غالبًا ما وقعت الجماهير الممانعة في خطأ قراءة الواقع باستباق متأمل متمني حالم تفاؤلي، كما في خطأ التوقعات المبالغة بالنجاحات والانتصارات، ودائمًا ما أملى الممسك بقرار ومصير تلك الجماهير ويملي هذه القراءة، مضلّلا متلاعبًا عن سبق إصرار وترصد، ترويجًا وتسويقًا لحقيقة ما يُضمَر وما خبِّيء من الممانعة من ذاك التحوير، باعتماد هذا الأسلوب في التخدير…
ما ذُكر يدخل في باب بروباغندا الممانعة، والبروباغندا بشكل عام، تُعرَّف بأنها نشرٌ للمعلومات بطريقة أحادية المنظور وتوجيه مجموعة مركزة من الرسائل، بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد ممكن من الأفراد، وهي مناقضة للموضوعية في تقديم المعلومات.
لم تكن إطلالة أمين عام “الحزب” الأخيرة بدخيلة على سلسلة “الدعاية” السياسية المبشّرة، بتأكيد النصر القريب المبين، كما لم تكن قراءته لما جرى من حدث جلل في رفح، بخارجة عن المسلسل الطويل للممانعة، من القراءات “ذات الطابع العلمي والمنطقي”، التي تفضي جميعها الى حتمية هزيمة إسرائيل واقتراب إزالتها كدولة وكيان.
على الرغم من وسم هذا النوع من القراءات كماركة مسجّلة باسم الممانعة ورئيسها نصرالله، فإن الأداء يكاد يكون واحدًا مشابهًا مطابقًا بين الممانعين وغيرهم من حملة القاسم المشترك في الخداع والتضليل والإيهام، بأن كل الأحداث ولو كانت كارثية، لا بدّ أنها ستلعب لمصلحة هذا المؤدي.
على سبيل المثال ومن قلب المآسي والدمار أطل الرئيس السابق ميشال عون في 25 آذار 1989 مبشّرًا اللبنانيين بإيجابيات نتائج ما أطلقه في 14 آذار بقوله: “إن بيروت دمّرت سبع أو ثماني مرّات ولا بأس إذا كان علينا أن نبني بيروت جديدة الآن، فلتكن المرّة التاسعة”، كما أطلّ هو نفسه في 7 أيار 2008 قائلًا مبشّرًا متأملًا متفائلًا، “القطار أصبح على السكة الصحيحة” وطبعًا ومن ضمن سياق الممانعة الحالم “المنطقي العلمي” المذكور آنفًا، أبدى تفاؤله في 7 آب 2020 قائلا: “تفجير 4 آب فك الحصار وستبدأ عملية إعادة الإعمار بأسرع وقت”.
لم يختلف هذا الأداء في التعاطي مع الكارثة التي تمثلت بالزلزال الذي ضرب سوريا، إذ اعتبره باسيل فرصة لفك الحصار عنها، تمامًا كفرصة تفجير المرفأ، إذ قال في 6 شباط 2023: “الزلزال الذي ضرب سوريا يستوجب تضامنًا إنسانيًا من روحية ميثاق الأمم المتحدة، يبدأ بفك الحصار عنها وفتح الحدود أمام وصول المساعدات من كافة الدول وخاصة العربية منها”.
على الرغم من ما تكبده المواطنون الفلسطينيون واللبنانيون في غزة والجنوب والبقاع، ويتكبدونه من خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات والاستقرار والاقتصاد، ما زالت قراءات الممانعة المعتمدة لما هو واقع ومتوقع wishfull thinking تهبط من أعلى الهرم الى آخر مواطن مجيّش معبّأ مضلل، من جماهير الممانعة. ففي 5 كانون الثاني 2024 ومن ضمن السياق نفسه يقول نصرالله متفائلًا واعدًا: “بركات الوقوف الى جانب غزة ستثمر في لبنان والعراق… وما يجري في الجنوب يفتح فرصة جديدة للبنان بأن يتمكن بعد انتهاء هذه المعركة، من تحرير بقية أرضه وتثبيت معادلة تمنع فيها العدو الإسرائيلي من اختراق أجوائنا وبحرنا وحدودنا. نحن أمام فرصة حقيقية لتحرير كل شبر من أرضنا اللبنانية ومنع العدو من استباحة حدودنا وأجوائنا”، ليستنتج مكرّرًا الأداء في قراءة نتائج الكوارث في 28 أيار 2024 بقوله: “مجزرة رفح والدماء في غزة ستعجل من انهيار هذا الكيان ولا نرى أي مستقبل لهذا الكيان النازي في منطقتنا”.
لن نجد أفضل من توصيف متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة لما ذكرنا ولما يقوم به نصرالله وشركاؤه في مقارباتهم وتوقعاتهم غير الواقعية، إذ يقول في 26 آذار 2023: “الكاذبون لا ينفكون يطلقون التطمينات الواهية والآمال الكاذبة”.