج الى عملاء، ها هو جهاز التنصت بجيبتك وبجيبة ابنك وابنتك وزوجتك وبالبيت وبالشغل وبالسيارة وبالطريق، وهذا الهاتف يسمعك ماذا تتكلم، ويسحب لك كل شيء تضعه في داخله: كلام ورسائل وصور، ويحدد لك مكانك بالتحديد، وبأي غرفة، وإذا راكب بالسيارة وتجلس في الأمام أو في الخلف وعلى اليمين أو على الشمال، هل يحتاج أكثر من هذا الاسرائيلي؟… هذا العميل، “بتقلي وين العميل”؟ أقول لك هذا العميل الهاتف الذي بيدك والذي بيد زوجتك ويد أولادك هذا الهاتف هو العميل، وهو ليس عميلاً بسيطًا، إنما عميل قد يقضي على حياتك، يقدم معلومات محددة ودقيقة… نحن نقوم بإجراءات داخلية… كذلك في موضوع الكاميرات والتي أصدر الإخوان فيها بيانات. يا إخوان: الإسرائيلي ليس محتاجاً ان يزرع عملاء على الطرقات، هذه الكاميرات الموصولة بالإنترنت، الإسرائيلي مخترق الإنترنت، وجالس في مدننا وشوارعنا وضيعنا، ويرى السيارات صعودًا ونزولاً، والشباب الطالعة والنازلة، ومن ينزل ومن دخل، وعلى هذا البيت من دخل، وهو غير محتاج لعملاء، ولذلك في وقت مبكر نناشد أهلنا، كل واحد الكاميرا أمام بيته، محله، بالسوق، بالشارع، موصولة بالإنترنت يقطعها عن الانترنت… هذا واجب شرعي مع التمني، لأن التساهل فيه يؤدي الى المزيد من الخسائر البشرية”. الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في 13 شباط 2024.
قد يخال للقارئ في نظرة أولى أن ما قاله نصرالله في موضوع الهاتف الخلوي أو الكاميرات، هو كشف حديث وأنه لم يسبق أن ذكره أحد أو تنبّه له او احتاط منه. قد يخال للقارئ للوهلة الأولى أيضًا أن ما ورد عن تقنيات التنصت الهوائي الأثيري الخلوي أو عبر الإنترنت لم يأت على ذكره أحد من قبل.
ليفاجأ القارئ أن نصرالله نفسه سبق أن حذر في تبريره لإقامة شبكة اتصالاته الخاصة الأرضية، ولما قام به في 7 أيار 2008 عن خطورة الاتصالات اللاسلكية والخلوية الأثيرية وسهولة خرقها والتشويش عليها والتنصت واستهداف “جماعة الحزب” من خلالها، ليعود بالذاكرة والمثل لاستهدافات من خلال استعمال هذه الاتصالات في مواجهات تموز 2006، وفي هذا قال في 8 أيار 2008 ما حرفيته: “في اللاسلكي والأثيري في مجموعة مشاكل إذ يمكن التنصت بسهولة وأنا أقول لكم لا يوجد اتصال لاسلكي أثيري في لبنان أو في العالم لا يمكن التنصت عليه، ولا يوجد شيفرة لا يمكن فكها ولا يوجد تشفير اتصال لا يمكن تحليله.
هناك مشكلة تنصت. اثنين هناك مشكلة تشويش، العدو يدخل على شبكة الاتصالات يشوش الاتصال مما يؤدي إلى انقطاع القيادة عن الكوادر وعن القواعد وعن المراكز، وبالتالي راحت كل منظومة القيادة والسيطرة. والمشكلة الثالثة هو الاستهداف، بكل بساطة محطة الخليوي تقصف، شبكة اللاسلكي تقصف كما صار في هذه المواجهة وفي المواجهات السابقة. اما في شبكة السلكي خصوصًا إذا كانت سرية، فقد يصعب قصفها من الأيام الأولى ويمكن الاستفادة منها في هامش أوسع. نحن لا نملك إمكانيات جيوش ضخمة ولا تكنولوجيا الولايات المتحدة الأمريكية ولا تكنولوجيا إسرائيل بطبيعة الحال، عندما نواجه التكنولوجيا المتطورة المعقدة نعتمد على الوسائل المبسطة لأنه في التكنولوجيا لا يمكننا أن نتوازن، أحسن وأفضل أسلوب لمواجهة التعقيد التكنولوجي هو التبسيط فكانت الشبكة السلكية. إذا أردت أن استعمل تعبيرًا دقيقًا أقول شبكة السلكي التابعة لنا، هي عبارة عن سنترال ومجموعة خطوط متصلة ببيوت قيادات ومراكز ومواقع تابعة لنا. هذه هي شبكة الاتصال، وهذه هي شبكة الهاتف السلكي. الاتصال السلكي هو جزء من سلاح الإشارة المتوفر لدينا في لبنان، وهو ليس ملحقًا لأنه الأهم في أي معركة، قبل الألفين من أهم أسباب نجاح عملياتنا أنه عندما كان رجالنا يهاجمون مواقع إسرائيل في الشريط الحدودي، كان الاسرائيلي لا يكتشف ذلك إلا لحظة إطلاق النار، والسبب اننا لم نكن نعتمد على الاجهزة اللاسلكية، بل كنا نعتمد على النظام السلكي، في مواجهة تموز أهم نقطة، أهم عنصر قوة كان عنا، هو القيادة والسيطرة، بسبب أن الاتصال مؤمن بين القيادة ومختلف المواقع القيادية ومواقعنا العسكرية الميدانية… الكثير من كوادرنا سقطوا بسبب اللاسلكي وبسبب الخليوي، وفي مواجهة تموز في عدد من المواقع التي فقدنا فيها الاتصال السلكي واضطررنا فيها للاتصال اللاسلكي أو استخدام الخليوي سقط كوادر وقياديين لنا في الميدان”.
اذًا على الرغم من إدراك نصرالله وحزبه منذ العام 2006 لخطورة الاتصالات الأثيرية من لاسلكية وخلوية، لم يقم المعنيون بأمن لبنان وجنوبه وحزبه بالإجراءات اللازمة الحازمة، لا بل تفاقمت الخروقات الأمنية والتجسسية، وتضاعفات الإستهدافات لكوادر وقيادات “الحزب” في الفترة الممتدة من 8 تشرين الأول 2023 وحتى تاريخ تحذير نصرالله وتعميمه وفتاويه باجتناب الاتصالات الأثيرية وقطع الكاميرات المراقبة عن الانترنت.
من هنا تطرح اسئلة متعلقة بموضوع الخلوي وداتا الاتصالات وما اصطلح على تسميته “الاقتران المكاني” في الاتصالات والذي يعتمده العدو الاسرائيلي للنيل من “كوادر الحزب” والذي اعتمده الحزب نفسه والأجهزة الأمنية الرسمية اللبنانية لتفكيك شبكات عملاء الموساد في لبنان، كما اعتمده القضاء بطريقة استنسابية في النيل من خصوم “الحزب” في أحداث 14 تشرين الأول 2021، المعتدى عليهم في منطقتهم، ولم يعتمدها على المعتدِين المهاجمين وهذا ما أكدته صحيفة الأخبار في 26 تشرين الأول 2021… والأهم اعتُمد الاقتران المكاني في المحكمة الدولية الخاصة في لبنان في ادانة المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
كما يطرح السؤال عن موضوع الكاميرات الموصولة بالإنترنت والذي ذكره نصرالله بالتفصيل في إطلالته الأخيرة وتعمّد تجاهله في إطلالته في الـ2008، مع العلم أنه بالإضافة لشبكة الاتصالات الأرضية، كان هناك معضلة ومشكلة وجود كاميرا لـ”الحزب” موجهة لمراقبة مدارج مطار بيروت، وطبعًا كانت موصولة بالإنترنت وعرضة للتنصت والخرق الإسرائيليين، ورفض “الحزب” إزالتها أو قطعها عن الإنترنت في 2008 على ما يطلب أمينه العام من المواطنين الجنوبيين في 13 شباط 2024.
بالاختصار كما في المواجهات العسكرية كذلك في الاتصالات، “الحزب” يدري اليوم وكان يدري من قبل، وتلك هي المصيبة الأعظم.