في تطور سياسي وعسكري لافت، شهدت المنطقة اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، والذي دخل حيّز التنفيذ صباح اليوم الأربعاء. وعلى الرغم من الترحيب الدولي بالاتفاق باعتباره خطوة نحو التهدئة، إلا أن الموقف السياسي للحزب في لبنان قد بات محط تساؤلات وانتقادات لاذعة، خصوصاً بعد الخطابات النارية التي أطلقها السيد نصرالله رحمه الله خلال الأشهر الماضية.
من وعود الرد الحتمي إلى تهدئة غير متوقعة
في سلسلة من الخطابات التي أُلقيت على مدار الأشهر الأخيرة، شدد نصرالله على أن الحزب “لن يتراجع” قبل تحقيق النصر النهائي في غزة ووقف الهجوم الإسرائيلي بشكل كامل. ففي خطاب بتاريخ 19 ايلول 2024، أكد أن “جبهة لبنان لن تتوقف قبل وقف الحرب على غزة”، مضيفاً أن الحزب لن ينسحب من معركة “إسناد المقاومة في فلسطين”، وأن أي محاولة لوقف هذه الجبهة ستواجه بـ”رد مزلزل”.
أكد نصرالله بالخطاب نفسه أن أحد أهداف الهجمات الإسرائيلية كان الضغط على “الحزب” لوقف إسناد غزة، مشددًا على أن “جبهة لبنان لن تتوقف قبل وقف الحرب على غزة”. أضاف أن تمسك المقاومة بمواقفها يعني أن الجيش الإسرائيلي لم يحقق أهدافه، مؤكدًا أن التفجيرات لم تؤثر على بنية المقاومة أو على معنويات المصابين وبيئة “الحزب”.
كما شدد نصرالله في جميع خطاباته التي توالت خلال الحرب منذ 7 من تشرين الاول 2023 أن وقف دعم غزة يؤدي الى هدر دماء الضحايا وتضحيات الشعب اللبناني التي ما كانت لتهدر لولا قرار “الحزب” دعم غزة.
في مراسم تشييع فؤاد علي شكر شدد السيد نصرالله على أن المقاومة دخلت مرحلة جديدة من المواجهة، متوعداً برد حتمي على الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف الضاحية الجنوبية وأدى إلى اغتيال السيد شكر وعدد من المدنيين. وأكد نصرالله أن اغتيال القادة لن يثني “الحزب” عن مواصلة المعركة، مشيرًا إلى أن الرد سيكون مدروسًا وحقيقيًا، مما يبقي إسرائيل وحلفاءها في حالة ترقب دائم.
كما أعلن نصرالله في خطاب آخر بتاريخ 1 اب 2024 أن “أي اعتداء على المقاومة سيواجه بردّ حاسم”، متوعدًا بأن الحزب سيدفع “ثمناً غالياً” للجيش الإسرائيلي عن أي تصعيد.
تغير مفاجئ في المعادلة
ومع ذلك، وبعد مقتل نصرالله في غارة إسرائيلية، تغيّرت الأمور بشكل جذري. القادة الذين خلفوه لم يظهروا الالتزام نفسه بما وصفه السيد بـ”الخطوط الحمراء”. بل على العكس، وافق “الحزب” على وقف إطلاق النار بشروط وصفها البعض بأنها إنهزامية.
هذا التطور ترك العديد من الأسئلة لدى اللبنانيين، خصوصًا في ظل التضحيات البشرية والخسائر المادية التي تكبدتها البلاد خلال هذه الحرب. كيف يمكن للحزب أن يتحمل مسؤولية الزجّ بلبنان في معركة مفتوحة، ثم القبول بتهدئة بلا تحقيق أهداف واضحة؟
أين مصداقية الحزب؟
لا شك أن الوضع السياسي والأمني الداخلي في لبنان سيتأثر بشدة بعد هذا التحول. كيف يمكن أن يبرر الحزب لمناصريه قبول التهدئة بعد الوعود المتكررة بأن “الرد آتٍ حتماً”؟ وكيف يمكن تفسير قبول وقف إطلاق النار مع شروط مجحفة، بعد خطاب دام لأشهر عن استحالة التراجع؟
ربما يكون السؤال الأهم اليوم هو: هل انتهى عهد الخطابات النارية الشعبوية أم أن الحزب سيعود لخطاب “المقاومة” عند أول فرصة جديدة؟
الهدوء الحالي قد يكون بداية لمرحلة جديدة من النقاش الوطني حول دور الحزب في السياسة اللبنانية، وحول تسليم سلاح “الحزب” لأن الواضح أن الثقة التي بناها الحزب لعقود من الزمان قد تعرضت لضربة كبيرة لا يمكن الرجوع عنها.
اقرأ ايضاً: خاص ـ رعد و”الكتب القديمة”.. لا مكان لـ”جيش شعب مقاومة” في اليوم التالي (امين القصيفي)