بالصومِ يُفتح بابُ السماء حينها يَدخل المؤمن المسيحيّ بعلاقة مباشرة مع الله، إذ يترك خلفه كلّ مشاغل الدنيا وطيّباتها من مأكل ومشرب ويقوم بتوبة صادقة تجاه ربّه، ليعود ويصالح كلّ من عاداه، غافرًا لهم بقدر ما غفر له الله. تنتظر الكنيسة الكاثوليكيّة زمن الصوم سنويًّا بفارغ الصبر لتعيش زمن محبّة مع أولادها المؤمنين، فيسمع الله صوت المحبّة الهادر من قلوب الصائمين ويغدقُ نِعَمَه على الجميع وتَفيضُ بركاتُه على الكنيسة جمعاء.
ينزحُ المؤمن في هذا الزمن نحو حياة مسيحيّة داخل عائلته الصغيرة فتعودُ الصلوات إلى ذروةِ قداستها ضمن الاحتفالات الراعويّة الجماعيّة أم داخل الحلقة العائليّة البيتيّة، إذ لا يطلب المؤمن عندها سوى سلام المحبّة المسيحيّة ودفء طمأنينتها.
زاد على ذلك البابا فرنسيس في رسالته للصوم هذا العام، تحريضه للمؤمن على التحرّر من كلّ مساوئ العيش والحياة، والقفز نحو قلب الله، ويؤكّد له أنّ هذا الوقت ليسَ زمن الإستسلام والخضوع تحت رحمة الحياة، بل إنّه زمن ميعادٍ جديدٍ. فليضع رجاءه على المسيح ويركض معه في اتّجاه سلام عيد القيامة والحرّيّة، من عولمة اللامبالاة القاتلة. ويسأله أيضًا أن ينظر خلفه ويبحث عن أخيه ويضع يده بيده ليترافقا سويةً على طريق القيامة، وفي حال لم يستطِع أخوه مجاراته لمرضٍ ما أو لإعاقة، فليحمله على كتفيه أثناء عبوره على الجلجلة، كي يدخلا سويّةً في الحرّيّة والسلام ولا يبقى أخوه خلفه وحيدًا على هضبة الجلجلة.
كنيستنا المارونيّة ذات الجذور الأنطاكيّة الشرقيّة تنتسب إلى الكنيسة الكاثوليكيّة الجامعة، تعتمد التقويم الغربيّ في تحديد موعد عيد الفصح، ولكنّها تحافظ على تقاليدها الشرقيّة في الصوم، على سبيل المثال، يبدأ الصوم في الكنيسة الكاثوليكيّة يوم الأربعاء، أمّا كنيستنا فيبدأ صومُها يوم الإثنين. تمتدّ فترة الأربعين يومًا في الغرب من يوم الأربعاء حتّى عيد الشعانين، أمّا في كنيستنا الشرقيّة فمن يوم الإثنين حتّى يوم الجمعة السابق لسبتِ لعازر وأَحد الشعانين، إذ يُحسبُ يوما السبت والأحد عيدين ليسوع الملك ومنفصلين عن زمن الصوم، كما يُعتبر أسبوع الآلام زمنًا بحدّ ذاته؛ ويكون زمن الصوم في كنيستنا المارونيّة على الشكل التالي: زمن الصوم الأربعينيّ، وعيد المسيح الملك، وأسبوع الآلام من الإثنين حتّى سبت النور، أي تسعة وأربعين يومًا، وفي النهاية تتوّج بيوم الخمسين عيد قيامة الربّ يسوع من الموت.
صام الربّ يسوع المسيح وصلّى أربعين يومًا في البريّة ليلاقي مشيئة الله الآب ويحقّقها بين البشر، ونحن اليوم نصوم ونصلّي لنلاقي صورة الله المطبوعة على وجه أخينا في الإنسانيّة ونسير معًا في كنيستنا السينودسيّة على طريق سلام القيامة، وسنشاهد حتمًا وجه الله لأنّه بالصوم يفتح باب السماء.