في ظل الخطر الوجودي الذي يشكله ملف وجود النازحين السوريين غير الشرعيين في البلاد، تتعاظم كرة الثلج اللبنانية – الوطنية وتُجمع بأن لبنان غير قادر على استيعاب أعداد النازحين السوريين بعد هذه السنوات في ظل أزماته المتراكمة خصوصاً مع وجود مناطق آمنة في سوريا. وفي هذا المجال، شكلت بكركي البوصلة في هذا الملف من خلال طاولة مغلقة عُقدت في الصرح البطريركي أمس الخميس لمناقشة ملف النازحين السوريين في لبنان، برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ومشاركة وزراء ومعنيين في هذا الملف.
في سياق متصل، قام وفد من نواب تكتل الجمهورية القوية، باسم حزب القوات اللبنانية ورئيسه سمير جعجع والتكتل، بتقديم كتاب إلى المكتب الإقليمي للمفوضية في بيروت، بشخص ممثل المفوضية إيفو فرايسن. وطالب المفوضية بوقف “الممارسات التي تتعارض مع المرسوم الذي أصدرته الحكومة اللبنانية في 30/10/2003، وقضى بإبرام مذكّرة التفاهم الموقّعة بين المديرية العامة للأمن العام، وبين المفوضية، حول التعامل مع المتقدّمين بطلبات اللجوء لدى مكتب المفوّضية في لبنان الذي لا يعدو كونه بلد عبور وليس بلد لجوء”.
في هذا المجال، علمت “نداء الوطن” من أوساط ديبلوماسية أنّ الجهات المعنية في المفوضية دافعت عن نفسها في وجه الاتهامات بأنها تدعم بقاء النازحين السوريين في لبنان، بحجة أن “المساعدات ليست محصورة بالسوريين، بل يستفيد منها اللبناني أيضاً من خلال دعم الوزارات والمشاريع والبنى التحتية. كما أنّ لبنان بأمس الحاجة اليها في ظل الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ عام 2019 ولغاية اليوم”.
أضافت هذه الجهات بحسب الأوساط الديبلوماسية أنّ “تدفق النازحين السوريين الى لبنان، هو نتيجة حاجة اللبنانيين الى السوريين، وبالتالي فمن أبقى السوريين في لبنان، ليس المساعدات التي توفرها المفوضية، بل الوظائف المتاحة لهم”.
تابعت جهات المفوضية قائلة “إنّ إعادة النازحين الى سوريا، دونها استحالة تتعلق بنظام الأسد الذي لا يسهل العودة، وبإعادة الإعمار في سوريا الذي لم يحصل. ومن عاد من النازحين طوعاً الى سوريا عاد مجدداً الى لبنان لعدم وجود وظائف لهم هناك”. أما بالنسبة الى ترحيل النازحين الى بلد آخر، فقد تم في سنة واحدة ترحيل 9 آلاف نازح فقط الى أنحاء مختلفة في العالم من أصل مليوني نازح في لبنان، بحسب هذه الجهات.
دافعت الجهات نفسها عن المفوضية بالقول إنها ليست ضد فكرة إقفال الحدود بين لبنان وسوريا، كما أنها ليست ضد فكرة عدم عودة النازح مجدداً الى لبنان، لأنّ هذا الأمر لا يرتبط بالمفوضية، بل بالأجهزة الأمنية اللبنانية.
أشارت الى “تراجع تمويل المفوضية، ولم يعد بامكانها إعطاء العائلة السورية النازحة شهرياً سوى 115 دولاراً، وهو مبلغ لا يكفي لبقائها في لبنان، بل إنّ الوظائف التي تتوافر لها هي التي تبقيها في لبنان”.
في خلاصة الموقف كما استشفته الأوساط الديبلوماسية أنّ مفوضية اللاجئين تنظر الى لبنان بصفته “بيئة حاضنة لفرص العمل والفوضى واللاقانون واللاحدود”. وبالتالي تعتبر “أنّ هذه مشكلة لبنان وليست مشكلة المفوضية”.
في موازاة ذلك، وفي قراءة لطاولة بكركي التي انعقدت أمس، قالت مصادر كنسية لـ”نداء الوطن”، إنّ الاجتماع الأول حقق أهدافه وحوّل قضية النزوح من مسيحية الى وطنية. وأتى إيفاد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ممثلاً عنه الى بكركي وهو وزير الداخلية بسام المولوي بمثابة تأكيد على “البعد الوطني لملف النزوح، كما أنّ بكركي نجحت في وضع الدولة بوزاراتها وأجهزتها أمام مسؤولياتها وعدم ترك التفلت الحاصل رهن حصول قرار دولي يسمح بالعودة”. وهذه النقطة كانت عنوان تشدّد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، إذ إنّ بكركي مع فصل عودة النازحين عن حل الأزمة السورية.
ومن ناحية ثانية، لم تقتصر الطاولة على طرح النظريات، بل وصلت الى حد مناقشة كيفية متابعة الموضوع على الأرض وبدء عملية العودة، وشكل حضور قائد الجيش العماد جوزف عون رسالة واضحة في دحض كل الكلام على أنّ ضغوطاً فرنسية وأوروبية تمارس على القائد وبقية الأجهزة، خصوصاً بعد هبة المليار يورو من أجل وقف الاجراءات في حق السوريين المخالفين.
وتشدد المصادر الكنسية على أنّ بكركي «ستذهب في المواجهة حتى النهاية مهما اشتدت الضغوط متحصنة بقرار مسيحي شامل وبقرار وطني أيضاً».