في الوقت الذي تُخَطّ كلمات المقال، تنهال الهجمات والافتراءات والمقالات والمقولات الزاخرة بعبارات الحقد والتحوير، في محاولات حثيثة للنيل ليس من “القوات اللبنانية” وكلمة رئيسها في ذكرى قداس المقاومة اللبنانية فحسب، بل من الوجود المسيحي برمته في هذا الشرق ودوره الذي كان رياديًا في نشأة الكيان اللبناني وتأسيس دولة لبنان الكبير، بحدوده المعروفة المعترف بها دوليًا، على عكس أمنيات أخبار الممانعة في نشأة الجمهورية الأولى بعد الاستقلال الأول، على الرغم من نكران الجاحدين، وبعدها الجمهورية الثانية في الطائف، ومحوريًا في استقلال لبنان الثاني في ظل من أُعطي له وعن حق واستحقاق مجد لبنان البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، الذي ردّ على مفتري ومزوري الأمس واليوم والغد بقوله: “مهما قست الأيام، ومهما عَظُم المصاب، فإننا لن نيأس… نحن في هذه البلاد لسنا بطارئين… نحن من أنشأنا لبنان ولن نكون غرباء فيه”.
ردًا كذلك على هذا التزوير والتحوير والإهانة للتاريخ والجغرافية وللمنطق والعلم والواقع والشهداء، المتصاعد الصادر عن مسؤولي وإعلام وأبواق ما يسمى ممانعة، ويردده المغالون في الممايعة الذمية في الإعلام وعلى المنابر وخشبات المسارح خوفًا من جحيم المتسلط بالسلاح وطمعًا بنعيم حفنة من المناصب والدولارات، يقول الشهيد بشير الجميل في يوم الوعد في 22 تشرين الثاني 1980 مصوبًا تحريف الممانع ومقوّمًا اعوجاج “الممايع”: “نحن الثابتون في لبنان والشرق، غيرنا يأتي حينًا ويذهب حينًا آخر. صحيح أن امتداد وجودنا ليس مستقرًا جغرافيًا، لكن وجودنا في حد ذاته دائم الاستقرار. نحن قديسو هذا الشرق وشياطينه، نحن صليبه وحربته، نحن نوره وناره، قادرون على إحراقه إن أحرقوا أصابعنا، وقادرون على إنارته إن تركونا على حريتنا. فحذار من أي حلّ لقضية لبنان وأزمة المنطقة لا يأخذ في الاعتبار ثوابت تاريخ المنطقة وإفرازات حرب لبنان”.
ونقرأ في الإطار التصحيحي التوضيحي التصويبي نفسه، ما كتبه الخلف الدكتور سمير جعجع المتلقي لسهام الممانعين وطعنات ونكران “الممايعين” عن السلف في ذكرى استشهاده في رسالة نشرتها “المسيرة” في عددها في 15 أيلول 2003: “لقد كانت القوات مع بشير الجميل حاجة وبعد استشهاده أصبحت ضرورة. لقد حاولوا مصادرتها وخنقها وهي طريّة العود فترسّخت جذورها في الأرض واشتدّ عودها. وهم اليوم كلما نزعوا غصنًا مدت أغصانًا وظلالاً. هي ستبقى ضمير القضية مهما تلبدّت غيوم الغوغائية، وهي ستبقى ثاقبة النظر، مهما سكرت الرؤوس بخمرة الغرائز والمصالح الفردي، وهي ستبقى قوية بالإيمان وبالوفاء وبراحة الضمير، أقوى منها بالسلاح والحديد.
اليوم في ذكرى البشير بالذات تمرّ في ذهن مناضليها صور كثيرة. فهي انصرفت الى العرق والعمل وغيرها اكتفى بالكلام عليها. وهي قدمّت التنظيم والمنهجية وغيرها حاربها بالعشائرية والتقليدية. وهي حاربت بالعلم والمنطق وغيرها حاربها بالإشاعات. وهي اعتمدت النفس الطويل في نضال طويل وغيرها اعتمد الانتصارات المزيفة في معارك خاسرة. هي استجمعت حجارة البناء وغيرها رمى في بئرها حجرًا.
صور كثيرة تمر في ذهن مناضليها ولكن ستبقى قلوبهم قوية بالإيمان والوفاء، أقوى منها بالسلاح والحديد. وسيذكر التاريخ، بشير الجميل شهيد قضية القوات اللبنانية. وسيذكر التاريخ، دائمًا هناك قوات لبنانية، وأحيانًا هناك متحاملون عليها، وأبدًا يبقى لبنان”.
على الرغم من الجهد المبذول لصياغة التاريخ انطلاقًا من وهم الغلبة والانتصار وانسجامًا مع الغالب والمنتصر المزعوم والموهوم، تبرز الحقائق التاريخية والجغرافية ومسار التاريخ المنطقي وشهادات وعرق ودم الأجداد والزائرين من عرب وأجانب ومستشرقين ومغتربين، بوجه التشويهات والمشوِّهين والمسوّدين لنصاعة القضية السامية والتي شهد عليها المقاومون الأوائل واستشهدوا من أجلها على طريق لبنان وحريته وتميّزه في هذا الشرق، من يوحنا مارون الى باسكال سليمان.
بعيدًا من تكرار معزوفة التخويف من العدد والتخوين والعمالة لإسرائيل المرتدة على مطلقيها، من إيران غيت وتسهيل إسرائيل وجيش لحد، مرور مئات مقاتلي “الحزب” مع اسلحتهم وآلياتهم من البقاع الغربي الى اقليم التفاح عبر كفرحونة ووادي الليمون، اثناء قتال الأخوة أمل ـ الحزب وصولًا الى مئات عملاء الموساد من قلب بيئة الحزب والحركة وتنظيميهما الأمني والعسكري وطائفتهما الكريمة، يردّ جعجع في خطاب الأول من أيلول على الطارئين المتحاملين بالثابتة التالية: “أمّا للذي يقول لنا أصبحتم قليلي العدد، فنقول له، قليلو العدد، كثيرو الفعل والإنتاجِ والخدمة العامّة، كثيرو الإشعاعِ في التربية والتعليم والطّبّ والفنّ والثقافة والحضارة والاقتصاد. معتصمون دائمًا أبدًا بالوضوحِ والصلابة والاندفاعِ والمواجهة في سبيل لبنان، كلّ لبنان… إنّ الكِرامَ قليلُ، وما همَّ من كانَ قليلُهُ مثلَنَا، شبابٌ تَسامى للعُلا وكُهولُ”.