يحاول الممانعون عبر وسائلهم الإعلامية المتنوعة، الإيحاء أن ثمة فئة من اللبنانيين لا تتعاطف مع ما يدور في الجنوب! أكثر من ذلك، يحاول هؤلاء الإيحاء أن المسيحيين تحديدًا غير معنيين بالحرب وبما يجري عمومًا في القرى الحدودية الجنوبية، ويذهبون بعيدًا في محاولاتهم لدرجة أنهم ينشرون مقاطع فيديو وما شابه، إما عبر تيك توك خصوصًا، أو صفحات التواصل الاجتماعي كافة، ليؤكدوا كيف أن اللبنانيين في المناطق الأخرى متواطئون على أهل الجنوب، وينعتونهم بأبشع الصفات أولها عملاء صهاينة، وليس آخرها بمعدومي الوطنية والانتماء!!
واضح أن الأمر يلتبس على هؤلاء، خصوصًا أنه معروف من يحرّضهم ويحركهم. وكي لا يلتبس الأمر أكثر بعد، لا بأس بتذكيرهم ببعض النقاط الأساسية الضرورية، ليس لأجلهم بالتأكيد، إنما لوضع النقاط على حروف الحقيقة التي تضنيهم دائمًا، ودائمًا يتحايلون عليها لتمرير مواقفهم الملونة بكذباتها.
أولًا، لنا في الجنوب أكثر مما لكم بكثير كثير، لنا قرى كاملة تتعرض على مدار الدقائق للقصف والتهجير، بسبب رعونة بعض من يطلقون على أنفسهم صفة “مقاومين”، يتجولون بين أحياء القرى ويطلقون قذائفهم من دون هوادة من بين البيوت والأزقة الضيقة، فيرد عليهم الإسرائيليون بقصف أعنف وتدمَر البيوت والممتلكات، من دون تحقيق أي هدف حربي أو “انتصار” كما يدّعون دائمًا.
ثانيًا، تلك القرى المقاومة الصامدة، وإن نزح الكثير من نسائها وأطفالها، إلا أن رجالها، يعني نحن ومن تبقى من الأهالي، صامدون لحماية الممتلكات وللمساعدة فيما بينهم، ولا نحكي مسيحي ـ مسيحي، إنما مسيحي وشيعي لا فرق بيننا بالإنسانية والمواطنة حين يدق الخطر وبقوة على الأبواب، فمن تبقّى فوق من أهالي تلك القرى، يمدون الجسور بين بعضهم البعض، وبين المؤسسات الإنسانية وبكركي التي تُعنى بوجع الناس، لتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات اليومية، وخصوصًا الدواء والتدفئة والمواد الغذائية والطبية وما شابه، صحيح أننا لا نطنطن الأجراس لنعلن للملأ ما يجري في هذا الإطار، لكن هذا لا يعني أيضًا أن نصمت عند الإساءة والتهجّم والاتهامات بالعمالة والإهمال وأن في لبنان لبنانان وما شابه.
ثالثًا، لم نقرر نحن الحرب، لم نكن نريد الحرب من أساسها، تورطنا فيها بسبب عنجهية قائد الممانعة تلك، وبسبب دويلة متفلتة عن الدولة، تدخل الحروب العبثية ساعة تشاء وكيفما تشاء، متجاهلة الدولة والشعب تحت اسم “المقاومة”. للمرة الثانية منذ حرب تموز البائسة، دُمر الجنوب بسبب منطق الاستقواء إياه، ويُطلب من الشعب أن يذعن ويحني الرأس ويتحمّل وإياه، إياه أن يقول آخ! على لبنان أن يقول “أمرك سيد”، وأن يتوقف عن الحياة دعمًا لقرار فردي استفرادي مدمر قاتل للجنوب وكل لبنان! فهل على لبنان بمناطقه كافة، أن يتوقف عن العمل والحياة دعمًا للحرب في غزة؟ هل على لبنان أن يتوقف عن الإنتاج لأن الجنوب يتعرض للقصف بسبب تعنّت تلك الممانعة، ولبنان اليوم بأشد الحاجة للقمة العيش والانتاج في ظل أسوأ أزمة اقتصادية يعيشها؟ هل نجلس في بيوتنا من دون عمل ونحمل المناديل وننوح كأهل القبور فوق دمار البيوت فقط لنعلن أننا “متضامنون”؟ وهل التضامن هو التوقف عن العمل والبكاء على الأطلال؟!
هذا نفاق ما بعده نفاق، هذا تحايل على الواقع والحقيقة، والحقيقة المرّة يا شباب، أن غالبية أهل الجنوب، الشيعة قبل المسيحيين، يرفضون هذه الحرب، يرفضون الدمار الذي أقحموا فيه عنوة ومن دون استشارتهم. يرفضون أن يذهب أبناؤهم للموت العبثي. دُمرت البيوت والأملاك وهم يتفرجون لا حول لهم ولا قوة، قُتل شباب في عزّ الحياة ومواطنون أبرياء من دون طائل، هل كل هؤلاء عملاء لأنهم يرفضون الحرب العبثية تلك؟!
ما يفعله الجنوبيون في غالبيتهم تنحني له القبعات، صامدون رغم التخريب الذي يمارس عليهم، وتخريب ذوي القربى أشد مضاضة من تخريب العدو، يتعرضون لقمع معنوي وجسدي، وإذا اعترضوا إما أن يقتلوا أو أن يُطردوا ويصبحون منبوذين في بيئتهم، ونحن لسنا ولم ولا نريد أن نكون كذلك. الجنوب جنوبنا قبلكم، ونخاف عليه أكثر مما تخافون، هناك أرض من أرضنا، وأهل من أهالينا، ومناضلون من مناضلينا، ولا نريد الحروب، نريد الحياة وثقافة الحياة، ولبنان المناضل في الاتجاهات كافة، لا يمكنه التوقف عن بث الحياة لأنه يريد أن يعيش بكرامة لا أن ينوح ويشحذ اللقمة. في الجنوب وكل لبنان نحن نناضل لأجل بقاء الوطن، ولأجل إنقاذه من حفنة “ممانعين” جعلوا الوطن كله عملاء لمجرّد أنه يواجه الحياة الصعبة القاسية بالبسمة والنضال اليومي، وهم يريدون أن نلطم وننوح ونموت فوق القبور التي يحفرونها هم لنا!! مخطئون جدًا، وتذكروا دائمًا أن لنا في الجنوب أكثر بكثير مما لكم، وأنتم تعرفون وتتنكّرون.