المحافظون يعززون سلطتهم في إيران.. تحالفات إقليمية جديدة ومواقف أكثر تشددًا

حجم الخط

شهدت الانتخابات البرلمانية الإيرانية الأخيرة، التي أجريت في آذار الماضي، فوزًا ساحقًا للمرشحين المحافظين وسط نسبة إقبال منخفضة جداً. فيما عززت هذه النتيجة هيمنة المتشددين على “مجلس الشورى الإسلامي” (البرلمان) و”مجلس خبراء القيادة”، وأكدت على عمق التوترات المستمرة في مجال السياسة الإيرانية، وبُعد الهوّة بين الحكّام والشعب الإيراني.

41 في المئة فقط من الإيرانيين المؤهلين بأصواتهم، صوّتوا في انتخابات البرلمان الإيراني 2024، وهو ما يمثل أدنى نسبة مشاركة منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979. وجاءت نسبة المشاركة هزيلة بعد مقاطعة المعارضة الإيرانية العملية الانتخابية، على الرغم من الدعوات المكثفة التي أطلقها المسؤولون الإيرانيون لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات.

وكانت شخصيات سياسية ودينية، ومن بينهم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، قد وجّهت على مدار الأسابيع التي سبقت الانتخابات دعوات إلى “المشاركة الواسعة” في العملية الديمقراطية التي اعتبرها “واجبًا شرعيًا ووطنيًا”، فيما قال قائد “الحرس الثوري الإيراني” اللواء حسين سلامي إن “أصواتنا تبعث الأمل لدى جبهة المقاومة وتحبط الأعداء وتثير اليأس فيهم”.

وانخفضت في الأعوام الماضية نسبة المشاركة لتبلغ 42.5 في المئة عام 2020، بينما شارك نحو 62 في المئة من الناخبين عام 2016، وهو ما يُظهر هوة تزداد اتساعاً بين النظام السياسي والشعب الإيراني.

عمليًا، كانت المنافسة الانتخابية المحدودة قائمة بين المتشددين والمحافظين الذين أعلنوا ولائهم لمبادئ الثورة الإسلامية، بينما لم يشارك المعتدلون والمحافظون البارزون في عملية الترشيح والانتخاب، كزعيم التيار الإصلاحي والرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي الذي لم يُدلي بصوته لأول مرة في تاريخ الانتخابات الإيرانية المتنوعة.

وانطلاقًا من ذلك، واجه المحللون صعوبة في تحديد السبب الدقيق وراء هذا الانخفاض الكبير في المشاركة. هل تكون “لامبالاة” الناخبين أم احتجاجًا متعمّدًا على استبعاد المرشحين المعتدلين والإصلاحيين من قبل “مجلس صيانة الدستور” ووزارة الداخلية، وهما الجهتان المسؤولتان عن التدقيق في صورة المرشحين للانتخابات، تحضيرًا لقبولهم أم رفضهم؟

من المؤكد أن دعوة البعض مثل نرجس محمدي، الحائزة على جائز نوبل للسلام والمسجونة حاليًا في إيران، إلى مقاطعة الانتخابات، أثرت على نسبة المشاركة، في حين لم يقوَ آخرون على رفع الصوت والدعوة لذلك علناً، مكتفين بعدم المشاركة.

وتأثرت نسبة المشاركة المتدنية في العملية الانتخابية بعد تهميش الأحزاب الوسطية والإصلاحية والمعتدلة، وذلك بعد رفض طلبات ترشيح العديد من شخصياتها من قِبل وزارة الداخلية. ويرى كثيرون أن نسبة واسعة من الشعب الإيراني فقد الثقة في قدرة الحكومة والسلطة على حلّ الأزمة الاقتصادية، نتيجة لمزيج من العقوبات الأميركية، وسوء الإدارة والفساد، وتحكم رجال العسكر في شؤون الاقتصاد والمجتمع.

وبغض النظر عن سبب ضعف الإقبال، جاءت النتيجة لصالح السياسيين المحافظين. وأشارت النتائج الرسمية إلى أداء قوي للمرشحين المحافظين للغاية، حيث تصدّرت شخصيات بارزة مثل محمود نبويان وحميد رضا آئي قائمة المرشحين في العاصمة طهران. وتتماشى الهيمنة للمتشددين مع الاتجاه السياسي الأوسع الذي أعقب الاحتجاجات في إيران عام 2022 والتي اندلعت بسبب وفاة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى الشرطة. وعلى ما يبدو، فإن رد الحكومة على الاحتجاجات، إلى جانب الصعوبات الاقتصادية المستمرة، قد أدى إلى مقاطعة كبيرة من قطاعات واسعة من السكان الذين امتنعوا عن التصويت.

وعلى الرغم من محدودية تأثيراتها الداخلية، إلا أن الانتخابات البرلمانية أثارت تساؤلات حول مستقبل السياسة الإيرانية في الداخل وفي المنطقة. فمع تراجع حركة الإصلاحيين وتعزيز قبضة المحافظين على السلطة، يُرجّح أن تتقلص مساحة الخطاب السياسي والمعارضة والحريات الضئيلة أصلاً في الداخل الإيراني.

ويُتوقع أن يكون للانتخابات نتائج على السياسة الإقليمية الإيرانية كذلك، حيث يُنظر إلى المحافظين على أنهم أكثر تشددًا في سياستهم الخارجية. ويميل هؤلاء إلى إطلاق مواقف أكثر عدوانية تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل، الأمر الذي يمكن أن يزيد من حدّة التوترات الإقليمية، خصوصًا مع تعثر المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، وتزايد حدّة الحرب بين إسرائيل والمنظمات الموالية لإيران في لبنان وسوريا.

من المُتوقع أن تُؤدي هيمنة المحافظين إلى تراجع الاعتماد على الدبلوماسية كأداة لحلّ النزاعات الإقليمية. يميل المحافظون إلى اتّخاذ موقف أكثر تشددًا في السياسة الخارجية، مع التركيز على استخدام القوة لفرض مصالح إيران في المنطقة.

في المقابل، يمكن أن يُساهم المحافظون والمتشددون في تعزيز العلاقات مع روسيا والصين، حليفتي إيران الرئيسيتين، مما قد يؤدي إلى تشكيل تحالفات إقليمية جديدة تُعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة.

كذلك الأمر، يُعرف المحافظون بدعمهم للجماعات الشيعية في المنطقة، مثل “الحزب” اللبناني والحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق وعشرات الألوية والفرق المقاتلة في سوريا المتمركزة خصوصًا في محافظة دير الزور وفي ضواحي دمشق، ما قد يؤدي إلى ازدياد التدخل الإيراني في شؤون الدول العربية، ويُفاقم، بالتالي، من التوترات الطائفية في المنطقة.

مشاكل وأزمات عديدة تنتظر المحافظين في إدارة الحياة السياسية في إيران، ومنها معالجة الصعوبات الاقتصادية مع استمرار العقوبات الغربية والفساد الداخلي. إلا أن المرجَّح أن يكون فوز المحافظين دافعاً لبحث الإصلاحيين عن طرق جديدة وبديلة للعمل السياسي في الداخل الإيراني، وربما اختيار طريق أكثر عنفًا ولا تتعلق بالانتخابات البتة، إنما بالاحتجاجات الشعبية.

إقرأ أيضًا

إقرأ أيضًا

“المسيرة” ـ العدد 1751

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل