صبيحة إثنين الرماد التالي ليوم أحد عرس قانا الجليل، ينتقل معازيم أسبوع المرافع وخميس السَّكارى من دورة ليالي تعازماتهم وموائدهم ومآدبهم إلى كنائسهم الرعوية متوافدين توافد المنتقلين من حالٍ إلى حال، ومِن موضع إلى موضع، والموضوع الرهيبُ قائمٌ بتذكير كهنة الرعايا بما لا يُطيق معظم بني آدم أن يتذكَّرونه: “أذكر يا إنسان أنَّك تراب وإلى التراب تعود”!
أغصان زيتون مرمَّدةٌ ترميدًا بيعويًا بنارٍ غفرانيَّة أين منها نيران عليّقة موسى تتحوَّل إلى ميرونٍ معجونٍ بزيتٍ يُرسمُ صلبانًا تُرمِّد بشريًا وأرضيًا تعاليم أيديولجيا الخلود والخالدين ومفاهيم الشهرة والمشاهير، لينقلب التراب إلى مسطرةٍ صارمةٍ ذات مقياسٍ واحدٍ لا يفرِّق بين رأس ملك ورأس عبدٍ، أو رأسِ صاحب قصر ورأس صاحب كوخ، ولا بين رأس نابغةٍ عالمٍ ولا بين رأس جاهل أُمِّي، فما أرهبكَ يا يوم إثنين الرمَّاد وأنتَ تنذرُ كلَّ ما هو موجود بأنَّ ستأتيه ساعةٌ يفقد فيها شرعية الوجود!!
يسوع ابن الإنسان عامًا تلوَ عام يجدِّد
دخوله بريَّة الزهّاد الصّائمين يعيش طيلة أربعين يومًا حبيسًا تملأ صلواته بيت أبيه السماوي هياكل ستكون عصيَّة على تجّار الصلوات وصيارفة الطقوسيات، هياكل يسوعانيَّةٌ تتواصل من مغارة مزوده حتى جلجلة صليبه لن يستحقَّها إلاَّ المشمولون بآيات جبل التطويبات من الطوبى للبسطاء بالروح إلى الطوبى للجياعِ إلى البِرّ!
تمام يوم صيامه الأربعين وعند آخر حدود جوعه وعطشه، سيتواجه الحبيس الصائم يسوع مع رئيس هذا العالم، وستتمُ هذه المواجهة المُشوِّقة فوقَ جبلٍ بركانيٍّ يشرف على جميع ممالك الدنيا قد اختاره المُجرِّب الرجيم مصيدةً للإيقاع بالذي هو نور العالم. وهذه نماذج من الممالك التي عرضها بعلزبول على إبن الله الحي:
ـ مملكة أولى ينقل فيها يسوع مكان سجل قيد ولادته من مغارة بيت لحم إلى قصر هيرودس!
ـ مملكة ثانية يستبدل فيها يسوع تسمية يوحنا المعمدان أعظم مواليد النساء بتسميته يوحنا المجنون الذي لم يُبقِ له صوته الصّارخ صديقًا إلاَّ السيف الذي قطع رقبته!
ـ مملكة ثالثة يأمر فيها المعلّم يسوع بطرد سمعان بن يونا ورفاقه الإثني عشر الأميين من صفوف تلمذته، كي يختار بدلاً منهم فلاسفة اليونان وفقهاء الرومان كسرًا لآية “اختار الله جهّال هذا العالم ليخزي بهم الحكماء”!
– مملكة رابعة يجالس فيها يسوع الأباطرة والملوك والأمراء وسائر طبقات النبلاء ويمتنع عن دعوته الخطأة والعشّارين والمنبوذين والمحتقرين والغرباء والمُشرَّدين.
ـ مملكة خامسة يشارك يسوع فيها شخصيًا بمأتم “ذلك الغني” ويؤيد كل كلمةٍ دبَّجها رقيمٌ صادر عن رئيس الأحبار تعدد مآثر وأفضال إبن الأكابر على أمثال البائس “أليعازر”!
ـ مملكة سادسة شريعتها العين بالعين والسن بالسِّن والسيف بالسيف والخنجر بالخنجر، وليعتنق مقطوعو الظهر خرافة الغفران!
ـ مملكة سابعة دستورها: “كنت جائعًا فزيدوني جوعًا، كنت عطشانًا فزيدوني عطشًا، كنتُ مريضًا فزيدوني مرضًا، كنت عريانًا ومسجونًا وغريبًا ومُشرَّدًا فزيدوني عريًا وأصفادًا وغربةً وتشرُّدًا”!
هذه بعض من نماذج الممالك التي عرضها ابن الهلاك على ابن الخلاص قبل أن ينهي أيام صيامه ويذهب لملاقاة جميع الشعوب والأمم الجالسين في الظلم والظلمة!!
نحن شعب الصيام الكبير، فلنحمل زادنا الزّهيد الصادق الصدوق كي نتصالح بشفاعته مع روح ونفس أيَّة مجدليَّةٍ نتوسَّل محاسنها ومفاتنها سرًا ثم نرجمها علانيَّةً.. نحن أهل الصيام العظيم لعلَّنا نتبرَّر إن تبرّأنا من كلِّ “ابن أكبر” يقيم فينا يرفض عودة أخيه الشاطر الخائب التائب إلى أحضان أبيه، مُفضِّلاً عليه العجل المُسمَّن.. نحن أهل الصيام المبارك هل التزمنا بقانون إيمانٍ صياميٍّ نعلن فيه: “أنَّ أقدس الخبز هو الذي لا نأكله وحدنا”؟!
إنَّه زمن أسابيع معاناة الأبرص والمرأة النازفة والإبن الشاطر والمخلَّع والأعمى ودرب الصعود إلى الجمعة العظيمة، وصوت جهيرٌ نازل من فوق خسوف الشمس وتزلزل حجاب الهيكل يصرخ ملء الأرض والسماء: توبوا عن تيجانكم المقصّبة الموشّاة بالتطريز الفخيم، فقد اقترب تاج الملك المطرَّز بالعوسج والقطرب والشوك!!!
“المسيرة” ـ العدد 1750
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]