بالوقائع: المصلحة الوطنية لـ”الحزب”.. إيران أولاً

حجم الخط

مصلحة "الحزب" إيران

من النادر جدًا أن تكون المصطلحات العامة القانونية والوطنية والعلمية مطاطة حمّالة أوجه متناقضة أو نافية لحقيقة مضمونها، كما هو حاصل على العموم في الإقليم وفي لبنان بشكل خاص ومع “الحزب” بشكل أخصّ. حمّل أمين عام “الحزب” مصطلح “المصلحة الوطنية” مؤخرًا مضمونًا مختلفًا عن مفهومه العام العلمي والوطني بما يتعلّق خاصة بما يجري في غزة والإقليم والمنطقة، وبشكل يتعارض طبعًا على ما سيتبيّن، مع حقيقة مصالح اللبنانيين العليا والدنيا.

“أمام ما يجري في غزة، المصلحة الوطنية اللبنانية والسورية والأردنية والمصرية تقتضي بخروج “إسرائيل” من هذه المعركة مهزومة ومنكسرة… فتح الجبهة اللبنانية مع العدو شكل مصلحة وطنية بالدرجة الأولى لمنع انتصار اسرائيل”. نصرالله بتاريخ 13 شباط 2024.

نبدأ بمقاربة “المصلحة الوطنية” لكل من المملكة الأردنية والجمهورية العربية السورية وجمهورية مصر العربية حيث الدول الثلاث، ومراعاةً لمصلحتها الوطنية الخالصة اللصيقة لحدود فلسطين المحتلة وللمعارك الجارية في قطاع غزة، نأت بنفسها عن الانخراط ولو الخجول بمعركة “كسر وهزيمة اسرائيل”.

حتى في مقاربة نصرالله نفسه للمصطلح المذكور، فقد سبق له أن قال في 3 كانون الثاني من العام 2024: “عندما فتحنا الجبهة، كان ذلك قربًا إلى الله وتخفيفًا عن أهل غزة وإسنادًا لهم، وقرارنا واءَم ما بين الرؤية الإستراتيجية والحاجة لمساعدة غزة ومراعاة المصالح اللبنانية، لأننا نعيش في بلد فيه ظروفه وأوضاعه”. في هذا يقول نصرالله إن مراعاة المصالح اللبنانية رؤية تكتيكية ولو داراها بينما مساندة غزة رؤية استراتيجية تحمل البعد الديني الملزم “قربًا من الله”، والتخفيف عن أهل غزة يتقدم على التخفيف عن أهل الجنوب اللبناني واللبنانيين بشكل عام.

تكشف حركة أمل سواء قصدت أم لا، عدم مراعاة “الحزب” للمصلحة الوطنية اللبنانية، وذلك من خلال بيانات نعيها لمن قدّمتهم حركة أمل في المعارك على أنهم “سقطوا على طريق الجنوب” و”دفاعًا عن جنوب لبنان وأهله”، وفي هذا تمايز متعمّد عن تعميم أمين عام “الحزب” لمؤسسات حزبه وقيادييه وعناصره في 25 تشرين الأول 2023 بتسمية من قدّمهم على أرض الجنوب اللبناني بأنهم سقطوا “… على طريق القدس”.

إذًا لم تغب المنطلقات العقائدية والدينية لحركية “الحزب” وأهدافه القريبة والبعيدة، وهذا ما انفك يتجلى في كل مسيرته الدينية السياسية والعسكرية منذ بيان التأسيس في 16 شباط 1985 وحتى الساعة. وبالعودة الى تصاريح نصرالله السابقة والحالية وملاءمتها مع الممارسة التطبيقية، قد نستطيع الاستنتاج بأن المصلحة الوطنية اللبنانية لم تكن يومًا في الحسبان وإن كانت، فهي في أسفل الاهتمامات والاعتبارات.

عند اعلان الوثيقة السياسية لـ”الحزب” في 30 تشرين الثاني 2009 والتي اعتبرها البعض تحولًا في موقفه نحو اللبننة، ردّ نصرالله على هذا البعض بقوله: “إن المواقف الفكرية والعقائدية والدينية لم تتعرّض لها الوثيقة لأنها غير خاضعة للنقاش”.

توضيحًا نقرأ من تلك المواقف “غير الخاضعة للنقاش” من البيان التأسيسي لـ”الحزب” الذي سُـمي بالرسالة المفتوحة الى المستضعفين في العالم، وقد تلاها السيد ابراهيم أمين السيّد في 16 شباط 1985 في حسينية الشياح ما يلي: “إننا أبناء أمة الحزب التي نصر الله طليعتها في إيران، وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم. نلتزم أوامر قيادة واحدة حكيمة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط. كل واحد منا يتولى مهمته في المعركة وفقًا لتكليفه الشرعي في إطار العمل بولاية الفقيه القائد. نحن في لبنان لا نعتبر أنفسنا منفصلين عن الثورة في إيران… نحن نعتبر أنفسنا ـ وندعو الله أن نصبح ـ جزءًا من الجيش الذي يرغب في تشكيله الإمام من أجل تحرير القدس الشريف”.

ومما قاله نصرالله نفسه وورد في صحيفة السفير في 16 حزيران 1986: “الأولوية في صراع الحزب محكومة بأسـاسين: تحرير القدس وإزالة اسـرائيل من الوجود، وحفظ الثورة الإسلامية في إيران”، كما نقرأ أيضًا من صحيفة السفير في 16 أيلول 1986، وعن لسان نصرالله: “إن الحزب أمة في لبنان لم تخرج من أجل سلطان ولا مال. هذه الأمة وجدت أن الحق لا يعمل به، فخرجت تصلح في هذه الأرض، كل الأرض، لتقيم فيها حاكمية العدل الإلهي التي تتواصل وتتكامل بظهور صاحب العمر والزمان”.

نصرالله قال أيضًا على ما أوردت صحيفة النهار في 9 آذار 1987: “كلنا في لبنان حاضرون للتضحية بأنفسـنا وبمصالحنا وبأمننا وسـلامتنا وبكل شـيء لتبقى الثورة في إيران قوية متماسـكة”، ليعود ويؤكد على ما جاء في صحيفة السفير في 12 تموز 1987: “لبنان وهذه المنطقة هي للإسلام والمسلمين، ويجب أن يحكمها الإسلام والمسـلمون”.

كذلك أوردت صحيفة النهار في 14 ايلول 1987 نقلًا عن أمين عام “الحزب” ما يلي: “نحن نعيش في كربلاء مستمرة”، لتعود مجلة العهد وتنسب اليه في 23 حزيران 1989: “دعانا الإمام لإقامة الحكومة الإسلامية في أي بلد نعيش فيه وهذا ما يجب أن نعمل له وأن نفهمه تكليفًا شرعيًا واضحًا، وأن نعمل له في لبنان وفي غير لبنان، لأنه خطاب الله منذ أن خلق آدم. إن الجمهورية الإسلامية في إيران مسؤوليتنا جميعاً وليست مسؤولية الشعب الإيراني وحده، وعلى المسلمين أن يخدموها ويساعدوها لأنها قلب الإسلام النابض وقرآن الله الناطق”.

كل ما مرّ من شواهد فكرية عقائدية ودينية وبالتالي سياسية، تؤكد المؤكد بأن رؤية “الحزب” الاستراتيجية تتخطى الحدود التي يعتبرها مصطنعة، وتتخطى المصالح الوطنية التكتيكية الدنيا لدول المنطقة لمصلحة الأمة الكبرى ووليّها نائب صاحب الزمان على الأرض مرشد الثورة الإسلامية في إيران. ولم يبّدل “الحزب” في أفكاره تبديلًا.

إقرأ أيضًا

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل