مع ارتفاع صوت القرقعة الآتية من الجنوب إيذانًا بما يُخشى ويحذر منه من اتساع ساحات المجابهات والإسنادات لتغطي مساحة الـ10452 كيلومترًا مربعًا من الأراضي اللبنانية، تتوالى التحذيرات والبيانات الصادرة من الدول الخارجية عربية وغربية ومن بعثاتها العاملة في لبنان، طالبة من رعاياها اتخاذ الحيطة والحذر تحضيرًا للمغادرة والجلاء أو حتى الإجلاء، و”أنعم” هذه التحذيرات وليست آخرها، ما صدر عن السفارة الروسية التي “أوصت رعاياها بالامتناع عن السفر الى لبنان حتى تهدأ الأوضاع في جنوب البلاد”.
قد يكون صحيحًا أن الوضع الأمني المتوتر المستجد في الجنوب اللبناني، هو السبب المباشر والعلني… أما ما هو أصح وهو علّة العلل وبيت القصيد، هو أن النظرة الخارجية الدولية والعربية وخاصة الخليجية للبنان الرسمي وحكومته، هو أنهما ما زالا رهينتي قرارات “الحزب” من انخراط في الأزمات العربية والإقليمية وانغماس “الحزب” السلبي والتحريضي والتخريبي في الدول العربية والغربية، مع تشكيله خطرًا أمنيًا على مصالحها في العالم وعلى الأرض اللبنانية “معقل” و”ملاذ” الحزب المتدخل المنغمس.
لا شك بأن تجربة الدول المعنية المريرة مع “الحزب”، تعود الى الفترة الممتدة من العام 1982 الى العام 1992، إذ استمرت أزمة الرهائن في لبنان مع اختطاف 104 رهينة أجنبية في لبنان، معظمهم كانوا من الأميركيين والأوروبيين الغربيين ويمثلون 21 بلدًا. ولم تنته الأزمة آنذاك لولا الحاجة إلى المساعدات والاستثمارات الغربية من قبل سوريا وإيران، بعد انتهاء الحرب بين إيران والعراق وتفكك الاتحاد السوفياتي ولولا الوعود لـ”الحزب” بعدم نزع سلاحه بعد انتهاء الحرب.
الا أن “الحزب” يأبى الا أن يذكر الدول المعنية بالوضع اللبناني بالفترة تلك وبالأبشع منها عبر ادائه وممارساته في الأمن والسياسة والتهريب والترهيب والمحطات كثيرة ومتعددة في هذا المجال، من موجات تهريب الكبتاغون بين الصادرات، الى تدخله الأمني والسياسي في سوريا واليمن والسعودية والبحرين والإمارات والكويت والعراق وأوروبا وأميركا وأفريقيا مترافقة مع إهانات وتهديدات صادرة عن قيادييه وإعلامه وإعلامييه موجهة ضد تلك الدول.
هذا التاريخ الحافل بالارتكابات والانتهاكات التي ما زالت متمادية بحق الخارج ومصادرة قرار الداخل الرسمي السياسي الأمني والاقتصادي، دفعا الدول التي لطالما كانت في طليعة الرعاة المتقدمين بالمساعدات والهبات والودائع، الى إسقاط رعايتها للبلد “المخطوف من الحزب” قبل إجلاء رعاياها بسبب ما يجري على أرض الجنوب بعد قرار “الحزب” نفسه بفتح جبهتها إشعالًا وإشغالًا خاطفًا متخطيًا ومتجاهلًا لقرار الدولة على ما اعترف به رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وهذا ما زاد وراكم فقدانًا للثقة من الدول ـ التي كانت معنية بلبنان ومصالحه ـ بالبلد المضيف وبأمنه وبدولته المفترض عليها تأمينه للضيوف من الدول المسقِطة لرعايتها بنفسها والمُسْقَطة بفعل فاعل.
إن الأثر البالغ السلبي لجلاء “الرعاية” قبل إجلاء “الرعايا”، استشعره اللبناني في اقتصاده عبر مقاطعة الدول الخليجية للصادرات اللبنانية بعد تهريب الكبتاغون، كما في وقف إعطاء التأشيرات بعد اكتشاف شبكات “الحزب” في الأمن والمخدرات والمتفجرات والنيترات في دول عديدة من الدول العربية والخليجية، ناهيك عن ترحيل الكثيرين من المتورطين وغير المتورطين من اللبنانيين العاملين في تلك الدول… كما حرمت الخزينة والمصرف المركزي والمصارف والشركات من الهبات والودائع والاستثمارات الخارجية الخليجية، وقد يتجلّى الأثر السلبي حتمًا في “إسقاط الرعاية” عن التعويضات على خسائر الحرب “المنتظرة” والتي هجّرت الرعايا الخارجيين وستهجّر اللبنانيين المقيمين ومن وفد منهم من المغتربين.
تأكيدًا لمقولة “صاحب الحاجة أرعن” وتعويضًا عما تسبّب به محور الممانعة من خسائر حرب لا دخل للبنانيين ولا للعرب الخليجيين بها، قال رئيس حركة التوحيد العربي في 2 تشرين الثاني 2023 عن إعادة إعمار لبنان بحال اندلاع الحرب: “غصبًا عنهم هني وإجرهم ع رقبتهم العرب بيدفعوا”، كما قال في نفس الإطار بطريقته “الدبلوماسية” ممثل الممانعة في رئاسة المجلس النيابي، رئيس حركة “أمل” نبيه بري حليف “الحزب”، في 31 أيار 2024: “بدأنا إعداد برنامج لإعادة إعمار جنوب لبنان، وسنناشد الكويت والسعودية وقطر للمساهمة”.
ولسان حالنا يقول في مثل تلك الأحوال “اللّهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا”.