تموز 2006 ـ 2024.. إشهد يا جنوب!

حجم الخط

تموز 2024تموز 2024تموز 2024تموز 2024

“الدنيا، في فكر الحزب فانية محدودة. نحن قوم ننمو ونكبر بالدمار، ودماؤنا نقدمها قرباناً”

لم يكن ما أوردته صحيفة السفير في 3 تموز من العام 1991 على لسان نصرالله ولن يكون مثار استغراب أو استهجان أو حتى مفاجأة للقارئ والمتابع والمعايش للحزب وأدبياته وعقيدته وممارساته منذ ما قبل إعلان التأسيس في 16 شباط 1985 – وما ورد في وثيقته من عقيدة إلهية لا تقبل المراجعة – وما بعده وصولاً الى اليوم حيث “ينمو الحزب ويكبر” حسب قيادييه وإعلامييه بالدمار في الجنوب المساند لغزة المنهارة.

في الذكرى الثامنة عشرة لحرب تموز يكاد التاريخ يعيد نفسه بكل تفاصيله في الأسباب والخطاب والأدبيات والعنتريات على الشريك اللبناني المعترض قبل العدو الحقيقي المفترض. ولعلّ التجاهل في 12 تموز 2006 وما تلاه، لِحَقِّ قسم كبير من اللبنانيين ومن كل الطوائف بالعيش بسلام وأمن واستقرار هو نفسه التجاهل في 8 تشرين الأول 2023 وما تلاه.

في حرب تموز 2006 طمأن نصرالله ووعد اللبنانيين في الخطاب الثالث بعد اندلاع الحرب والنداء الثاني الموجّه الى “الأمة” في 16 تموز 2006 أن “ما يهدَّم وما يدمَّر سيُعاد بناؤه بعون الله سبحانه وتعالى وبالتعاون مع الدولة اللبنانية، ولكن نحن أيضًا كجهة معنية، عازمون على أن نكون جدّيين في إعادة بناء ما تهدّم. وأنا أقول لكم من دون أن أدخل في التفاصيل أن لدينا أصدقاء جدّيين أيضًا في هذا المجال لديهم قدرة كبيرة جدّاً على مساعدتنا بمال طاهر نقيّ شريف بلا شروط سياسية. لا قلق على إعادة إعمار بلدنا”.

لتتكلّف الدولة في 2006 مليارات من خزينتها أضيفت على الدين العام، على الرغم من أنها كانت آخر من يعلم بـ”قرار إشعال الحرب” و”أول من يُطالَب” على ما صرّح في وقتها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة. وليقوم “المال الخليجي غير النظيف” وعلى رأسه القطري والسعودي بتسديد الحصة الأكبر من المساعدات وإعادة الإعمار، ولينكفئ “المال النظيف الإيراني” راميًا بالفتات القليل للبيئة اللصيقة بالحزب حصرًا.

في حرب تموز زعم نصرالله وفي نفس الخطاب: “اليوم نحن نقدّم نموذجًا ومعنا الشعب اللبناني وكل لبنان”، لـ”يركل” مضمون ما قاله لاحقاً كاشفاً عن حقيقة ما ارتكبه في 12 تموز بقوله في نفس النداء: “إن الحزب” لا يقوم الآن بمعركة “الحزب” ولا يخوض معركة لبنان، نحن الآن أصبحنا نخوض معركة الأمة شئنا أم أبينا، شاء اللبنانيون أم أبوا. لبنان الآن والمقاومة في لبنان تخوض معركة الأمة”.

ولمن يسأل عن الأمة التي يخوض عنها السيد والحزب وممانعو إيران معركتهم سابقاً وحالياً “شاء أبناء أوطانهم أم أبوا”، نحيل السائل الى ما ورد في الوثيقة التأسيسية للحزب في 16 شباط 1985: “إننا أبناء أمّة الحزب نعتبر أنفسنا جزءًا من أمّة الإسلام في العالم… إننا أبناء أمّة الحزب التي نصر الله طليعتها في إيران، وأسّست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم… نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثّل بالوليّ الفقيه الجامع الشرائط، وتتجسّد حاضرًا بالإمام المسدِّد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني… نحن أمّة ترتبط مع المسلمين في كافة أنحاء العالم برباط عقائدي وسياسي متين هو الإسلام… ومن هنا فإن ما يصيب المسلمين في أفغانستان أو العراق أو الفليبين أو غيرها إنما يصيب جسم أمّتنا الإسلاميّة التي نحن جزء لا يتجزأ منها، ونتحرّك لمواجهته إنطلاقًا من واجب شرعي أساسًا، وفي ضوء تصوّر سياسي عام تقرّره ولاية الفقيه القائد”.

وكان نصرالله قد أكد على هذا الاعتبار “الثابت” عند إعلان الوثيقة السياسية للحزب في 30 تشرين الثاني 2009 بقوله مفسّرًا موضحًا: “نحن قدمنا وثيقة سياسية ولم نعالج الجوانب العقائدية أو الإيديولوجية أو الفكرية، وسأكون صريحًا وواضحًا نحن موقفنا من مسألة ولاية الفقيه هو موقف فكري عقائدي وديني وليس موقفًا سياسيًا خاضعًا للمراجعة”.

اليوم ونحن في قلب معركة تخوضها إيران ولاية الفقيه – طليعة “أمّة المسلمين” و”نواة دولة الإسلام المركزية” – بواسطة أذرعها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، ما زال مطلوبًا من المواطنين وأوطانهم دفع أثمان هذه المعركة من خزينة دولهم ومن جيوب شعوبها والضرائب المجباة منهم، وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قد قال في الحرب التي أطلقها الحزب في الجنوب اللبناني في 8 تشرين الأول 2023 بمثل ما قاله الرئيس السنيورة في حرب تموز 2006 عن مصادرة الحزب لقرار الدولة بالحرب كما بتكبيد خزينتها خسائر ونتائج هذه الحرب، وهنا يقول وزير حركة “أمل” في حقيبة الزراعة عباس الحاج حسن في 6 حزيران 2024 إن “التعويض على الشهداء” واجب مقدس على الحكومة، وإن هذه الأخيرة ستعوّض شاء من شاء وأبى من أبى”، ضاربًا بعرض الحائط رأي غالبية الشعب اللبناني التي تأبى الحرب وترفض أن تدفع أثمانها من حياتها وأمنها ومالها، كما يضرب بعرض الحائط حقوق ضحايا ومصابي ومتضرري انفجار مرفأ بيروت حيث الحركة والحزب متَّهمون ومعطِّلون للتحقيق ومهددون للمحققين… كما يتجاهل وزير “أمل” أن حركته هي من ميّزت بين شهداء الحزب الذين يسقطون “على طريق القدس” وبين شهداء أمل الساقطين “على طريق الجنوب”.

لم يكن أيضًا ما قاله وزير “أمل” في نفس الإطلالة بغريب عن فكر الحزب “بالنمو في الدمار” عندما قال معبّرًا بوضوح عن مسار “تدفيع” الأبرياء فواتير “قرار الحزب” الأحادي في الذهاب الى الحرب  كُرمى  لمصالح “الأمّة” وحركاتها وأحزابها: “سنقاوم الإحتلال حتى آخر طفل”.

أما عن كيفية التعويض عن  خسارة “آخر طفل”، فإن لمحور الوزير الحاج حسن “سبيلا” آخر غير “واجب الحكومة المقدس” غصبًا عن الشعب اللبناني، عبّر عنه مسؤولوه جهارًا مثبتين أن “الإنسان” و”الإنسانية” هما في أسفل اهتمامات “دنيا الدمار” الآنفة الذكر، إذ يقول السيد نصرالله في 29 كانون الثاني 2007: “ما أنا قلتلن هلق نحنا بالحزب إذا منعمل تعميم إنو يا إخوان السنة بدنا إنتاج”… طب بيخلق وبزيدوا الشيعة 50 ألف واحد بسنة وحدة وببلاش”، ليطرح الصحافي الممانع إبراهيم الأمين هذا “التعويض” في الإنتاج على الفلسطينيين الغزاويين في 5 تشرين الثاني 2023 بقوله: “مش استخفاف بالدماء، في 50 ألف إمرأة فلسطينية حامل، يعني بالشهر بخلفوا 5500 طفل، وبشهرين انشالله الفلسطينيين بيعوّضوا عن كل الشهداء لي راحوا”… ليتبعه في نفس التوجّه “الموَجَّه” إعلامي ممانع آخر هو رفيق نصرالله ليقول في اليوم التالي: “مثل ما قلتها بالـ2006، قديه حَيرحلنا كم شهيد؟ ولك كم شهيد رح يرحلنا؟ 10، 15… والله نسواننا بجيبوا 90 ألف بتسعة أشهر. خلصنا”. وفي صدفة خير من ألف ميعاد، وبعد يوم تلى كلام رفيق نصرالله، كرر رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ ماهر حمود الطرح الممانع التعويضي عن الضحايا الأطفال بقوله: “نحن مُسَلِّمون للسيد نصرالله بقرار الحرب والسلم وعقلهُ عقل كومبيوتر”. الجهاد الديموغرافي يساعد على الصمود وهو موجود في لبنان وفلسطين أيضاً، بسبب الإنجاب وأحياناً تعدد الزوجات”.

مع كل الإسنادات العقائدية والفكرية والسياسية لتبرير اعتناق “الحزب” وممانعي إيران للفكر التدميري خدمة للمشروع الأكبر ولمصلحة الأمّة “شاء من شاء وأبى من أبى” وقُتِل من قُتِل وجُرِح من جُرِح وهُجِّر من هُجِّر وتدمّر ما تدمّر، نقع على اعترافين وإقرارَين بعبثية حربي 2006 و2023-2024، كما نقع على ندَمَين تلا فعلهما كل من بطل حرب تموز 2006 حسن نصرالله وبطل عملية 7 أكتوبر 2023 قائد حركة ح. في فلسطين كاستفاقتَين متأخرتَين مع الأمل الضئيل بأن تصححا ما زال يُرتكب من تكرارٍ للأخطاء والخطايا.

1ـ يقول نصرالله في 27 آب من العام 2006، “تسألينني لو كانت 11 تموز تحتمل ولو واحد في المئة أن عملية الأسر بتوصّل لحرب كالتي حصلت بتروح بتعمل عملية أسر، بقلّك لأ قطعاً لأ… لأسباب إنسانية وأخلاقية واجتماعية وأمنيّة وعسكرية وسياسية، لا أنا بقبل، ولا الحزب بيقبل ولا الأسرى بالسجون الإسرائيلية بيقبلوا ولا أهالي الأسرى بيقبلوا”.

2 ـ نقل عصمت منصور أحد أصدقاء زعيم حركة ح. في غزة فلسطين عنه، لشبكة سكاي نيوز البريطانية في 16 شباط 2024: “حسابات قائد حركة ح. في غزة في فلسطين لم تسر كما هو مخطط لها، وكان رد فعل الإسرائيليين خارجًا عن السيطرة، والآن حصلنا على هذه النتيجة. وهو لم يتوقع أن تؤدي العملية إلى تعقيد الأمور إلى هذا الحد من الخطورة، الأمر الذي أعطى إسرائيل كل الأسباب والأعذار لخرق جميع القواعد، وانه لو كان يعرف بعواقب الهجوم لما خطط أبدًا لعملية بهذه الطريقة”.

في المحصلة يدقّ الإسرائيليون أبواب آخر منطقة في غزة وآخر معقل لحركة ح. في رفح بالحديد والنار، والضحايا بمئات الآلاف بين قتيل وجريح وملايين النازحين والخسائر بمليارات الدولارات، كذلك الجنوب يعيش تدميرًا ممنهجًا شاملاً لعشرات القرى والمنازل وحرق متعمّد للمزروعات وقتلى وجرحى بالمئات، والنازحون بمئات الآلاف وخسائر جسيمة لم تُمْسَح ولم تحدد بعد في دولة خزينتها فارغة عاجزة عن التعويض، وأمام مجتمع عربي غربي ودولي محجم عن المساعدة للأسباب المعروفة. يبقى أن الحزب الذي أودى بالجنوب في استفراده بحرب 2006 وخرج منتصرًا – نادمًا، هو نفسه استفرد بـ”ميني حرب”(حتى الآن) من أجل الأمّة والقدس وفلسطين (حسب قوله) قد تودي بالجنوب ولبنان واللبنانيين إن استفحلت وتفلّتت. وأخشى ما يخشاه اللبنانيون ألّا تكون عبارة “لو كنت أعلم” التي أطلقها نصرالله في 2006 وتبنّاها السنوار “المسنود” باشتعال الجنوب اللبناني المدمَّر في 2024، إلا تبريرًا ورفع مسؤولية وغسل يدين من دم الصدّيق البريء الذي أهرقه ويهرقه المبرِّرون ورافعو المسؤولية عنهم و”غاسلو الأيدي” أنفسهم على مذبح مصلحة “الأمّة” في إيران.

إقرأ أيضًا


تموز 2006 ـ 2024: فواتير “قرار الحرب” غصبًا عن اللبنانيين.. إشهد يا جنوب!

كتب أنطوان سلمون في “المسيرة” ـ العدد 1754

 

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل