يا من تُعيّرنا بـ “حرب الإلغاء”…

حجم الخط

من يتحالف مع بشار الأسد وينبطح عند اقدامه مبررًا لحزب الممانعة إرساله المقاتلين الى سوريا للدفاع عن بقاء هكذا ديكتاتور مجرم طيلة 13 سنة، خصوصًا بعد كل ما شاهده العالم وشاهدناه أخيرًا من ظلم وإجرام وإرهاب وحقارة بحق الإنسان، هو آخر من يحق له اتهام أحدٍ آخر على هذه الكرة الأرضية بالإجرام، حتى ولو كان “كيم ايل جونغ” بذاته.

إذا كان جبران باسيل لا يمت الى بشار الأسد بصلة، لا بل “طول عمره” معاديًا له ولنظامه، بحسب ما أخبرنا به أخيرًا، فهذا يعني أن خياره السياسي انتصر بانتصار الثورة السورية، وما علينا سوى أن نقول له ألف ألف مبروك يا جبران.

ولكن لماذا كل هذا التوتر والعصبية والمغص والإمساك الذي يتحكّم بك وبأذناب البعث والقومي وبقاياهم من العناصر والكوادر في تيارك الوطني الحر، يا وطني حرّ أنت؟  لماذا كل هذا التصويب على “القوات اللبنانية” التي تحتفل بسقوط الديكتاتور، النابع من القهر والفشل الاستراتيجي والرغبة بتشتيت ذهن ما تبقّى من عونيين عن خياراتك الفاشلة داخليًا وخارجيًا وتنظيميًا وإداريًا ودولتيًا و”مقاومتيًا”، وتوجيهها باتجاه “القوات اللبنانية”؟

إفرحوا أيها الباسيليون واحتفلوا، فخياركم انتصر، وبشّار المجرم سقط، وتوقفّوا عن بث الآمال الكاذبة عن أن “القصة بعد ما خلصت بسوريا”، وبأن “بشار راجع”، مع أنه يُفترض بكم أن تركعوا وتصلّوا ليلًا نهارًا حتى لا يرجع بشّار، لأنه أول من سيحاسبكم ويحاسب زعيمكم على جحوده ونكرانه للجميل وتنكرّه له قبل صياح الديك، بعد كل الخدمات الجليلة التي قدمّها له طوال عقود.

من هنا نبدأ لنعود بالزمن قليلًا الى الوراء، الى فترة الحكومة العسكرية التي تولاّها العماد ميشال عون اعتبارًا من أيلول 1988، فهذه الحكومة التي بدأت شرعية، عادت وأصبحت خارجة كليًا عن الشرعية اعتبارًا من 28 أيلول 1989 مع التوقيع على اتفاق الطائف، وخصوصًا بعد انتخاب الرئيس رينيه معوض في تشرين الأول من تلك السنة.

اعتبرت الشرعية اللبنانية المنبثقة عن اتفاق الطائف التي سارعت الفاتيكان وفرنسا والعراق والولايات المتحدة، الحلفاء التاريخيين لمسيحيي لبنان، للاعتراف بها، وقدّم سفراء تلك الدول أوراق اعتمادهم للرئيس الجديد للطائف، اعتبرت تلك الشرعية إذًا بأن العماد ميشال عون هو مجرد ضابط متمرد على الشرعية اللبنانية، وهو يقود مجموعة مسلحة خارجة عن تلك الشرعية.

أي بشكلٍ أوضح، أن المجموعات العسكرية التي بقيت تأتمر بأوامر عون حينها كانت ميليشيا أخرى على أرض لبنان، ولكن بفارق وحيد عن الميليشيات الباقية، وهو أن قضيتها هي مجرد تقويض الشرعية القائمة أصلًا وإيصال قائدها الى رئاسة الجمهورية، بينما “الميليشيات” اللبنانية الباقية كان كل منها يحمل قضية سياسية ووطنية واضحة المعالم والتصورات منذ عام 1975.

وفي حين أن “الميليشيات” اللبنانية الباقية نشأت بفعل انهيار الدولة وتفكك الجيش اللبناني عام 1975، ومنها من نشأ أساسًا للقيام بدور المؤسسات الشرعية التي تخلّفت عن وظيفتها الأساسية في حماية الناس وأرزاقهم وخصوصًا “القوات اللبنانية”، كانت ميليشيا عون تنشأ في ظل وجود شرعية قائمة، ولكنها بدل أن تعمل على تحصين تلك الشرعية راحت بالمقابل تعمل على ضربها لإسقاطها والحلول مكانها، كما حصل اعتبارًا من 28 ايلول 1989 تاريخ التوقيع على اتفاق الطائف، وصولًا الى هروب عون للسفارة الفرنسية في 13 تشرين الأول 1990، باعتباره ضابطٍ متمرد تستوجب محاكمته من قبل الشرعية اللبنانية.

قامت الشرعية المنبثقة عن اتفاق الطائف التي اعترف كل العالم العربي والغربي بها، بتعيين قائد للجيش غير عون، في ظل وجود عون على رأس المجموعات العسكرية التي كان يقودها حينها والتي بقيت تأتمر به، وذلك للتأكيد أكثر فأكثر على أن الجيش اللبناني الشرعي أصبح له قائد وهيكلية، فيما كل المجموعات الأخرى بما فيها المجموعات التي تأتمر بميشال عون، هي مجرد مجموعات خارجة عن القانون ومتمردة على الجيش اللبناني.

لا اختلاف بين كل الناس وكل المحللين وكل المراقبين السياسيين حول هذه النقطة، لذلك فالمجموعات العسكرية بقيادة ميشال عون التي أعلنت “حرب الالغاء” على “القوات اللبنانية” في 31 كانون الثاني 1990، كانت بمثابة ميليشيا لبنانية أخرى تريد إلغاء “ميليشيا” مثلها اسمها “القوات اللبنانية”، ومن حق “الميليشيا” الأخيرة في هذه الحالة الدفاع عن نفسها، خصوصًا أن الميليشيا الأولى التي يقودها عون لم تكن تريد إلغاء الثانية لمصلحة الدولة والشرعية والطائف، بل لمجرد أن تضمّها الى مجموعاتها العسكرية المتمردة على الشرعية، وخصوصًا أيضًا وأيضًا أن “القوات اللبنانية” كانت موافقة على اتفاق الطائف وتسعى للانضمام الى الدولة اللبنانية الجديدة، لا الى ميليشيا أخرى خارجة عن الدولة والقانون.

وللتذكير أيضًا فإن الطائف الذي شكّل “الشمّاعة” التي على أساسها شنّ عون حربه الشعواء على القوات بحجّة موافقتها عليه، عاد هو نفسه وأصبح رئيسًا لجمهوريته، مشاركًا بكل مجالسه النيابية وحكوماته.

عندما كان العماد عون رئيسًا شرعيًا للحكومة العسكرية وقائدًا شرعيًا للجيش في 14 شباط 1989، أي قبل التوقيع على الطائف بسبعة أشهر، شنّ أول حرب الغاء على “القوات اللبنانية”، لكن القوات لم تقاومه حينها، بوصفه يمثّل الجيش اللبناني والشرعية، وتوجّه الدكتور جعجع الى قصر بعبدا على الرغم من تعرضه لمحاولة اغتيال على الطريق، قائلًا من قصر بعبدا: “الجنرال بيمون”، عامدًا الى تسليم الجيش اللبناني مرفأ الحوض الخامس ومرفأ جونيه، والأمن الداخلي في المناطق الشرقية، مانعًا المظاهر المسلحة لمقاومي “القوات اللبنانية” بين الأحياء والشوارع، حاصرًا وجود القوات داخل الثكنات وعلى الجبهات، ملتزمًا بكل ما طلبه منه العماد عون سياسيًا وإعلاميًا وأمنيًا، وخصوصًا عندما طلب الأخير من الدكتور جعجع مساندة مرابض “القوات اللبنانية” ومقاتليها في “حرب التحرير” وتسخير وسائل إعلام القوات المتطورة جدًا حينها في خدمة سياسات عون “التحريرية”، فأصبحت غرفة عمليات “القوات اللبنانية” العسكرية والسياسية والاعلامية بحد ذاتها أيضًا بإمرة الجيش اللبناني وقتها.

وعلى الرغم من أن حرب الإلغاء الأولى في 14 شباط 1989 كانت مقوننة وشرعية، باعتبار أن الجيش اللبناني الشرعي يشن حربًا على “ميليشيا” اسمها “القوات اللبنانية”، غير أن تلك الحرب لم تكن حربًا أخلاقية، ولا وطنية، ولا تتمتع بالمشروعية، لأن لبنان حينها كان واقعًا تحت شتى أنواع الاحتلالات السورية والإيرانية والفلسطينية والإسرائيلية، وفيه مئات أنواع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، وبالتالي لا يُفترض بأن تكون “القوات اللبنانية”، الضحية الوحيدة للجيش اللبناني بقيادة ميشال عون وقتها، فيما كل الباقين يحافظون على وضعياتهم العسكرية والسياسية والأمنية داخل لبنان كما هي.

مع توقيع العماد ميشال عون على ورقة “تفاهم بعلزبول” مع ميليشيا إيرانية مسلحة، موفّرًا لها الغطاء السياسي والشعبي والنيابي، في ظل وجود دولة وشرعية وعدم وجود أي احتلال للبنان، ظهرت أمام كل الناس، وخصوصًا الرأي العام المحايد، حقيقة حروبه الإلغائية السابقة على “القوات اللبنانية”، والتي كانت مجرد غطاءٍ للانفراد بالسلطة وتحويل المناطق المسيحية الى نظامٍ عسكري ديكتاتوري خارج عن الشرعية العربية والدولية، أسوةً بنظام حليفه الأسد الساقط في سوريا.

القوات لم ترتكب أي مجازر بحق الجيش اللبناني، بخلاف الدعاية الباسيلية البائدة المنحطة، فالحرب كانت الحرب، وعندما كان الجيش اللبناني يهجم على “القوات اللبنانية” في 14 شباط 1989، أي عندما كان يقوده قائدٍ شرعي اسمه ميشال عون، لم تقاتله القوات، بل تراجعت أمامه، وأعطته كل ما يريده، ولذلك أوقف حربه وقتها.

ولكن عندما أصبح هذا “الجيش” متمردًا على الجيش اللبناني الشرعي، فمن البديهي أن تدافع “القوات اللبنانية” عن نفسها بمواجهة مجموعة مسلحة بلا أفق ولا قضية، بل قضيتها الوحيدة هي تقويض الشرعية والإمعان بتقسيم الجيش وتكريس هذا الانقسام من خلال وجود قائد شرعي للجيش يتبع لشرعية الطائف، وقائد آخر متمرد في بعبدا.

وفي الحقيقة، لو لم تدافع القوات عن نفسها حينها لبقي الجيش منقسمًا ربما حتى اليوم، لأن استسلام القوات لعون وقتها كان سيمنع توحيد الجيش الا بشروط عون، وما أدراكم وأدرى لبنان ما هي شروط عون، خصوصًا عندما كان في أوج جبروته وعنجهيته وقوته العسكرية.

الحرب هي الحرب وقد طواها اتفاق الطائف والمصالحات والنسيان أيضًا، ولكن كلما دق الكوز بالجرّة يريد بقايا الباسيليين نكئ جراحٍ قديمة ولكن بطريقة انتقائية ومضللة، فما يُسمى “بالمجازر” التي ارتكبتها “القوات اللبنانية” بحق “الجيش”، لم تكن لا مجازر ولا بحق الجيش، بل بعض ردود الأفعال الشخصية الفردية في حمأة السلاح والغضب وسقوط الرفاق بين أيدي رفاقهم من قبل ميليشيا متمردة على الشرعية تشبه تمامًا “القوات اللبنانية” وقتها، من حيث الشكل طبعًا، لا من حيث القضية والمضمون.

وما دام الباسيليون يحبون تذكر هذا الموضوع، فلا بأس إن عادوا بذاكرتهم أيضًا الى بعض المجازر التي ارتكبتها مجموعات ميشال عون المسلحة الخارجة عن القانون خلال حرب الالغاء سنة 1990، في 4 شباط أمام الصندوق الوطني في الضبيه، وفي 11 منه في القليعات.

دعكم من عشرات القتلى والدمار الفظيع الذي لحق بالنبعة وسن الفيل وبرج حمود بفعل الهجوم التدميري الكبير الذي شنّته تلك المجموعات المسلحة على تلك المناطق، بالإضافة الى عشرات القتلى من اهالي عين الرمانة وفرن الشبّاك الذين سقطوا بفعل الهجوم عليهم من قبل المجموعات نفسها، بالإضافة الى سواها من المناطق.

لا لستَ ملاكًا يا ميشال عون وليست “القوات اللبنانية” هي الشيطان الميليشياوي، بل “كلنا كنا بالهوى سوى” في زمن الحرب، أمّا اليوم وفي زمن الدولة، فنحن مع الدولة والقانون والشرعية والشفافية والنزاهة والسيادة والحرية والازدهار بشهادة المسلمين قبل المسيحيين، ولنا أكبر كتلة مسيحية ولبنانية، أما أنت وتيارك، فمع كل شيء يتناقض مع الشعارات التي خضت حروبك التدميرية على أساسها، ومع السلاح غير الشرعي، ومع الميليشيات، ومع الظلامية والفساد وانهيار الدولة ومع النظام الأسدي المجرم، وضد الحرية وضد العالم الحر ومفروض عليكم عقوبات دولية ومنبوذين من الجميع، وخياراتكم السياسية تنهار الواحدة تلو الأخرى، وحضوركم الشعبي بات يساوي الحضور الشعبي للبعث والقومي، وربما منفردين أيضًا.

أما بعد، قال “تيار إصلاح وتغيير” يُعيّر “القوات اللبنانية” بتاريخها قال…!!!​

إقرأ أيضًا

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل