تتكثف التصاريح والحملات التي يطلقها المعنيون وغير المعنيين من الثنائي “أمل ـ الحزب” في الشؤون القانونية والدستورية و”الدولاتية”، لتتكشّف معها الغاية العليا التي ما انفكّ يعمل عليها هذا الثنائي، جاهدًا، مثابرًا، معطلًا، مقاتلًا، منقلبًا على القوانين والدستور، الواضح الجلي، متخطيًا بذلك للصلاحيات المنصوص عنها في تلك القوانين، وفي مقدمة ومتن الدستور، لمصلحة ما يعتبره وعن خطأ معرفي بديهي، “عرفًا”، يفوق القوانين قوةً وإلزامية، في الاحترام والتطبيق.
يعرّف العُرف بأنه مجموعة من المعايير أو المفاهيم أو المعايير الاجتماعية أو المقاييس المتفق عليها أو المنصوص عليها أو المقبولة بشكل عام، والتي كثيرًا ما تأتي في صورة عادة.
في حالتنا، يروّج الثنائي ويعمل في ما ورد على ألسنة أركانه هذا الأسبوع، من محاولات فرض عُرف غير متفق ومنصوص عليه، ولا مقبول بشكل عام ولا بأي شكل من الأشكال من بقية أطراف وأطياف المجتمع اللبناني، وإذا اعتمد كـ”عادة” يكون عادةً سيئة وجب الإقلاع عنها.
يقول رئيس حركة “أمل” إن “المكان الطبيعي لأي تشاور هو مجلس النواب، والمجلس مؤسسة لها رئيس، والرئيس أيًّا يكن اسمه هو المعني بأن يترأس جلسة التشاور بين الكتل، هذا الحق ليس ملكًا شخصيًا لي حتى أتنازل عنه وإنّما يرتبط بالموقع وصلاحياته”.
وكان رئيس كتلة “الحزب” محمد رعد قد مهّد له بقوله: “رئيس المجلس المكلّف والمولج دستوريًا الإعداد لآليات انتخاب رئيس للجمهورية، دعا إلى حوار كما جرى العُرف. والعُرف عندنا أقوى من الدستور إلى أنّ الرئيسين السابقين ميشال سليمان وميشال عون جاءا بانتخاب بعد جلسة حوار”، ليكمل “مرشد جمهورية العُرف” في لبنان تهويله بقوة العتاد والعدد بوجه من يريد للقانون وللدستور أن يكونا ملجأ ومنهلًا في ممارسة السلطات وتحديد الصلاحيات.
نبدأ من تهويل نصرالله وتهديده وتخويفه في الـ2024، ليتلاقى في الاداء القانوني والدستوري مع تهديد رئيس مجلس النواب للدولة الشرعية بـ 6 شباط جديد، في أثناء ولايته الثانية، لترؤسه المجلس الشرعي التشريعي الرسمي، وذلك في 16 شباط 1997 لدى استقباله المعتدين على الأملاك العامة والمصادرين لها وللأملاك الخاصة، المعترضين على قرار الدولة القانوني بإخلائهم من حي المرامل في الأوزاعي لصالح “مشروع اليسار”، إذ يقول مهددًا: “6 شباط ليست ببعيدة وعلى الجميع تعلّم الدرس جيدًا”.
بما أن العُرف غير المتفق والمنصوص عليه حسب كل من بري ورعد ونصرالله هو من يملي على الثنائي حركته السياسية ودعواته الملغومة للحوار، كممر إلزامي حتمي ووحيد لرئاسة الجمهورية، من المفيد التأكيد أن ما يرمي اليه الثنائي هو تكريس عُرف “أقوى من الدستور” ـ حسب توصيف رعد ـ يلغي آلية انتخاب الرئيس الواضحة والمنصوص عليها في القوانين والدستور بروحه ونصه، واستبدالها بوصاية “ثنائية شيعية” قرارها بيد “الحزب”، يطبقها مخالفًا لصلاحياته المحصورة المنصوص عنها بالقانون والدستور، رئيس حركة “أمل” في المجلس النيابي.
إضافة الى أن الدستور لا ينص ولا يلمح لا من بعيد ولا من قريب، على حوار أو تشاور من ضمن الآلية المعروفة المتفق عليها والمنصوص عنها لانتخاب رئيس الجمهورية، فإن الدستور نفسه يحصر صلاحيات ووظيفة مجلس النواب وكتله كما رئيسه، ببنود واضحة مفصلة لا تمت بأي صلة لما يحاول الثنائي ترويجه أو فرضه.
لقد سبق للثنائي الشيعي أن حاول الباس مطالبه حججًا قانونية دستورية وعرفية في موضوع احتكار الشيعة لوزارة المالية وفرض التوقيع الشيعي الثالث تمهيدًا للمثالثة في الحكم، برواية أن محاضر مناقشات اتفاق الطائف توصلت الى اتفاق غير مكتوب بإعطاء الشيعة حقيبة المالية، في حين أن “حافظ المحاضر” وأمين سرّها الرئيس الراحل حسين الحسيني المرحّل عن رئاسة المجلس النيابي لمصلحة برّي، لم يكشف هذا الأمر في أي تصريح أو مرحلة من المراحل، وفي حين أن وزارة المالية في حكومات ما بعد الطائف لم يشغلها شيعي منذ العام 1992 حتى العام 2014 وكان الثنائي راضيًا مرضيًا عن مخالفة العُرف غير المعروف، إذ تعاقب على وزارة المالية كل من الرئيس رفيق الحريري السني وكان فؤاد السنيورة وزير دولة للشؤون المالية والماروني جورج قرم في العام 2000، والأرثوذكسي الياس سابا في 2004 والمارونيين دميانوس قطار وجهاد أزعور في 2005 وريا الحسن ومحمد شطح السنيين في 2009 ومحمد الصفدي في 2011.
كل ما ذكر وما قيل ما هو الا دليل على فرض “الشيعية السياسية” بقوة السلاح والتهديد والتخويف والتي بدأت بانتزاع الثلث المعطّل في حوار الدوحة وليس انتخاب ميشال سليمان حسب زعم محمد رعد بعد اجتياح بيروت والجبل في 7 أيار 2008 كما في انتزاع حق الثنائي بالفيتو على القرارات الوطنية، وهنا يقول الرئيس برّي، عندما كان النظام السوري اللبناني ممسكًا الحكومة والمجلس النيابي والإدارات، بالأكثرية الممانعة، في 12 تشرين الاول 2004: “لن نقبل أن يكون لفئة أو لطرف الحق في الفيتو على القرار الوطني”، كذلك تم فرض “الشيعية السياسية” في وزارة المال كما ذكرنا، ويعمل الثنائي على استكمالها بفرضه الوصاية الشيعية على رئاسة الجمهورية وتعطيل آلية الانتخاب بالحوار المحوِّر للديمقراطية الحقة.
إن خير من كشف عمّا يحاك من وراء مؤامرة الثنائي من الحوار وفرض الخيارات والقرارات على قسم كبير من اللبنانيين رغم إرادتهم وعلى طغيان ما سمّاها رعد قوة “العُرف” على الدستور، هو مرشد الثنائي والممانعة نصرالله بقوله في 13 آذار 2018: “مكانة ولاية الفقيه فوق الدستور اللبناني”.