رُبّ متسائل كيف تفسر مصادفة الذكرى الـ18 لما يطلق عليه الحزب “انتصار تموز”، مع الحفاوة التي استقبل بها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين؟ وهل تكون مهمة هوكشتاين المكوكية بين لبنان وإسرائيل والدوحة ومصر والدول الأوروبية إبطالًا لمفعول “الانتصار” الذي أُحرز في آب 2006 والذي قضى بتطبيق القرار 1701 مع القرارات ذات الصلة كالـ1559.
ما يعتبره “الحزب” انتصارًا أنجز مع صدور قرار مجلس الأمن الدولي 1701، امتدت مفاعيله تهدئة لجبهة العدو الشمالية منذ 12 آب 2006 وحتى الثامن من تشرين الأول 2023، في مقابل ارتكاب العدو الإسرائيلي حسب العدّادات الدولية والخطابات والاحصائيات الممانعة، عشرات آلاف الخروقات جوًا بحرًا وبرًا… كما سجّل في الفترة التي سبقت الثامن من تشرين الأول توقيعًا ثنائيًا لبنانيًا ـ اسرائيليًا على ترسيم بحري في 27 تشرين الأول 2022، مهّدت له وساطات وتسهيلات ومساهمات أميركية إيرانية ثنائية شيعية لبنانية، ولعب أدوار البطولة فيها كل من آموس هوكشتاين والياس بو صعب والرئيس نبيه بري، وكيل “الحزب” غير القابل للعزل، مع وعود متبادلة بالتهدئة والاستقرار لتسهيل الحفر واستكشاف كميات الغاز والنفط والتنقيب عنها واستخراجها وتأمين ضخها، وهذا ما بدأ به حقل كاريش الإسرائيلي مُصدرًا لجمهورية مصر العربية والدول الأوروبية تحت عيون عدوها ورصد كاميرات “ههدهه”، ولم يحقق لبنان الجزء الأول منه حتى الساعة في أي من بلوكاته التسع.
إن التشكيك بمهمة هوكشتاين ودوره الذي أوردناه في أول المقال، يعود الى ما دأبت الممانعة عبر مسؤوليها وأبواقها الإعلامية الناطقة باسمها على رميه على الوسيط، إذ يقول نصرالله مثلًا في 13 تموز 2021: “الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لا نعتبره وسيطًا، بل طرفًا يعمل لمصلحة إسرائيل ويضغط على الجانب اللبناني”، وفصّلت صحيفة “الحزب” وأخباره في 21 تشرين الأول 2021 تحت عنوان “في بيتنا عدوّ، قاطعوا الوسيط الإسرائيلي” كيف يخدم “الوسيط” السياسة الإسرائيلية كونه ولد في “الكيان” وتعلّم فيه وخدم في جيشه وحارب اللبنانيين في اجتياح 1982، ليعتبر المقال ما يقوم به الوسيط “مهمة تجسسية” لصالح العدو، وليخلص في النهاية الى أن “ما يجري اليوم من مفاوضات حول ترسيم الحدود بشكلها الحالي يمثل فضيحة أخلاقية ووطنية تجب مقاومتها والتنصل من أي نتائج تصدر عنها”.
على الرغم مما ادعته الممانعة وحلفاؤها من إنجاز عظيم في الترسيم البحري وادعاء نسبة الانتصار لمحورها تحت رعاية ومباركة “الوسيط غير النزيه”، ها إن الأبواق نفسها اليوم تشن الحملات ذاتها على مهمة الوسيط بعينه عشية ما يُحكى عن حرب عتيدة شديدة قد تدور رحاها على الساحتين اللبنانية والإقليمية، متهمة الوسيط بالعمل لمصلحة الإسرائيلي على حساب لبنان ومقاومته، وهذا ما ورد في صحيفة الأخبار عشية وصول هوكشتاين الى بيروت، إذ ورد فيها بتاريخ 13 آب 2024 تحت عنوان: “لا تستقبلوا الوسيط الإسرائيلي… الموفد الأميركي عائد الى لبنان مهددًا بالحرب الكبرى: لا تستقبلوا عراب الخداع هوكشتاين”
“…ان استقبال الضابط الإسرائيلي الذي لا يخشى اتهامه بالعمل لمصلحة العدو يشكّل طعنة في غير مكانها وربما يفترض بأهل الحكم تكليف موظف باللقاء معه”، كما استغربت أخبار الحزب “كيف يتبجح بعض المسؤولين اللبنانيين بأنهم على صداقة مع هوكشتاين الذي يعرف ملفاتنا جيدًا”.
وشكّل اللقاء المطوّل والودي والصريح الذي امتد لأكثر من ساعة بين آموس هوكشتاين ورئيس مجلس النواب وحركة أمل نبيه بري “طعنة” وجهها خنجر النبيه للحليف المقاوم، وضربًا لإنجازاته وانتصاراته من تموز 2006 وصولًا الى إنجازاته المحققة في جبهة الإسناد من الجنوب المشغِل المشتعل.
إن أفضل تعبيرٍ عن تخبط جبهة الممانعين أمام “تهم العمالة والتعامل مع إسرائيل” المرتدة عليها والتي تصيب منها مقتلًا هو في ما قاله رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب في 14 آب 2024 مغردًّا متمردّاً: “بيقدر حدا يفيدنا؟ هوكشتاين حليف لمحورنا أم ضابط إسرائيلي؟ صرنا محتارين. الأميركي محتل لسوريا والعراق أم حليف ؟ أفيدونا أفادكم الله”.