بعد 30 عاماً.. المتهم الرئيسي في كنيسة سيدة النجاة يروي

حجم الخط

رشدي رعد ـ سمير جعجعرشدي رعد ـ سمير جعجعرشدي رعد ـ السيناتور دبانةكنيسة سيدة النجاةكنيسة سيدة النجاة

أمام الحقيقة التي كان يملكها منذ اللحظة الأولى على ورود إسمه في ملف كنيسة سيدة النجاة، وبعد 30 عامًا على المصيبة التي قلبت حياته وغيّرت مسار عمر ذاك الشاب القواتي الذي حمل أحلامه وكمشة من تراب كفرنبرخ التي تهجّر منها، وهاجر إلى كندا…بعد 30 عامًا قرر أن يكسر صدى الصمت الذي سكنه على مدى ثلاثة عقود ويدلي بشهادته: “أنا رشدي رعد إبن بلدة كفرنبرخ الذي عاش المواجهات والتهجير وناضل في صفوف “القوات اللبنانية” ضد كل جندي ونظام أراد أن يسلب حق اللبناني في العيش بحرية وكرامة في هذه الأرض في أرض مجبولة بعرق رفاقنا الشهداء. أنا رشدي توفيق رعد المتهم الرئيسي في كنيسة سيدة النجاة”.

لعلها أكثر وأعمق من شهادة يدلي بها رشدي رعد من كندا حيث هاجر مع أهله منذ العام 1991 وحاولت سلطة الوصاية آنذاك وضع حزب “القوات اللبنانية” في قفص الإجرام من خلال إتهامه ومجموعة من الرفاق بتفجير كنيسة النجاة.

نعم بعد 30 عامًا قرر رشدي رعد (رئيس مركز مونتريال حاليًا) أن يتكلم، ويشهد للتاريخ عبر “المسيرة” عن مسيرة الظلم والمعاناة النفسية والإجتماعية والعملية التي واجهها وكيف تلقى خبر إدراج إسمه في الملف ولحظة صدور القرار الإتهامي، وصولاً إلى المحطة الفاصلة التي وقف عندها وكان يملك واحدًا من خيارين: إما الإستسلام لعملية التلفيق في ملف الكنيسة ووضع “القوات اللبنانية” في قفص الإتهام والمواجهة مع الرأي العام المسيحي وبالتالي ترحيله، أو الوقوف في وجه نظام الوصاية من خلال إثبات براءته كما “القوات اللبنانية” وقائدها سمير جعجع من تهمة تفجير كنيسة سيدة النجاة.

30 عامًا عمرٌ بحاله. 360 شهرًا وحوالى 10 آلاف و950 يومًا بصباحاتها ولياليها. قد لا يكفي عمرٌ بحاله لتدوين تفاصيلها المكلّلة بالصراع بين العنفوان والظلم، الإنكسار والمواجهة.

وحدها الحرية وإرادة العيش في الوطن الذي ارتضى أن يضحي فيه كما رفاقه في صفوف “القوات” بعمر المراهقة والشباب حسمت الجدل، فكان القرار بأن تكون شهادته بعد 30 عامًا للأجيال الطالعة والتاريخ.

ليل 30 حزيران 1991 حمل رشدي حقيبة جمع فيها ذكريات طفولته في كفرنبرخ وبعضًا من كتب ودفاتر خربش عليها خلال تلقيه علومه في دير المخلص والقليل القليل من الصور التي تحكي قصة أبطال تخرجوا من معهد التدريب في غوسطا ورفاق استشهدوا دفاعًا عن الأرض التي ناضل وقاتل وأسقط كل حسابات عمر الشباب من أجل الوصول إلى الوطن الذي حلم به.

تلك الليلة وقف رشدي مع أفراد عائلته على رصيف مرفأ جونيه مع حقائب العمر التي حزم فيها أحلام الماضي وضبابية الحاضر. وبحسب الترتيبات المتبعة خضع مع أفراد عائلته لتفتيش دقيق من قبل عناصر الأمن العام وتبين أن كل أوراقه الثبوتية خالية من أية شوائب. ومن رصيف مرفأ جونيه أبحرت العائلة  نحو قبرص، ومنها إلى الأردن وصولاً إلى مونتريال ـ كندا، وذلك على متن خطوط شركة “العالية” الأردنية للسفر إلى مونتريال. وقبل الغوص في درب الجلجلة التي بدأت مع أحد النازفة في 27 شباط 1994 يعود إبن بلدة كفرنبرخ في قضاء الشوف (مواليد العام 1965) إلى البدايات حيث كانت الذرائع التي دفعته إلى  حمل البندقية ويروي: “في سن التاسعة قرر أهلي إرسالي مع إخوتي الثلاثة إلى دير المخلص لتحصيل الدراسة في قسم الداخلي. لكن سرعان ما بدأت شرارات الحرب تلوح في الأفق عبر حوادث فردية لتتحول بعدها إلى حرب وجودية. وغالبًا ما كنت شاهدًا عليها.

ففي العام 1979 اقتحمت مجموعة مسلّحة حرم دير المخلص وتم خطف الريس المطران الراحل أندريه حداد. وقررنا الهرب خوفاً من وقوع حوادث إرتدادية. وقد وتولى أحد الآباء ويدعى الأب صبحية أصطحابنا إلى بلدة كفرنبرخ. وقبل الوصول إلى المنزل اعترضنا حاجز لمجموعة مسلّحين وتم إنزال الأب من السيارة حيث تعرض للشتائم والإهانات وكل ذلك على مرأى من عيوننا”.

عام 1985 تقدم رشدي بطلب إنتساب إلى المدرسة الحربية في الفياضية لكن الطلب بقي في الأدراج ولم يتلقَ أي جواب، فقرر أن يتقدم بطلب إنتساب جديد وهذه المرة إلى معهد بشير الجميل في غوسطا. وبعد خضوعه للإمتحانات تم قبوله في 14 تشرين الأول 1985 وخضع لدورة تدريب تخرّج في نهايتها برتبة ملازم، وعُيِّنَ لاحقاً  في مركز الشرطة العسكرية. وفي نهاية العام 1987 صدر قرار تشكيله إلى جهاز الأمن، حيث كان يشغل في البداية مهام أمن الحوض الخامس قبل أن يُعيَّن أمينًا للسر في شعبة الحماية والتدخل في العام 1989، وبقي فيها حتى نهاية العام 1991 تاريخ  مغادرته لبنان مع أفراد عائلته إلى كندا.

عن الأسباب التي دفعت توفيق رعد الى الهجرة إلى كندا يروي رشدي: “بعد اجتياح جيش الإحتلال السوري والأحزاب الموالية له المناطق اللبنانية، إضافة إلى حرب الإلغاء وتسليم حزب “القوات اللبنانية” السلاح وتحوله إلى حزب سياسي، بدأت فكرة الهجرة تراود العائلة. وازدادت قناعتي بهذا القرار بعدما أدركت إستحالة العودة إلى الجبل على المدى المنظور. وكانت العائلة منقسمة ومشتتة بين لبنان وكندا، فكان لا بد من إتخاذ القرار بالهجرة إلى كندا بعدما تقدمت بطلب تسريحي من قيادة “القوات اللبنانية” وتم قبوله”.

 

الصفعة التي قلبت حياته

عندما وصل رشدي إلى كندا كان عمره 25 عامًا. كل شيء كان يدور من حوله للمرة الأولى بدءًا من نظام العيش وصولاً إلى الحياة السياسية والإجتماعية هناك.  حاول كما كل مهاجر أن يتكيّف وأفراد عائلته مع المحيط وأسلوب العيش وتأمين الحد الأدنى من مقوّمات الصمود، فاشترى مع أشقائه متجرًا لبيع المأكولات والمشروبات والمواد الغذائية وتم توقيع عقد الشراء في الأول من تشرين الثاني 1991.

إلى حينه كانت عجلة الحياة تدور بشكل شبه طبيعي. وكان رشدي يمضي أيام الأسبوع في المتجر لمدة لا تقل عن 12 ساعة يوميًا “لأن نوعية العمل تتطلب أن يكون هناك حضور دائم لتلبية طلبات الزبائن وتسلّم البضاعة من التجار والتوقيع على العقود، وهذا أول دليل على أنني لم أغادر دولة كندا”.

التاسعة والربع من صباح الأحد 27 شباط 1994 أي الثانية والربع فجرًا بتوقيت كندا. رشدي رعد وأفراد عائلته يغطون في نومهم العميق. وكما العادة توجه صباحًا إلى المتجر. فجأة يرده إتصال من لبنان عبر هاتف أرضي، لأن الخليوي لم يكن متوافرًا بعد، ويخبره بالمجزرة التي حصلت. للحظات لم يستوعب رشدي كما كل اللبنانيين في دول الإغتراب حجم الجريمة لكنه أدرك أنها كانت مروعة كون الإنفجار وقع في كنيسة خلال إقامة قداس الأحد، مما يعني أن هناك حشد من المؤمنين، قال يومها.

فجأة جاء الإتصال الذي قلب حياته رأسًا على عقب. فالمتصل كان أحد الرفاق وقد أبلغه أن إسمه ورد في التحقيقات  كمتهم أساسي في تفجير الكنيسة إلى جانب رفاقه طوني عبيد وجان شاهين. وبدأت تنهال الأخبار تباعًا، ويقول: “كانت لحظات مروّعة ولن أنساها ما حييت. لحظات قلبت حياتي رأسًا على عقب، و لم أعد أعرف من أين أبدأ وكيف سأعيد ترتيب حياتي. فمن جهة هناك مسؤوليتي تجاه أفراد عائلتي وموقف الدولة الكندية، ومن جهة أخرى هناك الظلم الذي سأواجهه بسبب إتهامي زورًا فقط لأنني كنت منتسبًا إلى حزب “القوات اللبنانية”. حاولت الإتصال بكل من طوني عبيد وجان شاهين اللذين كانا يومها في أستراليا فكان رد الفعل واحدًا ذهول، علمًا أننا كنا نعلم تمامًا أن الهدف إخضاع “القوات اللبنانية” وتطويعها لأنها رفضت الخضوع لنظام الوصاية.

وعلى الهامش يستذكر رشدي ارتفاع كلفة الإتصالات في حينه، بحيث كانت تصل إلى 3 دولارات ونصف في الدقيقة الواحدة. “وأنا بالكاد أجني من ساعة عمل 7 أو 8 دولارات. إلى أن وصل بي الأمر إلى الإستدانة لتأمين كلفة الاتصالات”.

بعد التأكد من إدراج إسمه على لائحة المتهمين في تفجير كنيسة سيدة النجاة، قرّر رشدي الإبتعاد عن ضوضاء العمل والإختلاء بنفسه لمعرفة كيفية التعامل مع واقع “بيهدّ جبال”، كم يقول، ويضيف: “كنت أدخل إلى غرفتي وأغرق في التفكير بالسنوات التي أمضيتها في صفوف “القوات اللبنانية” مع الرفاق وكيف أسقطنا من حسابنا أجمل أيام العمر التي يعيشها الإنسان سواء في سن المراهقة أو بعدها على مقاعد الجامعة. تجاهلنا كل ذلك، وحملنا البندقية للدفاع عن وجودنا كمسيحيين بدءًا من حرب الجبل مرورًا بجبهات الشمال وصولاً إلى حرب الإلغاء”.

“أما على المستوى الديني، فعلى رغم إيماني وقناعتي بأن التهمة التي حاكتها سلطة الوصاية آنذاك كانت لوضع حزب “القوات اللبنانية” في قفص الإتهام وإلصاق صفة “مفجّري كنيسة” بالرفاق، إلا أن الصفعة كانت قوية، وقوية جدًا، خصوصًا أننا كعائلة تربطنا علاقة وطيدة بالكنيسة. فعمي أغناطيوس رعد رحمه الله كان مطرانًا، وخالي مسؤولاً في دير المخلص حيث كنت أتلقى علومي مع إخوتي في القسم الداخلي. والأبشع من كل ذلك أن التهمة التي أُلصقت بي تتعلق بتفجير كنيسة سيدة النجاة التي تربطنا بها كعائلة علاقة روحية مميّزة. فهي شفيعة العائلة ووالدتي نذرتنا جميعًا لسيدة النجاة. وعندما وصلنا إلى مونتريال وبدأنا في إفراغ الحقائب اكتشفت أن والدتي حملت معها صور “سيدة النجاة” وعمدت إلى توزيعها علينا. عدا عن صورة السيدة المعلّقة في صدر كل بيت من بيوتنا هنا في كندا. وبالآخر بطلع أنا متهم  بتفجير سيدة النجاة”.

على مدى الأيام كانت الأخبار عن التلفيقات التي أُلصقت بـ”القوات اللبنانية” في جريمة الكنيسة تصل تباعًا إلى كندا عدا عن الأخبار التي كان يضخها أتباع نظام الوصاية “بالقطارة”. وهذه القاعدة اعتمدها النظام السوري لإثارة الرأي العام المسيحي وتحريضه على “القوات اللبنانية”.

بعد حوالى الأسبوع قرر رشدي الخروج من دائرة مفاعيل الصفعة التي قلبت حياته وحياة كل أفراد العائلة رأسًا على عقب. ومن أولى الخطوات وضع خارطة طريق لبدء الإتصالات بالمراجع المعنية في كندا لأنه أدرك أن العودة إلى لبنان لإثبات براءته أمام قضاء يخضع لسلطة الوصاية آنذاك “من سابع المستحيلات” كما يقول.

 

متل الشهيد فوزي الراسي؟

المحطة الأولى كانت دائرة الهجرة “توجهت إلى هناك حاملاً معي الصحيفة التي تصدّر خبر تفجير كنيسة سيدة النجاة في 27 شباط 1994 صفحاتها الأولى وورد إسمي في المقال كمتهم رئيسي في الجريمة. أذكر أنني وقفت أمام المسؤول في الدائرة وقلت له “أنا رشدي رعد الذي ورد إسمه في المقال كمتهم رئيسي في عملية التفجير”. وبدأ يطرح عليّ جملة أسئلة، للتأكد من وجودي خلال هذه الفترة وقبلها وبعدها في كندا مع إبراز كل الوثائق التي تثبت ذلك وكان التعامل معي في غاية اللطف واللباقة”.

الوثائق التي أبرزها رشدي أمام السلطات الكندية كانت كافية لإبطال التهمة التي تم تركيبها من قبل نظام الوصاية آنذاك وتم إدراجها في القرار الظني، لكن كان لا بد من إبراز وثائق تؤكد على ذلك. “بتاريخ 25 شباط 1994 توجّهت قرابة العاشرة صباحًا إلى منزل صاحب الملك ويدعى روبن روسو لتجديد عقد الإيجار. وشاركت زوجته في الإجتماع الذي استمر حوالى الساعتين ونصف. ثم عدت بعدها إلى المحل التجاري وبقيت هناك حتى الحادية عشرة ليلاً. أما السبت 26 شباط فكنت طيلة الوقت في المحل حتى الحادية عشرة ليلاً، وقبل العودة إلى المنزل مررت إلى أحد المصارف وأودعت مبلغًا ماليًا وهو مثبّت من المصرف. في حين ورد في القرار الظني أنني كنت خلال هذا الوقت في كنيسة سيدة النجاة وتحديدًا في كرسي الإعتراف!”.

مفارقات عديدة وردت في القرار الظني يعود إليها رشدي اليوم كما باقي المتهمين للتأكيد على المؤكد: البراءة . لكنها في حينه فعلت فعلها في نفوس المتهمين وعائلاتهم، وكان لها الأثر الأكبر على مسار حياتهم الإجتماعية والعملية والعائلية، “كان الحمل كتير تقيل وكنت مقرر واجه هالمرحلة بقوة وإيمان وصلابة”. لكن أكثر ما يحز في نفسه أنه لم يتلقَ إتصالا من القنصلية اللبنانية في مونتريال أو السفارة في أوتاوا أو حتى من لبنان. “وكأن المطلوب كان تركيب الملف واتهام “القوات اللبنانية” وإحضار شاهد زور ليشهد بالباطل. وأكثر شي كان يعذبني بس إسمع بأسماء الرفاق اللي توقفوا وبس توقف الدكتور سمير جعجع وكيف كانوا عم يتعرضوا للتعذيب والإهانات… ما كنت أعرف شو بدي أعمل وكيف بدي ساعدن، وأكتر من مرة طرحت ع حالي السؤال لو كنت بلبنان وتوقفت شو كان مصيري؟ هل كان متل الشهيد فوزي الراسي أو باقي الرفاق اللي كانوا يتعرضون للتعذيب؟ كيف كانوا راح يتقبّلوا أهلي وشو راح يكون مصير إخوتي؟ صح أنا انتسبت لـ”القوات” وكنت برتبة ملازم أول والأكيد إني دافعت بكل إيمان وقناعة عن أرضي وأهلي وشعبي، بس ليش كانت الضريبة هلقد ظالمة وحاقدة؟ بس لأنو قررنا نتصدى لخيارات سلطة الوصاية ونخضع للمنظومة؟ إذا كان هيدا المطلوب فالأكيد ما راح نركع ونخضع وإلا ما كنا تخلّينا عن أحلى إيام شبابنا وتركنا مقاعد الدراسة تا نحقق للأجيال الطالعة لبنان اللي منحلم فيه، ويللي من أجلو كنا نسهر ع الجبهات تا يحتفلوا اللبنانيي بالأعياد. وأكثر من هيك استشهد لإلنا رفاق وأصيب آخرون بإعاقات”.

شريط طويل من الصور والمحطات لا تزال تحفر في ذاكرة رشدي كما كل قواتي عاش ولا يزال مرحلة الإضطهاد والظلم. ويؤكد “حتمًا أنا غير نادم على خياري وإذا عاد بي التاريخ إلى الوراء أعود إلى الجبهات إذا لزم الأمر لأنني لا أزال منتسبًا لـ”القوات” وأتولى حاليًا منصب رئيس مركز مونتريال في كندا، وأناضل للوصول إلى لبنان الذي نريد أن يعيش فيه الإنسان ويتمتع بحقوقه كمواطن في دولة ذات سيادة واستقلال”.

حتى اليوم لا يزال رشدي يطرح على نفسه أسئلة مصيرية مماثلة ويعيش الغصة بسبب عدم إعتراف الأجهزة الرسمية بالأدلة والوثائق التي تثبّت براءته “حتى إنو ما كلفو خاطرن يردوا”. وحدها نظرات الثقة والبراءة التي كان يلمسها في عيون أبناء الجالية اللبنانية في كندا كانت تعزيه عدا عن الدعم المعنوي والنفسي الذي حظي به من الرفاق واللبنانيين المنتشرين.

 

2003…رشدي رعد مواطن كندي

بعد مرور 3 أعوام على جريمة تفجير كنيسة سيدة النجاة، وبعدما ثبت للدولة الكندية الحقيقة التي كان المسؤولون الرسميون فيها على يقين منها، لكن لا بد من إجراءات رسمية، إنتقل رشدي للقتال على جبهة الحصول على جواز السفر الكندي وإعادة تنظيم سلّم أولويات حياته الإجتماعية والعملية والعائلية، فأوكل مجموعة محامين لدراسة الملف. وشاءت العناية الإلهية أن تتدخل فوضعت في دربه سيناتور من أصول لبنانية يدعى بيار دبانة (رحمه الله) “وكان له الفضل والدور الأكبر في إنجاز ملف جواز السفر الذي استغرق العمل عليه من العام 1998 حتى العام 2003. وفي تلك المرحلة كان لا بد من إعادة نبش كل الملفات “لكنني كنت على ثقة بأنني سأحصل على جواز السفر لأن الدولة الكندية كانت على ثقة ببراءتي لكن بالنسبة إلي كان بمثابة صك براءة”.

عام 2003 حصل رشدي على جواز السفر الكندي وبات يحق له كأي مواطن كندي المشاركة في الإنتخابات النيابية والبلدية. وعن تلك اللحظة التي دحرجت حجر الظلم الذي عاشه منذ العام 1994 حتى 2003 يروي: “عندما نلت جواز السفر اتصلت بمكتب وزير الهجرة لأتشكره، فأجابتني السكرتيرة “بالعكس نحنا إلنا الفخر تكون مواطن كندي”.

عام 2004 تزوج رشدي من إليان ملكي ورزقا بابنتين، ماريان (18 عامًا) وكارمن (16 عامًا). إلا أن فرحة العائلة التي كانت مؤلفة من 5 شبان وفتاة لم تكتمل، ففي العام 2011 توفي شقيقه رامي بعد صراع مع المرض. وقبل عام واحد كان انتقل والده إلى أحضان الآب ووُري الثرى في مونتريال.

ثمة من يقول إنهما انتقلا مطمَئِنّين على رشدي وعائلته الصغيرة،  لكن حسرة بسبب عدم تمكّن العائلة من إعادة الأب والأخ إلى تراب كفرنبرخ. والأكيد أن هذه العودة لن تتحقق ذات يوم بعدما أصبح كل أفراد العائلة في عداد المهاجرين.

لكن ثمة حلم سيتحقق يقول رشدي: “سأنزل إلى لبنان ذات يوم وتحديدًا في ذكرى تفجير كنيسة سيدة النجاة، سأدخل الكنيسة وأصلي لراحة أنفس كل الشهداء، وسأتقدم منها بالشكر لأنها استجابت لنذورات والدتي”.

إقرأ أيضًا

 

“المسيرة” ـ العدد 1751

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل