كما في الرئاسة الاولى كذلك في الثالثة.. لا رأي لـ”ثنائي” الاستقواء

حجم الخط

الثنائي

كل ما قيل وتم التسويق له عن صفقة أبرمت بين الثنائي الشيعي ورئيس الجمهورية المنتخب جوزيف عون في استراحة الساعتين، سقط نهائيًا في الاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل الحكومة، وسقطت معه مرحلة الاستقواء والاستعلاء والتهديد والوعيد والسلاح. رَعْدُ الكلام، صار ناعمًا، يتحدث بهدوء أعصاب ويدعي الحرص على عدم التفكيك والشرذمة والإقصاء. نسي ثنائي الاستقواء، “الحزب” المستقوي بسلاحه ورئيس حركة “أمل” المستقوي بـ”الحزب”، كل التجاوزات التي ارتكبوها بحق الآخرين عندما كانوا “أقوياء”. فبالنسبة اليهم، كان الاحتكام الى الديمقراطية وإرادة الناس انكسارًا لعنجهيتهم وبالتالي لمشروعهم.

فعلى الرغم من اليد الممدودة ومن ضرورة التعلم من عبر الماضي، لا ينفك الثنائي يتذاكى إما في محاولة لإرضاء بيئته الغاضبة أصلًا عليه وتبرير تحوله الى فئة شانها شأن كل الفئات اللبنانية الأخرى من حيث حقوقها وواجباتها ومن دون أي امتيازات، وإما في إنكاره لمتطلبات المرحلة الجديدة ورفضه لاستيعابها، وفي الحالتين، لا بدّ أن يعي الثنائي الذي أخذ البلد لأكثر من ثلاثين عامًا رهينة، أن الدخول في ركب التغيير مع القوى اللبنانية الأخرى أمر لا بد منه. فقد علّمتنا تجاربنا السياسية، أنه في لبنان، لا أحد يستطيع أن يحكم منفردًا، وان لا فئة بإمكانها فرض ممارساتها وأفكارها ومشروعها على الآخرين.

إذًا، رفض “الحزب” حتى الساعة، الانخراط في مقتضيات المرحلة الجديدة والدخول في ركب التغيير. ظلّ لسنتين ونيف يتحايل على رئاسة الجمهورية ويضرب إمكانية التوافق على انتخاب العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية، وعندما وجد أن الأمر قد قضي، خرج مسؤول التنسيق والارتباط وفيق صفا، قبل ساعات قليلة من جلسة الانتخاب، ليقول إن لا مشكلة بجوزيف عون، متخليًا عن حليفه سليمان فرنجية، الذي كان مصرًا عليه من دون رضى المسيحيين، ولم يعر “الحزب” حينها أي قيمة لا للالتقاء ولا للتفاهم ولا للتفكيك ولا لإقصاء الشرذمة. وفي جلسة الانتخاب، لوح “الحزب” ومن خلفه الثنائي، بأن الاستراحة التي طلبها رئيس المجلس نبيه بري بعد الدورة الانتخابية الأولى، قضت بانتخاب جوزيف عون مقابل تسمية نجيب ميقاتي، وضجت صفحات الممانعين ببنود اتفاق، أقل ما يقال فيه إنه هزلي للمرحلة المقبلة. وعلى غرار عادته في الانتصارات، خرج “الحزب” بانتخاب جويف عون منتصرًا، لأنه وجد التخريجة، من دون أن تكون له لا كلمة الفصل ولا أحادية القرار.

التسويق لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي استمر لساعات طويلة قبل موعد الاستشارات النيابية الملزمة في القصر الجمهوري، ليتبين مع الأصوات أن لا تسوية ولا من يُسوون، وأنها إرادة النواب والناس، فأتت تسمية الأكثرية لمصلحة القاضي نواف سلام، وكالعادة، حرق “الحزب” حلفاءه وتخلى عنهم، من الرئيس ميقاتي الى النواب الذين وُعدوا بمكاسب ووزارات، لكنه هذه المرة لم يجد التخريجة، فخرج مسوقًا لفكرة أنه تعرض لخديعة سياسية، وبدأ يلوم “فلان وعلتان”، من الكتل النيابية، التي لم تعده أصلًا بأي شيء، بدل أن يبدأ بالاعتياد على العمل الديمقراطي والاحتكام اليه،  متناسيًا أنه خدع اللبنانيين وحلفاءه كما خصومه، لسنوات طويلة، ضاربًا الديمقراطية وأسسها والدستور ومواده بعرض الحائط، محولًا لبنان الى شيء ما من قندهار.

لا يحق لـ”الحزب”وبالتالي للثنائي، أن ينسى أنه في الفترة الممتدة من العام 1990 وحتى العام 2005، نصّب نظام الوصاية السوري وزراء ونواب مسيحيين لا يمثلون بيئتهم ولا مجتمعهم وكانوا تابعين بالكامل لذاك النظام.

في الإطار عينه، لا بدّ من التوقف عند المرحلة التي علق فيها وزراء الثنائي الشيعي مشاركتهم في الحكومة على خلفية المحكمة الدولية في 12 كانون الأول 2005، يوم اغتيال النائب جبران تويني، بغض النظر عن رأي الآخرين والأكثرية النيابية وكل الأصول السياسية، حتى أن رئيس هيئة علماء جبل عامل الشيخ عفيف النابلسي، أفتى بأن أي دخول من أي جهة سياسية شيعية الى الحكومة، هو دخول غير شرعي، لأنه لا يمثل الواقع الشعبي، ونقلت صحيفة “السفير” في 21 كانون الاول 2005 عنه ما حرفيته: “نوجه فتوى احترازية إلى كل سياسي شيعي، يحاول الاستفادة والدخول على خط الأزمة الحكومية الحاصلة، أن لا يوقع نفسه بالتزام وميثاق مع الآخرين وهو لا يحتل الموقع الشعبي ولا يملك المسوِّغ الشرعي لمثل هذا العمل”.

تجاوزات “الحزب” بالاستقواء على الديمقراطية استمرت، ولم يعر حينها أي قيمة لا للالتقاء ولا للتفاهم ولا للتفكيك ولا لإقصاء الشرذمة، عندما أسقط في 13 كانون الثاني 2011 رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، باستقالة نواب “الحزب” و”التيار” وقوى 8 آذار، كذلك فعل في 18 كانون الثاني 2011، حين أجبر ومن خلال القمصان السود رئيس الجمهورية، على تأجيل الاستشارات اسبوعًا، ليستبدل وسلاحه على الطاولة، الممثل الاكبر في طائفته سعد الحريري، بنجيب ميقاتي، وحكم “الحزب” بحكومة اللون الواحد.

التجاوزات كثيرة، ومن بينها تهديد القاضي طارق البيطار، على خلفية تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، لكننا سنكتفي بهذه الأمثلة، لأن الصفحات لا تنتهي لتعدادها كاملة، لكن، لا بدّ أيضًا من الإشارة الى الميثاقية التي طبعت انتخاب رئيس مجلس النواب نبيه بري بـ65 صوتًا فقط، إذ لم يصوت المكونان المسيحيان الأساسيان للرئيس بري على عكس الـ99 صوتًا من كل الطوائف والمذاهب للرئيس جوزيف عون، والـ84 صوتًا للسفير نواف سلام.

يبقى أن نذكّرالثنائي وتحديدًا  “الحزب” بنصيحته للأخرين، ففي 23 نيسان 2023، قال رئيس المجلس التنفيذي في “الحزب” وأمينه العام الراحل هاشم صفي الدين: “إذا لم يسارع بعض اللبنانيين إلى ما يُعرض عليهم الآن، فسيأتي الوقت الآتي وهم غير قادرين على أن يحصلوا حتى على العرض الذي يعرض عليهم اليوم، وبالتالي على هؤلاء أن يستعجلوا اغتنام هذه الفرصة، والتأخير ليس لمصلحتهم على الإطلاق، لأنهم فاقدي لأوراق القوة التي يدّعون ويتخيلون أنهم يمتلكونها، ولكن في الحقيقة هم لا يمتلكونها”.

والسلام.​

إقرأ أيضًا

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل