موارنة سوريا تجذر وصمود.. المطران نصّار: مستقبلهم واعد

حجم الخط

موارنة سوريا

موارنة الشرق. إرثهم ليس سهلًا والمحافظة عليه يتطلب الكثير من التضحيات وسط هذا الكم الهائل من التحديات، فعلى كتفهم حمل تاريخ طويل عنوانه الصمود والتضحية والحرية من أجل العيش الكريم. صحيح أن وضعهم لا يختلف عن وضع مواطنيهم في البلدان التي يقطنون فيها، لكن رسالتهم تضعهم أمام تحدي النجاح الدائم. في الحرب السورية، تقلص عدد المسيحيين في سوريا من مليوني مسيحي الى حوالى 300 ألف بينهم خمسون ألفًا من الموارنة، بحسب التقديرات غير الرسمية. اليوم وبعد سقوط نظام بشار الأسد، تتجه الأنظار الى الأبرشيات المارونية الثلاث في سوريا، وتكثر الأسئلة عن وضع هذه الجماعة والتحديات التي تواجهها ومستقبلها.

موقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني فتح الملف، فكان هذا اللقاء مع رئيس أساقفة أبرشية دمشق المارونية، المطران سمير نصار.

ـ يحل عيد مار مارون هذا العام في ظروف سياسية مختلفة تمامًا سواء في لبنان أم في سوريا، كيف تلخصون وضع الموارنة في الشرق وتحديدًا في سوريا عبر التاريخ؟ كيف تشرحون معاني هذا العيد وقيمه؟ وهل سيتم الاحتفال بهذه المناسبة اليوم بطريقة مختلفة عما كانت عليه في السنوات الماضية؟

يعود تاريخ الموارنة في دمشق الى ما قبل الفتح العربي، فالمؤرخ المسعودي يتحدث عن حصول جدل في البلاط الأموي بين الموارنة واللا خلقيدونيين. بعد ذلك مرت على الموارنة ظروف صعبة. انضم الموارنة الى الصليبيين إبان الحملات الصليبية، وبعد مغادرة الصليبيين ونجاح المماليك بطردهم نهائيًا من بلاد الشام، عاش الموارنة مرحلة صعبة من التنكيل والاضطهاد.  عادت الامور وانتظمت إبان حكم الإمبراطورية العثمانية التي اعترفت بالأقليات الدينية كأمم مستقلة، لها كيانها الخاص، وذلك بفضل الصداقة التي كانت بين ملك فرنسا Francois Premier وإسطنبول.

عيد مار مارون عيد يجمع كل الطوائف المسيحية، فالكنيسة الأرثوذكسية تحتفل به بحسب روزنامتها، في 14 شباط. إذًا هو عيد جامع للكنيسة الجامعة. وهذا العام، سنحتفل بالعيد بإقامة القداديس، التي سيحضرها جميع المسيحيين من كل الطوائف المسيحية في دمشق.

 

ـ ما هي الرسالة التي يوجهها موارنة سوريا لا سيما أن الفترة السابقة لم تكن وردية عليهم؟

الموارنة في سوريا مواطنون سوريون يعيشون في علاقة حوار مع الجميع وهم مقبولون من الجميع، وهذا الأمر البالغ الأهمية يسمح لهم بلعب دور مسكوني بين جميع الطوائف.

 

ـ كيف يتوزع موارنة سوريا، وهل يملكون مؤسسات تربوية واستشفائية خاصة بهم؟

في سوريا، ثلاث أبرشيات مارونية: دمشق، حلب، واللاذقية. أقدم أبرشية مارونية بعد قبرص هي دمشق، تليها حلب ثم اللاذقية، حيث العدد الأكبر هناك مع وجود حوالى 40 قرية مارونية متمسكة بجذورها. موارنة حلب من أصول حلبية وتجذرهم في مدينتهم قديم. أما موارنة دمشق فقد تشتتوا في القرن التاسع عشر عقب مجازر العام 1860 والشهداء المسابكيبن القديسين الجدد، وعادوا الى مدينتهم. قسم كبير من موارنة دمشق أتى من لبنان قبل الحرب العالمية الأولى بسبب المجاعة، وخلالها بحثًا عن مصدر عيش وكانت الزراعة من أبرز الأعمال التي مارسوها. في العام 1948، وبعد النكبة الفلسطينية، قصد دمشق موارنة فلسطينيون، تلاهم في العام 1967 موارنة نزحوا من الجولان، لتكون الهجرة الكبيرة من الريف الى المدينة بهدف البحث عن مصدر رزق، وتحديدًا من قرى أبرشية اللاذقية وطرطوس وحمص، هي الأكبر في تكوين موارنة دمشق.

 

ـ كيف ترى مستقبل موارنة سوريا؟

مستقبل الموارنة في سوريا مرتبط بشكل عام بمستقبل السوريين ككل. فموارنة سوريا لا يملكون شخصية منفصلة عن السوريين الآخرين، وهم يعيشون في بلد يتعرض للصعوبات كما يستبشر بالأمل. يبدو أن المستقبل واعد اليوم، لكن المرحلة الانتقالية لا تخلُ من الصعوبات وصعوباتها على سبيل المثال لا الحصر، عودة 12 مليون سوري كانوا قد هجروا الى منازلهم، فوجدوا من يسكن فيها، ولن تكون المعالجة بطبيعة الأمر قصيرة الأمد، من دون أن ننسى العقوبات التي فرضت على سوريا على مدى أكثر من 14 عامًا.

 

ـ ما هي التحديات الملقاة على عاتقكم كمطران لبناني في سوريا وكيف تسيرون أعمال أبرشيتكم بالتعاون مع السلطة الكنسية في لبنان؟

أحب رعيتي ومن خلال هذه المحبة يمكننا العمل وإنجاز الكثير. من الممكن أن يسجل وجود مطران ماروني بعض الإضافات لا سيما في موضوع النقد والحريات والإعلام، لكن الكنيسة المارونية في سوريا فقيرة، ولا تملك مؤسسات تربوية أو استشفائية. نحن كنائس صغيرة تعيش على المساعدات الخارجية وتحديدًا من الكنيستين الألمانية والفرنسية إضافة الى ما نتلقاه من الفاتيكان. لا نملك مقومات الاستقلال المادي وهذا ما يجعلنا نعيش الفقر الإنجيلي، ونركز على ليتورجيتنا المارونية التي تعطينا هوية وتميزًا. عملنا يقوم على التكامل مع لبنان الذي يُعد مختبر الكنائس الشرقية جميعًا. فكلية اللاهوت موجودة في لبنان والاكليريكية ودير الابتداء أيضًا، حتى البرشان والشمع من لبنان. نحن مرتبطون بهذا البلد، ونتنفس كمسيحيين في سوريا منه، وعندما يكون لبنان بخير تكون كنائس الشرق كلها بخير.

 

ـ ما هي الرسالة التي توجهها الكنيسة المارونية في سوريا الى مؤمنيها وكيف ستساعدهم للتشبث بأرضهم؟

من الضروري أن نتمسك بإيماننا الحقيقي، فمار مارون علّمنا فضائل التواضع والتجرد، كذلك، الدفاع عن الإيمان الحق الذي تمسكنا به في تاريخنا ودفعنا من أجله الكثير من الشهداء.

 

ـ ما هي أبرز المعالم الدينية المارونية في سوريا التي وجب زيارتها؟

في الشام، دفن الإخوة المسابكيون الثلاثة الشهداء، فرنسيس وعبد المعطي ورفائيل.

في دمشق أيضًا، رمزية لمار بولس، وضريح مار يوحنا المعمدان الموجود اليوم ضمن الجامع الأموي، من دون أن ننسى براد وصيدنايا ومعلولا، وجميعها أماكن حج لا بدّ من زيارتها مع انتظام الوضع العام في سوريا.

لا بدّ من الإشارة أيضًا الى أن الكنيسة المارونية أصبحت منتشرة في كل العالم ولم تعد مشرقية حصرًا، فأكبر مدينة مارونية في العالم اليوم هي سيدني في أستراليا، وندعو الكنيسة في العالم الى ضرورة التأقلم في بيئاتها الجديدة من البرازيل الى أميركا فأستراليا وأوروبا.

 

ـ كلمة أخيرة

في عيد مار مارون، نصلي من أجل المصالحة ومن أجل سوريا الجديدة ونتمنى أن يعيده الله الله على الجميع بالسلام والتسامح والمحبة.

إقرأ أيضًا

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل