المونسنيور يوسف طوق البلاغ رقم واحد: “في الحقيقة لقد قلنا ما قلناه”

حجم الخط

المونسنيور طوق ـ بكركي

غالبًا ما يعيدنا حدث أو حديث معيّن وقع في ظرف مشابه لما قبله أو قيل في موقع مماثل صدر عن قريب أو خلف لسلف  بالقرابة العامودية أو الأفقية بكل درجاتها، أو بالخلافة الوظيفية الدينية أو السياسية الحزبية، الى استنتاج مفاضلة بين السابق واللاحق، أو بامتحان مقارنة لتسجيل نقاط التقاء أو افتراق بينهما. هكذا يحصل مع الشخصيات التاريخية الوطنية المسيحية والإسلامية ككميل شمعون، بيار الجميّل، بشير الجميل، كمال جنبلاط، رفيق الحريري، البطريرك صفير، وأخيرًا وليس آخرًا، كمَن طبع مرحلة أو محطة تاريخية مصيرية بشخصه وميزته وطبعه كالمونسونيور الراحل يوسف طوق، الذي انتقل الى حضن الآب السماوي في 22 تموز  2011، من دون أن تغادرنا الذاكرة الجماعية لبصمته الصوتية والوطنية المسيحية والتي استرجعناها مع السجال والجدل الحاصل عما صدر عن البطريرك بشارة الراعي، بتاريخ 23 حزيران 2024 وما تبعه من هجومات واتهامات وتوضيحات، لم تشبه بالمقارنة والمفاضلة ما كان يردده السلف “لقد قلنا ما قلناه”.

مع اقتراب الذكرى الثالثة عشرة لغيابه، لا يزال صوت المونسنيور يوسف طوق مدوّيًا في الوجدان المسيحي والوطني اللبناني، ولا تزال الشعلة الذي أطلق شرارتها بيان المطارنة الموارنة ذات العشرين من أيلول 2000 بصوت الخور أسقف يوسف طوق، متّقدة منيرة السبل لمن يريد للوطن حرية وسيادة، وللبنانيين كرامة وطمأنينة، وللمسيحيين دورًا وحضورًا.

كان المونسنيور طوق كأمينًا لسر البطريركية المارونية، مدركًا مقتنعًا مشاركًا بـ”ثوابت” الصرح الماروني التاريخية الوطنية المبدئية، من هنا يُفهم كيف كان يجيد عبر تلاوته أي بيان أو رقيم صادر عن بكركي، إشباع المعنى عبر دقة اللفظ والتركيز على مخارج الكلمات.

تأكيدًا على تماهي مهمة أمين سر بكركي مع الإيمان والاقتناع والالتزام بما صدر ويصدرعن الصرح من مواقف لطالما أزعجت السلطات ومن وراءها من المسيطرين عليها، يستحضرنا حضور الرئيس الياس الهراوي قداس الميلاد في العام 1995 في بكركي، ولدى وصوله عاجل البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير بالسؤال: “وينو المونسونيور طوق؟” ليضيف: “عندما أسمعه يتلو بيان المطارنة بوهرته ونبرته، أتخيل أن البيان هو بلاغ رقم واحد، وأن ثمة انقلابًا”.

لا شك أن الحمل الثقيل الذي رُمي على كاهل البطريركية المارونية برئاسة مار نصرالله بطرس صفير وتلقفته فحملته في  التسعينيات وصولًا الى الاستقلال الثاني في 2005، وما تلاه من محاولات حثيثة عنيفة  للانقضاض على الاستقلال وتقويضًا له، انتقل الى الخلف مار بشارة بطرس الراعي بأشكال أخرى اقتصادية، أمنية، سياسية، وجودية، ديمغرافية عبّر عنها البطريرك الخلف بمثل ما كان يعبّر عنه السلف صفير  والأسلاف من البطاركة، أمام الأخطار المحدقة بالوطن وبالطائفة وبالوجود عبر التاريخ… وقد وثّق البطريرك السلف نماذج عن تلك الأخطار المستمرة على الوطن في 18 كانون الاول 2010 لمجلة المسيرة حين قال: “لا استبعد وقوع انقلاب ينفذه الحزب”، ليلاقيه الخلف البطريرك الراعي في 27 شباط 2021 بقوله: “إننا نواجه محاولة انقلابية على كل ‏ميادين الحياة العامة على المجتمع وعلى ما يمثّل وطننا من خصوصية حضارية، وعلى وثيقة الوفاق ‏الوطني التي أقرت في اتفاق الطائف”. ‏وما عاد وكرره في مناسبات عدة وصولًا الى موقفه الأخير الذي سمّى الأمور بأسمائها الحقيقية، واضعًا الأصبع على الجرح ولو كره الكارهون وتربّص المتربصون وتلكّا المتلكئون وخاف الخائفون.

لأن الشهادة للحق والحقيقة مهما كانت جارحة وصعبة ومكلفة، واجب الجهر بها من دون خوف أو وجل، نعود الى البطريرك بشارة الراعي في دعوته الشبيبة المارونية بتاريخ 23 تموز 2017، “الى عدم الخوف لأنهم في قلب الله”، كما دعاهم الى التشدد والتحلي بالشجاعة والشهادة للحق لبناء مجتمع أفضل حيث ما وُجدوا والانطلاق كالنسور الى أوطانهم متجددين بالقيم الإنجيلية والأخلاقية.

كما نعود الى شهادته للحقيقة وجهره بها أمام الحشود التي أمّت الصرح دفاعًا عن مواقف بكركي في 27 شباط 2021: “…لا يوجد دولتان أو دول على أرض واحدة ولا جيشان أو جيوش على أرض واحدة ولا شعبان أو شعوب في وطن واحد، وأي تلاعب بهذه الثوابت يهدد وحدة الدولة… لا تسكتوا عن الفساد وعن فوضى التحقيق في جريمة المرفأ، ولا عن السلاح غير الشرعي وغير اللبناني”.

من المؤكد والمثبت هنا أن شهادة بكركي وصوتها الذي دوّى من حنجرة المونسنيور يوسف طوق، تلبية جليّة للدعوة التي اطلقها الرئيس الشهيد السلف الشيخ بشير الجميّل في 8 أيلول 1982 من تلفزيون لبنان: “جايي أطلب منكم تقولوا الحقيقة مهما كانت صعبة”،  كما  هو مؤكد ومثبت عن أن الصرح اللبناني المسيحي الماروني ما انفكّ سائرًا على خطى وتعاليم وتوصيات السيد المسيح الذي قال في الكتاب المقدس انجيل يوحنا 8:32 :”وتَعْرِفونَ الحَقّ وَالحَقّ يُحَرِّرُكُم”.

إقرأ ايضًا

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل