لا يمكن تفسير التصرفات والمواقف التي أطلقها “الحزب” أخيراً، أكان على المستوى الميداني في الجنوب أو في الداخل، إلا من زاوية عجزه عن تقبُّل وضعيته الجديدة المهزومة ومواجهة بيئته، بعدما عمل على مدى العقود الماضية على ضخّ جرعات متتالية في وجدانها من فائض القوة والسيطرة والهيمنة، خصوصاً وأن الوقائع تشير إلى دخول لبنان والمنطقة في عصر جديد عنوانه نهاية العصر الإيراني وأذرعه الممتدة وسيطرته على القرار في عدد من الدول العربية، وبداية عصر الدول الوطنية في المنطقة بمقوّماتها السيادية الكاملة المواصفات. من هنا، يمكن فهم ما يمكن تسميته دعوة “الحزب” للتمرد على الجيش جنوباً من جهة، واستفزاز الداخل وتهديده بمسيرات استفزازية في مناطق مناهضة للحزب بغالبيتها الساحقة من جهة ثانية، في محاولة لإقناع بيئته وتهديد الآخرين بأنه لا يزال قادراً وقوياً، خصوصاً على مشارف تشكيل الحكومة العتيدة التي يتلَّمس “الحزب” أنها ترمي إلى وضع ثلاثيته “جيش شعب مقاومة” في غياهب النسيان.
مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات العميد الركن المتقاعد خالد حماده، يشير إلى أن “الحزب يستمر في المواقف التي تُمثِّل محاولات للالتفاف على اتفاق وقف إطلاق النار، علماً أن “الحزب” يعترف وهو أقرَّ بالتخلي عن بنيته العسكرية في منطقة جنوب الليطاني. لكن كل مواقف “الحزب” من هذا القرار تؤكد بأنه غير مقتنع، أو على الأقل ربما غير قادر على مواجهة بيئته وإقناعها بأن هذا القرار يشمل كذلك عدم الإبقاء على أي بنية عسكرية للحزب، لا في جنوب الليطاني ولا في شماله، وطبعاً ضرورة مسك الحدود من قبل الدولة والجيش وتطبيق القرارات ذات الصلة”.
حماده يوضح، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “ما قام به الحزب قبل أيام في الجنوب، من خلال استنفار المواطنين في الجنوب ودعوتهم للذهاب إلى القرى التي لا يزال يتواجد فيها الجيش الإسرائيلي، إنما كان يحاول استعادة المبادرة والقول إنه موجود وهو الذي يدفع بهم إلى هذه القرى المحتلة، وأن كل هذه الإجراءات هي التي ستؤدي إلى الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب وليس اتفاق وقف إطلاق النار، أو ليس وجود الدولة والجيش كطرف في هذا الاتفاق يمكن أن يضمن للمواطنين الجنوبيين العودة إلى بيوتهم وأملاكهم، والتي سبق وهدَّمها “الحزب”، من دون أن يأخذ في الاعتبار أي مصلحة لهؤلاء ومن دون أن يحترم أبسط مقوّمات السيادة في لبنان”.
حماده يلفت، إلى أن “ما قام به الحزب أيضاً من مسيرات في الأيام الماضية، يأتي استكمالاً لما قام به في الجنوب. هو كان يستعرض في الجنوب أمام الجنوبيين محاولاً العودة إلى المشهد، وكذلك من خلال المسيرات التي اعتدت على المواطنين وأمنهم في بيروت وغيرها، كان يريد القول إنه لا يزال موجوداً ولا يزال قادراً على تهديد الأمن والاستقرار، وبالتالي قوته في الداخل لا تزال موجودة وهو لا يزال قادراً على إدارة ومصادرة القرار السياسي في لبنان”.
برأي حمادة، أن “كل هذا يأتي على خلفية التعثر في تشكيل الحكومة وعدم إسناد الحقائب التي يريدها الحزب وحركة أمل في الحكومة الجديدة، ومحاولة كذلك للقفز فوق ما ترمي إليه الحكومة والعهد الجديد في تجاوز ثلاثية “جيش شعب مقاومة”.
بالتالي، يضيف حماده: “عبَّر الحزب بطريقتين مختلفتين عن موقفه من القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار والموقف من نزع سلاحه: في الجنوب، يدعو الجنوبيين للتمرد على الجيش ولمحاولة إرباك تنفيذ القرار 1701، وفي الداخل، كذلك يوجِّه رسائل إلى كافة الفرقاء السياسيين يريد من خلالها الإيحاء بأنه لا يزال قادراً على فرض واقع أمني، يهدِّد به ربما أي تركيبة حكومية قد يلجأ إليها أو قد يصدرها الرئيس المكلف نواف سلام ورئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، ولا تراعي مطالب الحزب أو لا تتّفق مع الوزن الذي كان يفرضه الحزب على الحكومة وعلى رئيس الجمهورية سابقاً”.
حماده يرى، أن “المرحلة الجديدة تبدو مقلقة. تمديد فترة الانسحاب الإسرائيلي إلى 18 شباط المقبل، يبدو لغاية الآن محفوفاً بالمخاطر، لأن كل ممارسات الحزب وكل محاولات الالتفاف على القرار 1701، وعدم وجود حكومة قادرة على تبنِّي بيان وزاري يؤكد بصراحة على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، كل هذه عوامل ستؤدي إلى تعقيد الموقف وكذلك ستلجأ إسرائيل إلى عدم الانسحاب في 18 شباط المقبل”.
حماده يلفت في هذا السياق، إلى أنه “يجب أن ننظر دائماً، ليس فقط إلى ما تقوم به إسرائيل من اعتداءات، بل يجب أن ننظر أيضاً إلى الفرص التي نقدّمها لإسرائيل من خلال عدم الالتفاف حول الدولة، وبالتالي نعطي إسرائيل كل هذا المجال لكي تخرج وتقفز فوق القرارات الدولية التي تصب في مصلحة لبنان”.
حماده يعتبر، أن “المطلوب، أن يقتنع الحزب بأنه لن يكون سوى مكون سياسي، وأنه لا يستطيع أن يستمر في مغامراته في ظل كل المتغيرات التي حصلت، بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بموافقته، وبعد سقوط بشار الأسد ونظامه في سوريا، وبعد كل المواقف التي أبدتها أكثر من دولة عربية، لا سيما المملكة العربية السعودية ومصر وقطر، والتي كانت مشاركة في كل الجهود الدولية التي أدَّت بالوضع الإقليمي إلى ما وصل إليه”.
اقرأ ايضاً: خاص ـ نوايا إسرائيلية بعدم الانسحاب.. لقاء نتنياهو ـ ترامب يحدد مصير المنطقة