بالوقائع ـ الاستيلاء على الأراضي خطوة في “مشروع الحزب”

حجم الخط

الحزب ـ كنيسة لاسا

كان لافتًا كلام النائبة عن دائرة صيدا ـ جزين في تكتل “الجمهورية القوية” الدكتورة غادة ايوب في برنامج صار الوقت في 5 حزيران 2024، عن “استيلاء” الحزب على أكثر من 20 مليون متر من الأراضي في دائرتها وفي الجنوب. البعض اعتبر أن كلام أيوب هو في إطار المبالغة والتحريض على المقاومة والتجنّي على المقاومين… إلا أن اللبنانيين عامة وأبناء الدائرة المذكورة خاصة من كافة الطوائف والأحزاب والتيارات، يعلمون علم اليقين أن ما تقوله أيوب إنما ينسحب على دوائر ومناطق ومحافظات أخرى لا علاقة لها بالمواجهة مع إسرائيل بشكل مباشر، ولا هي على تماس مع الأراضي المحتلة بأي شكل من الأشكال، بل للأسف، تشكّل تماسًا طائفيًا وسياسيًا مع من يعتبرهم “الحزب” عن خطأ، “أعداءً” له في الدين والمذهب والسياسة.

قبل ان نتنقّل بين العيّنات والبيّنات عن تلك “الاستيلاءات” و”المصادرات” و”الاغتصابات” وحتى “انتقال الملكيات تحت الضغوطات”، من الضروري ومن الأهمية بمكان، أن نضيء على خلفيات تلك “السياسة” الممنهجة التي يعتمدها الحزب ومؤسساته والتي تُرجِعها الى ضرورة إحقاق الحق الديني والتاريخي والعقائدي.

في شريط فيديو مصوّر في الثمانينيات، يقول أمين عام “الحزب” في محاضرة له: “إن المشروع الأول والوحيد في هذا الكون هو مشروع الدولة الإسلامية. مشروع الدولة الإسلامية توحيدي أكثر مما يتصور هؤلاء الناس، وليس مشروعًا تقسيميًا. نعم لو كنا نتحدث عن كانتون شيعي في الضاحية الجنوبية، لكان مشروعًا تقسيميًا. أما نحن فنتحدث عن دولة إسلامية. ونحن حتى لو أقام بعض الناس كانتونات، فإننا لن نسامح من سيقيم كانتونًا مسيحيًا في المنطقة الشرقية، وفي جبيل وكسروان، لأن هذه مناطق المسلمين وقد جاءها المسيحيون غزاة. جاءت بهم الإمبراطورية البيزنطية ليكونوا شوكة في خاصرة الأمة”. في 13 آذار 2018 نقل موقع فيردا الإيراني عن نصرالله قوله: “الكثير من الشيعة تسنّنوا، ومدينة طرابلس قبل 100 عام كانت للشيعة، وسكانها من الشيعة، ومدينة صيدا كانت شيعية، والآن أصبحت سنية… وجزين كانت شيعية وأصبحت مسيحية”.

نبدأ من “الشوكة” في خاصرة “أمة الحزب” بقراءة وثيقة رسمية تعود الى مديرية المخابرات في الجيش اللبناني صادرة في 22 حزيران 2008 عند الساعة 5:33 عصرًا وتحمل الرقم الصادر 24276 ورقم الوارد 7231/ف.م.ج.ل التي تحدّثت عن التعرّض لشبان مسيحيين كتائبيين في منطقة صنين من قبل مجموعة من المسلحين، قالوا إنهم ينتمون الى “الحزب” ويقيمون مخيم تدريب عسكري دائم في المنطقة المشرفة على كسروان وجبيل والمتن… بحجة وذريعة الخوف من إنزال عسكري إسرائيلي!

طبعًا لم تكن هذه الحادثة على تماس كسروان والمتن، منعزلة عن عمليات استيلاء ووضع يد متمادي على الأراضي والعقارات في لاسا والعاقورة وتنورين، بشكل ممنهج مغطّى من الحزب وشيوخه وأسياده وحليفه الأملي في السلطتين الدينية والسياسية، ويقول المفتي الجعفري الممتاز الشيخ الراحل عبد الأمير قبلان في موضوع العقارات “المسلوبة” في منطقة لاسا الجبيلية في 22 تموز 2011: “معلوماتي ان لاسا وجوارها لأهل لاسا ونحن بالمرصاد لكل غاشم وظالم”، في حين أن الوثائق والصكوك أثبتت وتثبت أنها أملاك الكنيسة المارونية، وهنا يستوقفنا تحويل كنيسة سيدة الوردية في لاسا الى حسينية… وبعد اعتراضات البطريركية والمطرانية وتأكيدات المسّاحين الذين تعرّضوا للضرب على أيدي عناصر “الحزب”، قام وفد منه برئاسة غالب ابو زينب في 15 أيلول 2008 بزيارة رئيس تكتل “الإصلاح والتغيير” العماد ميشال عون، حيث سلمه مفتاح كنيسة الوردية في لاسا، والملفت، لا بل والمستهجَن، أن قناة المنار الناطقة باسم “الحزب” ذكرت في نشرتها المسائية يومها، “أن وفد الحزب سلم العماد ميشال عون مفتاح الغرفة في لاسا”… قصة كنيسة الوردية تُستكمل  أيضًا بقيام “أتباع الحزب” في اليمونة، بالسيطرة على مشاعات عائدة إلى بلدية العاقورة. وقد نجحوا في فرض سيطرتهم على أرض تبلغ مساحتها 11 مليون متر مربع وتعود إلى أهالي تنورين.

ومُساندةً لـ”الحزب” ومشروعه باقتلاع “الشوكة” من خاصرة “أمة الحزب” والتمادي في الاستيلاء على الأراضي والعقارات،  قام وزير المالية “الأملي”، بإصدار قرار في 31 كانون الأول 2014  نص على نقل ملكية جرود جبل لبنان من ملكية أهالي القرى والبلديات إلى الجمهورية اللبنانية (وهي تعني الملكيات العائدة للمسيحيين وكنيستهم وأوقافهم)، فتصدّى له البطريرك والأهالي والقوى المسيحية الفاعلة… فتراجع.

ولأننا نتحدث عن جبل لبنان لا بد من الإشارة الى الضاحية الجنوبية، “معقل الحزب”، حيث كان يشكل المسيحيون الغالبية فيها، كحارة حريك حيث كانت النسبة 95%، وبرج البراجنة التي كانت مختلطة بين مسيحيين ومسلمين وشيعة وتحويطة الغدير والليلكي حيث كانت نسبة المسيحيين 100%، إذًا، كانت 73% من أرض الضاحية الجنوبية لهم، ليمتلكوا اليوم 6 بالمئة منها فقط، وهذه النسبة القليلة مصادرة ومغتصبة ومبني عليها من غير مالكيها… وهنا لا بد أن نتوقف عند العقار 1244 برج البراجنة،  البالغة مساحته 100 ألف متر مربع، والتي تعود ملكيته الى مطرانية بيروت المارونية، فبعد شراء شركة “راضي” ومؤسسة الشهيد الخيرية مجتمعتين حصة من العقار لا تتعدّى الـ30 بالمئة من العقار في الثمانينات، قامت مؤسسة الشهيد “التابعة للحزب” بتشييد مسجد ومستشفى الرسول الأعظم على كامل العقار، وقدّم مطران بيروت آنذاك بولس مطر دعوى بحق المغتصبين وأُرسل المباشرون للتبليغ، فتعرّضوا للضرب والطرد على يد  حرس مسجد الرسول الأعظم. وفي الحديث عن الضاحية أيضًا تقوم بلدية الغبيري اليوم، بمحاولة قضم وضمّ مساحات من المدينة الرياضية ونادي الغولف لمصلحة البلدية التابعة سياسيًا للحزب، لسبب بسيط أن المدينة والنادي “الحيط ع الحيط” مع السفارة الإيرانية، علمًا أن ملكية عقار “المدينة” ما زالت بإسم نقولا تابت والد زلفا شمعون زوجة الرئيس الراحل كميل شمعون.

أما جزين “التي كانت شيعية” فأصبحت “مسيحية”، فاستيلاءات “الحزب” وسيطرته على مشاعات وخراج وأحراج وأودية كثيرة من بلداتها واضحة فاضحة … في جبل طورا مثلًا تستولي فرقة من “الحزب” على 500 ألف متر مربع من مساحة الجبل التي وضعت فيها تجهيزات ومعدات عسكرية وصواريخ، كما يسيطر “الحزب” على مليون متر مربع تابع للرهبنة الأنطونية حيث يوجد معدات ومراكز تابعة للدير يمنع على المالكين الدخول اليها (أملاك خاصة).  في سجد وتلتها مثلاً، حيث الجبال والمشاعات والأحراج والأودية، يمنع على المالكين في تلك الأراضي من الاقتراب منها واستثمارها تحت ذرائع أمنية تتعلق بالمقاومة، بحسب ما يروي أبناء البلدات، مع العلم أنها بعيدة جغرافيًا واستراتيجيًا عن الجبهة والتماس مع العدو. وطبعًا كلنا يتذكّر كيف سأل العماد ميشال عون لدى استشهاد النقيب الطيار سامر حنا قيادة الجيش اللبناني “شو طلعت تعمل طوافة الجيش اللبناني فوق تلة سجد”.

من ضمن الاستيلاء على الأراضي يتمركز الحزب في منطقة تبلغ مليوني متر مربع في كفروة المارونية في النبطية ويُمنع على الأهالي مالكي الأرض، تربية النحل وقطف محاصيلهم منذ سنوات.

يسيطر “الحزب” عبر جمعيته “أخضر بلا حدود” على سموخيا ومنطقة قطمون وأراضي كبيرة من رميش المسيحية، ويُمنع الأهالي من الاقتراب من أراضيهم ومزروعاتهم.

أراضي علما الشعب البالغة مساحتها 20 كلمًا مربعًا، ممنوع على أهلها ومالكيها الاقتراب منها بحجة الألغام، في حين أن بلدة مارون الراس “الشيعية”، خالية من الألغام ومستغلة زراعيًا، وهي كعلما الشعب المسيحية متاخمة للحدود.

في دير ميماس، أراضي دير ماما مليئة بالألغام ولا يستطيع أحد من مالكي الدير أو من أبناء المنطقة الاقتراب من أراضيهم.

وأخيرًا في إطار خطة  “استعادة الحزب للمناطق التي تسنّنت”،  يتحدث مفتي جبل لبنان الدكتور محمد علي الجوزو في مقابلة له نشرتها مجلة “فجر الإسلام”: “هذا الانتصار(2000) على ما يبدو دفع بعض شباب الحزب لمحاولة السيطرة على مساجد أهل السنة والجماعة في الجنوب وفي جبل لبنان”… وعدّد جوزو مساجد السنّة التي استولى عليها “الحزب”، ونذكر منها مسجد الجية ومسجد الظاهر بيبرس في بعلبك، الذي أطلقوا عليه اسم مسجد رأس الحسين… ومسجد علي بن أبي طالب في منطقة المعشوق قرب صور والذي أطلقوا عليه اسم مسجد الوحدة الإسلامية… ويكمل الجوزو ليقول: “إنهم ينفذون مخططات خبيثة للسيطرة على أبرز المدن في لبنان، وتحويل طابعها من سني الى شيعي، وقد نجحوا في مدينة صور خلال أقل من قرن من الزمن، ويحاولون الآن في غيرها مثل صيدا وبيروت”.

وراء أكمة تمدد وتوسع “الحزب” وقضمه وضمه  للأراضي، ما وراءها من مشروع جمهوريته الإسلامية المنشودة، المصدّرة مع الثورة الإيرانية منذ العام 1979.

إقرأ أيضًا

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل