خطيئة “الحزب” المميتة والقرار الجريء بتطبيق الـ 1559

حجم الخط

لم يكن ما قاله المعارضون لتبعية “الحزب” للمحور الإيراني وتنفيذه لإملاءات رئيسه، وليد ساعته. فمنذ ما قبل 2006 وما تلاه مرورًا بما قبل الثامن من تشرين الأول 2023 وما تلاه، وصولًا الى لقاءي معراب الوطنيين وما تُلي فيهما من مضمون وطني سيادي ملتزم بالقرارات الدولية 1559 ـ 1680 ـ 1701 دفاعًا عن لبنان وحفاظًا على ما تبقى بعد المغامرات التي لا تنفك تكون كارثية دموية تدميرية ومن دون جدوى، إذ إنها تستجلب مستنسخة تجربة غزة في الإبادة من دون إفادة من مساندة أضحى معها “الحزب” في ذكرى إطلاقها الأولى، مقطوع الرأس مقطّع الأوصال، مثخنًا جسده بالضربات والصدمات. وعلى الرغم من ذلك ما زال متماديًا في غيّه في تنفيذ الغايات والأهداف الايرانية دفاعًا عن إيران أولًا، مخوّنًا مهددًا متهمًا هادرًا لدم من يريد للبنان أمانًا واستقرارًا وعيشًا كريمًا، ومن يطالب بتطبيق القرارات الدولية دفاعًا عن لبنان. مع الإشارة الى أن “الحزب” أعلن موافقته ولو مناورًا ولمرتين على 1701 المتضمن التزامًا بتطبيق 1559 والـ1680، في 2006 وفي الـ2024.

 

لا شك أن هول الكارثة التي ما زالت متمادية مترامية على مساحة الـ10452 كلم2 قتلاً وقصفًا تدميرًا وتهجيرًا، والتي وقعت بفعل إشعال جبهة المساندة في الجنوب على يد “الحزب” التي ضغطت على زناد انطلاق حرب بقواعد اشتباك من طرف واحد. وكذلك الحرب التي سُمّيت حرب إشغال مع تجنّب الحرب الشاملة دفاعًا وحماية لإيران، فرضا على المؤمنين والحريصين على سلامة اللبنانيين كل اللبنانيين، من بيئة “الحزب” قبل الآخرين، طرح السؤال وطلب المساءلة وصولاً الى تحديد المسؤولية والمحاكمة فالإدانة.

على الساحة اللبنانية، وبعد قبول من تسبب بحرب تموز في العام 2006 بالقرار 1701 بـ”كل مندرجاته” على ما تسعى الى الالتزام به الحكومة ورئيسها والحليف المكلف من “الحزب” نبيه بري في أيلول – تشرين 2024، أطّل المسبب الأمين العام لـ”الحزب” نصرالله في 27 آب 2006 ليقول مقرّا بما تسبب به وكأن شيئا لم يكن، وكأن شعبًا لم يُقتل أو يُصاب أو يهجّر، وكأن أبنية لم تُهدم واقتصادا لم ينهار: “في 27 آب 2006 حسن نصرالله: تسألينني لو كان هناك احتمال واحد في المئة أن توصل عملية الأسر في 12 تموز الى حرب كالتي حصلت أقول قطعاً لا! لأسباب إنسانية وأخلاقية واجتماعية وأمنيّة وعسكرية وسياسية. لا أنا بقبل ولا “الحزب” بيقبل ولا الأسرى اللي بالسجون الإسرائيلية بيقبلوا ولا أهالي الأسرى بيقبلوا؟”. وليكشف لاحقًا نائبه الشيخ نعيم قاسم في 12 شباط 2016: “أن “الحزب” كان لديه تصوّر عن حرب تموز 2006 وكنا نتوقع السيناريو”.

يأتي هذا على الرغم من التنبيهات والتحذيرات والتوقعات التي تلقاها “الحزب” من هيئة الحوار ومن الرئيس فؤاد السنيورة في الجلسة الأخيرة قبل “القرار” غير الحكيم بالحرب.

 

على الساحة الإسرائيلية وعلى الرغم من حصول الجانب الإسرائيلي على انتصار مكتوب يقضي بسحب “مسلّحي الحزب” وسلاحه الى ما وراء الليطاني تمهيدًا لنزعه وفقًا للقرارات الدولية واتفاق الطائف، ومنع تمكينه من التسلّح واستيراد السلاح، وبعيدًا عن المنطق الذي ساد في لبنان تموز 2006 والذي يسود ويفرض اليوم في 2024 على أن لا صوت يعلو على صوت المعركة، صادقت الحكومة الإسرائيلية على تأليف لجنة تقصي حقائق حملت إسم رئيسها إلياهو فينوغراد في 17 أيلول 2006 “لاستيضاح استعدادات وأداء المستوى السياسي والمؤسسة الأمنية في ما يتعلق بالجوانب المختلفة للقتال في الشمال، الذي بدأ في 12 تموز 2006″، ليصدر تقريرها الموقت في نيسان 2007 وقد وجّه نقدًا ذريعًا لأولمرت وتوصل إلى أنه تسرع بالذهاب إلى الحرب. وحمّله التقرير مع قادة آخرين مسؤولية “فشل ذريع” في الحرب. كان رئيس الأركان الإسرائيلي دان حالوتس قد استقال قبل صدور التقرير الموقت، كما استقال وزير الدفاع عمير بيريتس عقب صدوره، لكن أولمرت تمسّك بمنصبه على رغم المعارضة القوية. وفي التقرير النهائي الذي صدر في 30 كانون الثاني 2008 اعتبرت لجنة فينوغراد “أن مسؤولية الأخطاء الكثيرة في تلك الحرب تقع على عاتق صانعي القرار من القادة السياسيين والعسكريين…

الجدير بالذكر أن الحرب قد تمخّضت يومها عن إنجازات دبلوماسية ملحوظة، فكان قرار مجلس الأمن رقم 1701 وتبنّيه بالإجماع إنجازًا لإسرائيل… ولدى التحدّث عن استخلاص العِبر يجب الأخذ بالحسبان أن الأعداء هم أيضًا يستخلصون العِبر… توصياتنا تشمل مقترحات تقضي بإدخال تغييرات منهجية وعميقة في طرق التفكير والعمل التي ينتهجها المستويان السياسي والعسكري والتعامل بينهما، سواء في الأوقات العادية أو في أوقات الطوارئ بما في ذلك أوقات الحرب. وهذه هي مسيرات عميقة وحاسمة”.

 

لقد سبق لنصرالله أن أُعجب بعدوّه وبالطريقة في أخذ العبر – من دون أن يعتبر- والبنيان عليها للتطوير وسد الثغرات وتصحيح الأخطاء، إذ يقول في 25 أيار 2013: “… للأسف، الإنسان يتحدث عن عدوه وهو يحسن صنعاً، في ما يعني مصالحه ومشاريعه، لديهم وزارة خاصة اسمها وزارة الجبهة الداخلية، هناك وزير الجبهة الداخلية، هذا عمله إن حصل أي شيء على الكيان هو يدير الجبهة الداخلية كلها. هذا ملف، له صاحب، له مسؤول.. عند العدو هناك وزير جبهة داخلية.. وهذه إسرائيل أيضاً منذ حرب تموز 2006 كل يوم تتدرب وتتجهز وتضع خططاً وتعيد النظر في الخطط وتناور على الحروب، وأذرع مشتركة… بحثوا نقاط الضعف. أنا لا أتحدث بكل هذا لتعبئة وقت، رأوا نقاط الضعف أين، والنواقص أين وأين، عالجوها في السنة الثانية والثالثة وسادس سنة. الآن يقول العدو: لدي جبهة داخلية صلبة وجاهز للحرب على كل الجبهات ولأسوأ الفرضيات”.

إن نصرالله الذي ادّعى أنه لم يكن يعلم في تموز 2006، كان يعلم على الأقل منذ العام 2013 “أن العدو جاهز للحرب على كل الجبهات ولأسوأ الفرضيات”، على عكس حزبه وبيئته ولبنانه أرضا شعبًا ومؤسسات، وعليه يكون المحور و”الحزب” أمام قوس “لجنة فينوغراد لبنانية” تحاسبهما على شن حرب بذهنية وقوة واستعدادات وآليات وبيجرات وهداهد تموز 2006 أمام عدو راكم الخبرات وطورها واستعان بالتقنيات العالية جدًا واستثمرها مستفيدًا من تجارب تموز 2006 ومن أداء “الحزب” نفسه فيها.

أمام قوس “فينوغراد اللبنانية” يُساءل “الحزب”ويُحاكم على إهمال جبهته الداخلية من بيئته الحاضنة أولا، والتي تدفع الثمن الباهظ من دمها وممتلكاتها قتلاً وتدميرًا، ومن استقرارها وكرامتها نزوحًا وتهجيرًا على عكس ما تعهده بشعاره “نحمي ونبني”.

لأن الأمور محكومة بخواتيمها وبنتائجها وحفاظاً على ما تبقى للمحور و”الحزب” وبيئته وبقية الشركاء في الوطن نحن أمام حقبة وحقيقة مرّة قاسية ينبغي فيها ومعها على الحزب ومريديه ومحرضيه على خطى الإمام الفقيه بأنه “لا ضير من التراجع التكتيكي أمام الأعداء” أخذ العبر من تجربة غزة وما انجزت ومن تجربة إسنادها، والتي دفع الحزب ثمن إشعالها وتمددها خسارة لمعظم قيادييه ونزوحًا وتهجيرًا لثلث اللبنانيين. ومن تلك العبر والأخطاء والخطايا أخذ القرار الجريء والطبيعي بالعودة الى لبنان قبل فوات الأوان.

كتب أنطوان سلمون في “المسيرة” ـ العدد 1758

 

إقرأ أيضًا

 

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل