الى بوق “الحزب” البائد المدعو جريدة “الأخبار”، والذي هو لا جريدة، بل “فرمان سلطاني” لتبليغ اللبنانيين بما يُقرره الولي في طهران بخصوص أمنهم ولقمة عيشهم، ودستور بلادهم، ومواقعهم الدستورية، وقرارات سلمهم ومواجهاتهم العسكرية، وتوقيت بداية تشردهم على الطرقات ونزوحهم، ولا هو “اخبار”، بل مجرد شائعات و”تكتير حكي” وثرثرات، وتحوير للكلام، وتزوير للحقائق، واختراع مصادر وهمية.
الى هذا البوق الذي طالعنا اليوم بمقالٍ يتضمن تحويرًا للكلام، وتزييفًا لأجزاء من مقابلة الدكتور جعجع الأخيرة، وحرفها باتجاهاتٍ قصوى غير مقصودة أصلًا بكلام جعجع، خصوصًا لجهة قوله بضرورة وأولوية عقد جلسة عاجلة لانتخاب رئيس للجمهورية حتى بغياب ممثلي الثنائي الشيعي، على اعتبار أن الميثاق الوطني لم يمنح المذاهب اللبنانية الـ18 حق الفيتو، بل الطائفتين المسيحية والاسلامية فقط. وعليه نقول:
أولًا ـ يحق لحزب الممانعة الذي لا يقبض فقط على ارادة كل الطوائف والمذاهب في لبنان، بل على إرادة “الثنائي الشيعي” أيضًا، يحق له احتكار كل نواب الطائفة الشيعية، سواء بالانتخاب القائم على التكفير والتخوين والفتاوى الشرعية، أو بالقبض على إرادة النواب الشيعة المنتخبين من غير بيئته اللصيقة، تحت طائفة التخوين وشعارات “فليسقط واحد من فوق”، ولكن لا يحق لأحد أن يدعو لتحرير بعض هؤلاء النواب الشيعة من قبضة الحزب تسهيلاً لعملية انتخابات رئاسة الجمهورية. وهل يفترض بنا، أن ننشر للعلن ما يقوله العديد من النواب الشيعة في جلساتهم المغلفة، ويتخطى بأشواط ما تقوله القوات؟
ثانيًا ـ يحّق لحزبٍ يحتكر قرار مذهبٍ واحد من أصل 18 مذهبًا في لبنان، أن يُعطل كل شيء في البلد ويرهن قرار الجميع تحت شعار “الميثاقية”، ولكن لا يحق لمذهب الروم الارثوذكس مثلًا الذي يشغل رابع وخامس موقع دستوري في لبنان، أن يستحصل على مجرد موظف درجة أولى من حصته في الكثير من الأحيان. فهل الميثاقية في لبنان هي ميثاقية دستورية مبدئية، أم ميثاقية السلاح والأمر الواقع و”يحق للشاعر ما لا يحق لغيره”؟
ثالثًا ـ ما قاله الدكتور جعجع عن أن الفيتو الوطني يُعطى للطائفتين المسيحية والإسلامية وليس للمذاهب بداخلهما، يُفترض به أن يُشكل عامل جمعٍ وتوافق بين المذاهب الإسلامية الممثلة في المجلس النيابي، وخصوصًا لجهة الاتفاق فيما بينها على حضور جلسة الانتخابات وتأمين النصاب، تحسبًا لخسارة هذه الطائفة الفيتو الخاص بها، لصالح حزبٍ إيراني واحد بات يقبض على الفيتو الإسلامي بمفرده تحت شعار الميثاقية، كما هو حاصلٌ بالضبط اليوم لناحية غياب التأثير الدرزي والسني عن “انتخابات” تعطيل الانتخابات الرئاسية، والذي لو بقي الأمر على هذا المنوال سيتم تجيير فيتو المسلمين داخل النظام اللبناني، الى الجمهورية الإسلامية في إيران، حتى تفاوض به الغرب على ملفها النووي. فهل يقبل النواب المسلمون أن يصبح قرارهم جميعًا لدى إيران تحت شعار “الميثاقية الشيعية”؟
رابعًا ـ يحق لحزب الممانعة، تحت شعار “الميثاقية الشيعية” أن يُقفل المجلس النيابي لسنوات وسنوات، لسلب اللبنانيين حقهم في دولةٍ مستقرة مكتملة المواصفات، وسلب المسيحيين حقهم في موقعٍ دستوري مخصص لهم بموجب العرف الدستوري اللبناني، ولكن لا يحق لسمير جعجع أو لغير جعجع دعوة البرلمان لانتخاب رئيس حتى بغياب المعرقلين والمعطلين، بعد أن فشلت كل محاولات إقناعهم بتأمين نصاب جلسة انتخاب الرئيس طيلة سنوات. وهل قرار هذا الحزب هو لبناني بالأساس حتى يتشدق البعض بكل ما يتشدق به عن موضوع الميثاقية؟ بالنسبة لنا، ميثاقية أمن اللبنانيين واستقرارهم وعمل مؤسساتهم، وعودتهم الى منازلهم آمنين سالمين، أهم من كل الميثاقيات الدستورية المُتوهّمة.
خامسًا ـ يحق لحزب الممانعة الذي يحتكر بمفرده وبالمباشر قرار النواب الشيعة، ويحتكر بالمواربة الفيتو الاسلامي ككل، يحق له أن يحتكر قرار كل اللبنانيين ويتفرد بإعلان حربٍ عبثية مدمرة غير متكافئة كبدّت كل اللبنانيين من كل الطوائف، بما في ذلك فئة غير الطائفيين أصلًا، تكاليف باهظة، ويحق له تعطيل انتخابات الرئاسة لتسخير هذه الورقة في خدمة أجندة إيران لا أجندة لبنان، ولكن لا يحق لأحد المطالبة بتحرير ارادة اللبنانيين من هذا الأمر الواقع، انطلاقًا من تحرير انتخابات الرئاسة من قبضة هؤلاء!
سادسًا ـ أين كانت الميثاقية الاسلامية أولًا في قرار الحرب الذي أعلنه حزب الممانعة محتكرًا قرار كل المسلمين، وقبل أن نسأل عن الميثاقية المسيحية؟
وأيهما أهم وأكثر خطورة، أن يحتكر حزبٌ مسلح بعينه الميثاقية الإسلامية والمسيحية لأخذ اللبنانيين الى الموت والهلاك، أم أن تُعقد جلسة لانتخابات الرئاسة إنقاذًا للبنانيين ممن يحتكر الميثاقية اللبنانية بالأساس، ويُجيرها للموت والدمار؟ وهل أصبح حضور نواب “الحزب” الذي دمّر لبنان ولم يسأل عن أي ميثاقية، أهّم من غيابهم عن جلسة رئاسية لإنقاذ لبنان من دمارهم؟
سابعًا ـ من يمنع نواب الممانعة من الحضور أصلًا لتأمين النصاب؟ وهل الميثاقية الشيعية المزعومة تنص على التغيّب والتعطيل والابتزاز تحت طائلة فرض مرشح المعطلين، أم أنها تنص على انتخاب رئيسٍ يوافق عليه الشيعة وكل اللبنانيين، وشتّان ما بين الأمرين. فأي ميثاقية “شيعية” تُطبّق اليوم؟ طبعًا “الميثاقية” الابتزازية غير الموجودة في أي عرف دستوري، وإنما موجودة فقط بقوة السلاح والفرض والأمر الواقع الآيل الى طريق الاندثار.
ثامنًا ـ لم ينسَ اللبنانيون بعد أن حزب الممانعة استحصل على ثلثه المعطل في الدوحة بعد غزوة بيروت والجبل في 7 أيار؟ وهل المثالثة التعطيلية في الفيتوات التي جاءت نتيجة القسر والفرض وقوة السلاح في 7 أيار، ما زالت تصّح اليوم؟ وهل يُفترض بنا تكريسها أيضًا في انتخابات الرئاسة لإطالة أمد معاناة اللبنانيين الى أجلٍ غير مُسمّى؟
تاسعًا ـ لماذا تُعلن الحكومات حال الطوارئ خلال الحروب في الدول ويتنازل خلالها المواطنون عن جزءٍ من امتيازاتهم وحريتهم في سبيل المصلحة العليا للدولة؟ ألا يُفترض بنا أيضًا إعلان حال الطوارئ في لبنان، وخصوصًا حال الطوارئ الدستورية لانتخاب رئيسٍ توافقي فعلي، وسيادي فعلي، وانقاذي فعلي، ينقذ لبنان، حتى لو تنازلت كل الكتل النيابية قليلًا لما فيه المصلحة العليا؟ وحده الحزب الذي تفرّد بإعلان هذه الحرب العبثية يرفض إعلان حال الطوارئ الدستورية اليوم، لأنه عاجز عن التزعزع عن الموقف الإيراني قيد أنملة.
عاشرًا ـ يحق لنواب الممانعة الحاليين أو السابقين، أن يحكموا البلد بقوة الاحتلال الأسدي طيلة 15 سنةً ويُعاث في الدولة اللبنانية نهبًا وفسادًا، في ظل تغييبٍ قسري لمكوّنٍ مسيحي بكامله، بفعل نفي العماد عون واعتقال الدكتور جعجع ومنع الرئيس أمين الجميل من العودة الى لبنان حتى عام 2000، ولكن لا يحق لأحد أن يطالب بجلسة انتخاباتٍ رئاسية بغياب المعطلين اللبنانيين، والذين صودف أنهم نوابٌ شيعة، ولو كانوا نوابًا مسيحيين مثلاً، لكان جعجع قال الكلام نفسه تجاههم. فالقصة ليست موضوعًا مذهبيًا او طائفيًا بل موضوع دستوري تسهيلي من أوله الى آخره.
حادي عشر ـ أن يغتال حزب الممانعة زعيم الطائفة السنية رفيق الحريري والعشرات من قيادات ثورة الأرز، وأن يعرقل التحقيقات ويهدد بقطع الأيادي والألسن لمن يتجرأ على المطالبة بمحاكمة المجرمين بعد نشر كل تفاصيل جريمتهم في قرارات أرفع هيئة قضائية في العالم، فهذه مسألة “ميثاقية” فيها نظر، أمّا أن يطالب جعجع أو غير جعجع بتحرير انتخابات الرئاسة من قبضة المعطلين والمعرقلين لأي مذهبٍ انتموا، فهذه جريمة ميثاقية لا تُغتفر!
ثاني عشر ـ يحق لحزب الممانعة أن يحتفظ وحده بالسلاح دون سائر الطوائف والأحزاب، وأن يستخدم هذا السلاح في بيروت والجبل وعين الرمانة وفي تنفيذ الاغتيالات، و”البصق” على ضحاياهم بعد اغتيالهم، وتوزيع البقلاوة والحلوى بعد تنفيذهم لجرائمهم، فهذا من ضرورات “مقاومة العدو الصهيوني”، ولكن أن يأتي سمير جعجع ليقول لهؤلاء تفضلوا الى جلسة انتخابات رئيسٍ للجمهورية، فيمعنون بالرفض والرفض والمكابرة والإصرار على مرشحهم أو لا احد تحت شعار “الميثاقية”، ولكن إذا قال لاحقًا يجب أن يُنتخب رئيس بمعزلٍ عن حضوركم أم لا، فهذه جريمةٌ كبيرة بحق الوحدة الوطنية والعيش المشترك والميثاقية اللبنانية!
ثالث عشر ـ يحق للمرحوم نصرالله أن يتدخل في موازين الانتخابات على المقاعد المسيحية، محاولًا تزوير إرادة المسيحيين في انتخاب ممثليهم، قائلاً، رحمه الله، لزائريه بأنه لن يسمح للقوات بأن تحصل على أكبر كتلةٍ مسيحية، ولكن لا يحق لأحد أن يُبدي رأيه السياسي بخصوص انتخاباتٍ تتعلق بموقعٍ رئاسي مخصص أولًا للمسيحيين ومعهم لكل اللبنانيين، وليس للمرحوم نصرالله ونوابه الممانعين، وحدهم.
رابع عشر ـ يحق لبيئة الممانعة ومسؤوليه التطاول على الرموز المسيحية، من بشير الجميّل الى البطريركية المارونية، وتهديدهم بالقتل والمسيّرات والاغتيالات، فهذه من ضرورات معركة “فليسقط واحد من فوق” ومن لوازم تعبئة “علوشّي وحسوّنة على الموتسيك”، أمّا المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية والكف عن التعطيل والابتزاز، فهذه من أعظم الجرائم الطائفية التي حصلت في لبنان.
خامس عشر ـ حبذّا لو تخفف جريدة “الأخبار” وأبواقها، من رمي قذاراتها الدعائية التي لم توفّر أحدًا في لبنان، لأن المطلوب اليوم تسخير كل الوقت والجهد للملمة قذارات محور الشر “تيعولكن” ومخلفّاته، أمنيًا وعسكريًا واقتصاديًا واجتماعيًا، القديمة والحالية، بدءاً من إيقاف تعطيله لانتخابات الرئاسة ووقف الحرب في لبنان، وصولاً الى تطبيق القرارات الدولية وما بينها، وهذا ما نسعى للقيام به مع أحرار هذا الوطن والعالم.
ارأفوا بأهلكم على الطرقات وفي الخيم والمدارس، وارحموا الناس التي تشردت وتدمرت منازلها وتعرضت للموت والإعاقة والخسارة الجسيمة، فعلوشّي وحسوّني على الموتسيك يمكن أن ينتظرا قليلاً لسماع أناشيد علي بركات التي “طلعت” فوفاش بفوفاش، ولكن الناس المشردة لا تستطيع أن تنتظر حلول الشتاء وكل هذا الموت والدمار الذي “طلع” حقيقي وفعلي، لذلك لا تُضيعّوا وقتنا الثمين في الرد على سخافاتكم، لأن لملمة أشلاء هذا الوطن المعذب وإعادة بنائه حرَا سيدًا مزدهرًا جديدًا من جديد، هي الأولوية بالنسبة لنا، وليس لملمة قذاراتكم الدعائية الجديدة ـ القديمة كل يومٍ من جديد.