كم يذكرنا المسؤول الاعلامي لحزب الممانعة محمد عفيف، وخصوصًا عندما يعقد مؤتمراته الصحافية بين الركام وأمام الأتربة و”موتسيك” علوّشي تمر من خلفه ذهابًا وإيابًا، مهددًا متوعدًا طواحين الهواء، رافعًا شارات النصر كـ”عود النقيّفة”، فيما بيئته نازحة مشردّة، والشعب اللبناني يتكبّد الأثمان الباهظة بفعل قرارات حزبه التدميرية، كم يذكرّنا بمحمد سعيد الصحاف وهو يقف في إحدى ساحات بغداد آخر أيامه، متوعدًا “العلوج” بردٍ صاعق في مدينة “ام القصر” أقصى جنوب العراق، فيما رأس جندي المارينز كان ظاهرًا على الكاميرا في أسفل البناية الواقعة خلفه مباشرةً.
سقطت بغداد وقُضي الأمر وانتهت المقاومة، ما عدا صوت محمد سعيد الصحّاف الذي بقي ملعلعًا يختصر بمفرده كل مشهدية المقاومة، بصواريخها وعتادها وعديدها، ولكن المفارقة أن محمد سعيد الصحّاف العراقي كان “لابقلو هذا الدور ولابسو لبس”، لكأنه خُلق لتلك اللحظات الإعلامية المفصلية من تاريخ العراق، أمّا محمد الصحاف اللبناني فهو يحاول تقمّص دورٍ ليس له، وارتداء بذّةٍ “مبهبطة” عليه.
لن ندخل بما قاله أخيرًا عن معارك حزبه مع الجيش الإسرائيلي، سواء كانت حقيقية أو وهمية، فالأمر متروكٌ لـ “الأيام والليالي والميدان” على “قولة” المرحوم نصرالله، ولكن ما لفت سمعنا، وسط كل هذا الخراب والدمار والحرب العبثية وأصوات الصواريخ، أنه ينتظر بيان إدانة للعدوان الإسرائيلي من قبل بعض اللبنانيين!
أن يُبحّ صوت اللبنانيين السياديين، وأولهّم “القوات اللبنانية”، ويُصدروا مئات البيانات للتحذير مسبقًا من انجرار لبنان الى حربٍ عبثية غير متكافئة مع إسرائيل، فهذا لا يسمعه محمد عفيف الصحّاف، أمّا أن يتفرد حزبه بإعلان هذه الحرب، على الرغم من كل تحذيراتنا وعلى الرغم من كل استطلاعات الرأي التي كانت تُظهر رفض اللبنانيين للحرب، ويتسبب بتدمير كل شيء، فهذا يستلزمه بيان إدانة للعدوان الاسرائيلي، وليس لعدوان حزب الممانعة على إرادة اللبنانيين ومستقبل أطفالهم وجنى عمرهم!!!
بياننا لن يقدم ولن يُؤخر اليوم بشيء يا محمد عفيف الصحاف، فمن لم يُعر أي اهتمام لنا ولكل اللبنانيين قبل أن يدخل في هذه الحرب، عليه أن يعرف جيدًا بأننا لا نعمل أبواقًا غبّ الطلب في خدمته ولا مستكتبي بيانات لديه، حتى لو تحت يافظة الإنسانية التي يرفعها زورًا وبهتانًا لمجرد ـن يُبرر لنفسه افتعاله الحروب وتخبئة الصاروخ في النفق لا تخبئة المدني، وتخزين الأسلحة تحت غرف الأطفال، لا الأدوية والمستلزمات الطبية.
فعن أي انسانية وبيانات وكلام فارغ تتحدث بالضبط، وتستجدي بعض التعاطف الكلامي من سواك، وأنتم فضلتم صاروخ فادي 1 على فادي ابن حارة حريك، وعماد 4 على عماد ابن بعلبك، وعماد 5 على عماد ابن مارون الراس!
وعن أي بيانٍ تتحدث، وكل دبلوماسية العالم وبياناتها وقراراتها وأوراقها وقرطاسيتها لم تفلح في إقناعكم بوقف الحرب قبل 23 أيلول الماضي، فكفى ضحكًا على الناس، وقبل أن تستجدوا الآخرين لتحريك أصابعكم وصياغة بياناتٍ إنشائية لاستخدامها في غير محلها الطبيعي بغية إطالة أمد حروبكم وسلاحكم المندثر، إرفعوا أصبعكم أنتم أولًا عن الزناد الموجّه الى صدر الوطن والمؤسسات الشرعية وليس الى الاسرائيلي، ونفذوا حرفيًا القرارات الدولية التي سبق لزعمائكم بالذات أن استجدوها من الرئيس السنيورة ومن دول العالمين العربي والغربي، وخصوصًا سنة 2006، فتتوقف الحرب بلحظة من دون لا بيانات ولا بطيخ، وتنتهي مأساة الجنوبيين والبقاعيين وأهالي الضاحية وكل اللبنانيين بـ24 ساعة.
وكم أنت مضحكٌ مبكٍ يا محمد عفيف الصحاف خصوصًا عندما تتحدث عمّن “قاتل الجيش وقتل ضباطه”، فبدل أن تنظر الى القشة في عين غيرك التي حصلت خلال زمن الحرب، لماذا لا تنزع الخشبة الكبيرة من عينك الموجودة في زمن الحرب وفي زمن الدولة.
هل من داعي لتذكيرك بمن فجرّ سيارة الضابط المكلف بضبط احتجاجات طريق المطار سنة 1993 أمام منزله في شكا، وفي عزّ دين قيام الدولة، وليس في الحرب؟
هل نذكرك بالنقيب سامر حنا؟ والنقيب وسام عيد؟ واللواء وسام الحسن؟ اللهم الاّ إذا كنت تعتبر أن اغتيال ضباط قوى الأمن الداخلي لا يسري عليه منطق “قتل ضباط الجيش”.
ثم عن أي جيشٍ قاتله القوات خلال الحرب تتحدث؟ هل هو الجيش الذي كانت تصفه كل أدبياتكم السياسية والعقائدية في ذلك الوقت “بالجيش الفئوي” و”الجيش الماروني”؟
هل هو الجيش الذي يتهمه أمينكم العام نعيم قاسم في كتابه “الحزب المنهج التجربة” بالتورط في محاولة اغتيال الشيخ محمد حسين فضل الله سنة 1985 في بير العبد، وبتدمير الضاحية الجنوبية مطلقًا عليه تسمية “الجيش الفئوي”؟
وهل كنتم تعترفون به كجيش لبناني وقتها، يتصارع مع “ميليشيا” اسمها “القوات اللبنانية”، ام مجرد جيش فئوي يقوده عميل صهيوني متمرّد، مثلما كانت تقول أدبياتكم السياسية عنه وقتها؟
كم أصبح قلبكم رقيقًا الآن على ذلك الجيش الذي كان يقوده العماد عون حينها، ولكن للمفارقة كنتم وقتها مع النظام السوري ضدّه، ومع اللواء سامي الخطيب ضدّه، ومع العماد إميل لحود ضدّه، حتى أن عناصر حزبكم استغنموا فرصة اجتياح جيش لحوّد لمناطق جيش عون في 13 تشرين الأول 1990، محاولين غزو منطقة الحدث والمتن الجنوبي للسلب والنهب والتعدّي، قبل أن يتصدّى لهم أهالي الحدث مع بعض العناصر التي كانت تنتمي سابقًا الى “القوات اللبنانية” بقيادة الشهيد إيلي حبيقة، موقعةً بالمعتدين القتلى والجرحى.
فلا تحاولّن يا محمد عفيف الصحّاف الاصطياد بالماء العكر، وخصوصًا في مسائل تعود الى فترة الحرب الأليمة التي طويناها مع الغريب قبل القريب، لأن تاريخكم سيء، وحاضركم اسوأ، ومستقبلكم أسوأ وأسوأ وأسوأ. ولا تكن كالتلميذ الكسول الذي يحاول رمي تهمة فشله وكسله على الممحاة أو المبراة أو المعلمة، لذلك لا تحاول رمي فشلك ودمارك ووعودك الكاذبة لبيئتك، على قصص عمرها من عمر الأسماك المتحجرّة.
وقبل ان تحدثّنا عن أمور من 35 سنة لنكء الجروح وتغطية سماوات فشلكم بقبوات سلاحكم، متباكيًا على جيشٍ لم تعترف به وقتها، ولا تعترف به اليوم إلا إذا كان مُعلبًّا، مهفهفًا، محلوقًا، منتوفًا، موضبًا بأمبالاج أصفر مع بطاقة معايدة مكتوب عليها، ثلاثيتكم البائدة “جيش شعب مقاومة”، قبل أن تحدثنا عن أمور عمرها 35 و50 و100 سنة، لماذا لا تتوقف أنت اليوم عن التطاول على الجيش اللبناني محاولاً رمي تهمة إخفاقاتك الاستراتيجية والأمنية والعسكرية عليه، لمجرد الإيحاء على الدوام أن الجيش ضعيف ومتخاذل، مشككًا سلفًا بقدراته، لا لشيء سوى لقطع الطريق على اي محاولةٍ لبنانية وعربية ودولية، بتوكيل الجيش والجيش وحده مهمة الدفاع عن لبنان وحفظ الأمن والسيادة بموجب القانون اللبناني وقرارات الشرعية الدولية، بعيدًا عن سلاحكم الذي استنفد مدة صلاحيته، وراح “شيح بريح” بأرضه، حتى قبل أن تبدأ المعركة.
لو أردنا يا محمد عفيف الصحاف أن نرمي شباكنا وصنانيرنا في المياه العكرة لمستنقع بيئتكم المشردة، لاستخرجنا منها كل انواع الأسماك والسلاطعين والثعابين والقناديل… والشياطين النائمة، لكننا أكبر من خزعبلاتكم وحرتقاتكم وأكاذيبكم التي دمرّت شعبًا بأكمله، ولأننا كذلك فنحن نتصرف العكس تمامًا، فنحتضن ونستقبل، ونفتح قرانا وبيوتنا وكنائسنا ومدارسنا، فعسى أن تقفل فمك يكون أفضل.
أخيرًا وليس آخرًا، الزم حدودك ولا تحاولن نكء جراحٍ قديمة طواها الزمن والمصالحات والنسيان واتفاق الطائف، واهتّم أنت بأيامك ولياليك وميدانك البائد، أما نحن فسندع الموتى أمثالك يدفنون موتاهم، كما يوصينا السيد المسيح، وسنذهب لبناء لبنانٍ جديد حر سيد مستقل، خالٍ من كل هذا القرف والفشل ولغة الماضي والمغاور والكهوف.